الفصل العاشر
طـــوبي للأنقيــــاء القـــــلوب
{ طوبي للأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله }
" متى8:5 ".
عليك في الحياة أن تُشـــفي عين قلبـــك لكي تـــــــــــري الله :
تلك هي الغاية من الأسـرار المقدســـــة والتبشير بكلمة الله .
ولــــــــــــــذلك تتخـــــذ الكنيسة التعاليم الأخلاقية الملائمة لتقويم الآداب ،
والقضاء عـلى الشهوات اللحمية ، والكفـر بهــــذا العــالم ،
عن طـــــــــريق الكـــــــــــــــــلام وتغيير أساليب الحيـــاة .
إن كــــــــــــــل ما تقدمــــه الكـــتبُ المقدسة الإلهية ،
لا يهـــــدف إلاّ إلي تنقيــــة النظـــر البـــــــــــــاطني ،
ممّــــــــــــــــا يمنعـــــــــــه عـــــــن رؤيــــــــــة الله .
وكما أن العين خلقت لتري هذا النور الزمنيَّ .
حـــــــــــــتى إذا دخلهــــــا جســم غــــــريب ،
عكّر صفوها وفصـــــــلها عـــن رؤيـــــة ذلك النــور،
كـــــذلك هي عين قلبـــــك فإنهـــــــــــــــــــا : إن تعكرت وجـرحـــــت ، مالت عن نور البر ،
وما تجاسرت أو تمكنت من النظـــر إليــــــه .
متى توصــــلت إلي مشـــــاهدة الله ،
لن تعـــــــود تبحـث عمّا تصنـــعه الآن أو عمّا تجهد نفسك ، سـعياً إليه ،
وعما يضرم فيك الحماس المـــــبرور أو عمّـا تتـــوق إليه بــــــبراءة ؛
وماذا تطلب إن كـــــــان الله حاضـــراً .
وأي شيء يكفيك
إن لــــــــم يكفـــك الله ؟
أنـــــــــت تريـــــد أن تــــــري الله ،
وتتـــــوق إلي رؤيتـــــــــــه ،
وتتحـــــــــرق شوقاً إليـــــه ،
ومــــــن الذي لا يتوق إليــه ؟
ولكن أنتبه إلي ما قد قيـــــــل :
( طوبي للأنقياء القلوب فإنهم يعاينون لله )
هيئ إذن ما يسمح لك بأن تراه .
إن تكلمت بحسب الجسد ، فكيف تريـــــــدُ أنـــــت أن تـــري،
طلوعَ الشمس بعينين مريضتين ؟
أعمل على أن تكون عيناك سليمتين فتفرح بالنـــــــــور .
أما إذا كانتــــــــــــا مريضتــــــــــين فالنور عذاب لهما .
لن يسمحَ لك بأن تـــــــري بقــــلب دنـــس ،
ما لا يُــــري إلاّ بقلب نـــقي ؛
سوف تصد وتبعــــــــــــد ولن تـري شيئاً .
كم أحصي المســــــــــــيحُ من ســـــعداء .
وما أكثر ما تكلم عن أســـباب الســـعادة ،
كما تكلم عـــــن ذوي الأعمال والخدمات ،
والاستحقاقات والمكافــــــــــــــــآت بيد أنه لم يقل عنهم ،
( أنهم يعاينون الله ) .
طـــــــــوبى للمساكين فإنهم يتــعزون .
طـــــــــوبي للجيــــاع والعطاش إلي البر ،فإنهم يشـبعون .
طـــــــــوبي للرحمــــاء فإنهم يرحمون ..
ولم يقل أبداً .. ســـوف يعاينــــــون الله .
وإذا تكلم عن ذوي القلوب النقية وعدهم بمشاهدة الله ؛
والسبب هو إن لهم عيــــــــــوناً يشـــاهدون الله بهــا .
وما الذي يعكر صفاء عين قلبك ؟
الشــــــهوة والبخل والإثــــــــــــــــــم واللذة العالميــة .
هذا كله يعكــــــــــــر ويغلق ويعمى عين القلب .
وكيف لا يبحث الإنســــان عن الطبيب ،
مــــتى كانـــت عينُ جسـده عكـــــــــرة ؟
وبأيـــة سـرعة ينتظر فتحها وتطهيرها لتشـــــــفي ،
وتتمكن مـــــن رؤية النـــور الخارجي من جديــــد ؟
أنت تركض ولا تتوقف ولا تتمهل ولو وقعت في عينك قشه صــغيرة ،
أكيـــــــــــد بأن الله صنع الشمس التي تريد أن تراها بعينين سليمتين .
فالخالق أكثر ضيـــاء ، وذاك النــــــوع مـــــن النـــــــــــور ،
ليس هو الذي يصل إلي عين النفس ،
إن النور الذي يلائمها هـــــــو الحكمـــــــــةُ الأزليــــــــــــة .
أيهـــا الإنســان إن الله صنــــعك على صــــــورته :
ألــــم يعطــــك ما يلزم لتري الشمس التي صنعها ،
حـــين صنعتـــك على صـــــورته ؟
إليك ما أعطاك : لقـــد أعطـــــــــــــاك عينين جســـديتين ،
وعينين نفســــيتين ،
ولكنـك تغالي في حب عينيك الجسـديتين ،
وتهمل هذا النظــر البـاطني ،
الـــذي تتركه بالياً وجريحاً .
لــــــــو شــــــاء الله أن يظهر لك ،
لكان لك سبب عذاب قبل أن تعُني بعينيك وتبرأ .
حـين خـــــــــــطئ أدم في الفـــــــــردوس ، أختبأ عن وجـــه الله ؛
ويوم كان قلبه ســـليماً ، بنقاوة ضـــــميره ، ســــــــرُّ بوجود الله .
ولكن بعـــــــــــــــــــــد أن جرحـت الخطيئـة عينيــــــة الباطنيتـين ،
بــــدأ يخــــــــــــــــــاف النـــــــــــــور الإلـــــــهي ،
ولجأ إلي كثافة الأوراق هرباً من الحقيقة إلي الظل .