الفصل الرابع
في التقــــــــــــــــوى
حكمة الإنسان تقواه :
هذا ما جاء في كتاب أيوب البار :
( حيث قالت الحكمة عينها للإنسان . أن خشية الرب هي الحكمة )
" أيوب28:28 ".
فضلاً عن أن التقوى عبادةُ الله ولا يُعبد الله إلا بالمحبة .
و بالتالي ،
فالتقوى السامية الأصلية مرتكزة على هذه الوصية الأولي القائلة :
{ أن تحب الربّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك } " متى 37:22 ".
ولهــــــــــــذا ، فالتقـوى هي :
أن تحب الله ولا تُفــــاضُ في قلوبنا المحبةُ ،
إلا بواسطة الروح القــــــدس الذي أعطيناه .
وعليـــــه ، فإن : التقوى أو عبادة الله الحق ، عبادة صحيحة مفيدة للجميـع ،
وهي التي تبعد عنَّا متاعب الحياة أو تخففها وتؤدي بنا إلي الخلاص والحياة ،
حيث لا وجع بل تمتعّ دائم بالخير الأبوي الأسمى .
إني أحثك على :
أن تبلـــغ هذا الخــير ، ما أستطعت إليه سبيلاً ،
وأن تحافظ عليه باستمرار كما أشتهيه لنفسي .
أقـــــــــــــــــــــرع باب الحياة بقداسة حياتك يفتحه لك إله الحياة .
سل وأطلب وأقرع بقلبـــــــك لأن الله يفتـــــح للســـــــائل بقلبـــه .
وعلى القلب أن يكون ورعاً ليسأل وفقـــــــاً لنظــــــام ،
ويقرع حيث يجد أن يقرع ،
ويطلب ما هــــو نافـــــــع .
تقوم التقوى على أن : تحـــــــــــــــبَّ اللــــــــــــــه مجـــــــــــاناً ،
وعـــــلى ألا تطلب خارجاً عنه المكافأة التي ترجوها .
إذ لا أحد خيرُّ منه ، وهل يسأل الله شيئاً ذا قيمة مم لا يحترم الله ؟
أنه يعــطي الأرض ، أنت تفرح يا من تحب الأرض فتصير أرضاً .
إن كنــــــــت تفـــــــرح حين يعــــــــــــــــــطي الأرض :
فكم يكون فرحكُ عظيماً حين يعطيــــــــــــــك ذاتـــــــه ،
صانع السماء . والأرض ؟
أنت تبحث كيـــف ترضي الله ؟
وماذا تقدم له ؟ قدم له نفسك .
وماذا يطـــلب منك الــــرب ســــوي ذاتــك ؟
لقـــــد خلقك أفضــل مخلوقات الأرض كلها ،
وبحث عنك بعيــداً عنــك ؛ لأنك كنت تائهـاً ،
فأحتقر ما أنت الآن لتصــير ما لست الآن .
أصلحْ نفسك وســـــبح الله في يسرك ،
وأشكْ نفسك في عسرك .
يوم تأنفُ من فســــاد فيـــك : وتصلح نفسك بمساعدة خالقك ،
تستقيم وترعي التقــوى والبر .
إن خدمت الله حباً بالزمنيات : لم تكـــــن نيتـــــك مســــتقيمة .
إنك تراقب من لا يعبدون الله :
فتجدهم يملكون خيوراً تتوق إليها بطاعتك لله ،
قائلاً في قلبــك : وأي نفع لي من طـــاعة الله ؟
وهــــــــــــــــــل أمــــــــــــلك ما لـــــــــــــذلك
الذي يجــدفّ عليـــه كل يـوم ؟
أصلي فأجوع ؛ ويجدفّ فيعيش في بحبوحــة
إن وضعت همـــك في هذه الأمـــور ،
كنـــت ذلك الإنسان القديم ،
لو كنـــــت الإنسان الجديد لرجـــوت
الميراث الجديد لا القــديم .
إن رجوت الجديد دُســــــتَ الأرض واحتقــرت مجد العظمــاء ،
ومــتى احتقـرت هذا كله تواضعت لئلا تـــــزلَّ إن إرتفعــــت .
أرفــــــع قلبــــك إلي العلى إلي جوار الـــرب ، ولا تخــــــالفه .
المتكــــــــــبرون يرفعون قلوبهم إلي فــوق ،
ولكنهم يخالفــــــــون الله .
إن أردت أن يكون قلبك فوق فألزم الـــــرب .
وإن كان قلبـــــــــك ملازمـــــــــــاً للـــــرب ،
فالــرب يمسك به ، لئلا يسقط على الأرض .
أكــــــــــرم الله يكرمــــــــك الله ،
إن أنــــــــــت أكرمــــــــت الله ،
فلست تصّيره أفضل مما هو .
أنت تكــــرم الله عابـــداً إياه لا حـــارثاً له .
أما هو فيكرمك كما يحرث الحارث حقله .
وبذلك يجعلك أفضــــــــــــل ممـــــا أنت ،
كالفــــــــــلاح الذي يحرث الحقل فيصيّره أفضل مما كان ،
ويطلب فيـــك الثمـــــرة عينها ، تكريماً له .
إكرامه فيك ، ولذلك لا ينفك ،
ينزع بكلمة ، من قلبك بذور الشـــــــــــــــــــــــر ، ويفتحه بالوعظ كما بالمحراث ،
ويـــــــــــــــــــــــزرع بذور المشورات الصالحة ، منـتــظراً التقـــــــوى ثمــــرة .
وثمرتك هذه لا تكُثر غناك ؛
بل تزيد ســعادتك ويلازمك هــــذا الشعور إن كنت حقاً تحـب الله .
وحـــين تقبل راضياً بالعناية التي أحاطك بها ، تقدم لــه إكراماً ،
ولا تنكر فضل الحارث عليك إنما تعطيــــه ثمـــــرة بها يفــرح .
وإن أردت أن تكــــون ســـعيداً : فلا تموت في خيور أحبتها وبين ملذات الأرض وشهواتها .
فقد تكرم الله وترفع إليه الصلاة لتحيا طويلاً فيها وتحتفظ بكل ما هو لك
فلا تفقد مثلاً لا الذهب ولا الفضة ولا ما يشبع لذة النظر فيك ،
وتطلب لأصدقائك ولبنيك ولزوجتك ولزبائنك أن لا يمــــوتوا ،
وتــود لو تعيش إلي الأبد في وسط تلك الملذات .
وبما أنك : لا تسـتطيع أن تحيــــا إلي الأبـــــــــد ،
تفهم أنك : صـــــــــــــــائر إلي المــــــــــــــــوت ،
فتكرم إذ ذاك الله وتبكــــي أمــــامه وتســـــأله أن :
يبقي لك تلك الأمور حتى أيام شيخوختك .
ولو أن الله قال لك :
ها أني جعلتك وسط هذه التي تحبها خالداً إلي الأبد ،
لاعتبرت كلامه هذا خيراً عظيماً ولما استطعت أن :
تضبط نفسك في نشوة الاعتراف بالجميل .
الرجـــــــــــل التــــــــــقي : لا يسأل شيئاً كهذه ،
لأن من يكـرم الله بتجرد : يرغب في التـــــأمل بمحـــاسن الله ،
طول أيام حياته .
لا تســـأل الله : ما يدعوك هو عينه إلي أن تــــــرذله .
جزاء التقوى : حيــــــــــــــــــــــاةُّ إلي الأبـــــــــــــــد .
لا تؤخرُّ توبتك إلي الله يا من تثقُ به جزاء لـــــــــك ، أنــت الذي تتجــــــه إليـــــــــه .
أنـــت تثق به جزاءً موعوداً ، برغم انـه لم يسمح لك بالتأخر .
ويوم أستأجر رب البيت عمّالاً لكرمه :
هل قال له عمال الساعة الثالثة : رويدك نحن لا نذهب إلا في الساعة التاسعة ؟
أم قال له عمّال التاســـــــــــعة : لـــــــن نــــــأتي إلا في الحــــادية عشــــرة ؟
وطالمــــــا أن الكل يتقاضون الأجرة عينها ،
فلمــــــاذا نرهـــــق أنفســــــنا بالتعــــــب ؟
إن الذي يأتيــــــــــــــــــــه رب البيــــــــت ،
ويعطيـه هو أمر خاص به دون ســـــــواه ،
أمَّا أنت فتعــــــــــــــــــال سـاعة يدعـوك .
ومع أن المختارين يتألقــــــــــــون وفقـــــاً لاستحقاقاتهم :
هذا يتألَّـــق أكــــثر وذاك أقـــــــــل فالجميع يتسـاوون في السعادة الأبدية ،
لأن الأبـــــــــــــديًّ لن يكون طويلاً بالنسبة إلي هــذا ،
وقصيراً بالنسـبة إلي ذاك ،
لأن ما لا ينتــــهي ، لا ينتــــهي بالنســـبة إليـــــــك وإليّ على الســواء ،
ويتسـاوى الجميع أمام الجزاء إنما المهم أن تعرف ساعة بدء العمــــل .
هـــبْ أنــــك دعيت الساعة السادسة في نضرة شبابك ،
أبــان الساعة السادسة ، وأجبــــــت الله :
رويدك رب ، ها قد سمعت في إنجيلك :
بأن الكل يأخـــــذون الأجـــــرة عينهــــا ،
لهذا حــــين أصبح شيخاً في الساعة الحادية عشرة ،
أجيء إليك ولما المــــزيد من الشــــغل ؟
أتـــــــــدري إن كنت ستصل إلي الشـــيخوخة أم لا ؟
إن دعيت في الســـــاعة الســـادسة فتعــــال ،
في الواقع لقد وعـــــدك رب العمــــل بالأجــر،
الذي وعد به عمّال الحادية عشرة ،
و لكن ، من يضمن لك البقاء حتى الساعة السابعة؟ اني اقول لك حتى الساعة الحادية عشرة
بــل حـــــــــــــتى الســــــــــــــابعة .
ولم ترجئ تلبية من يدعوك ؟
يا من تأكدت من الأجر ولم تتأكد من اليوم الأخير ؟؟
إن صحّ هذا الكلام في الأولاد المدعوين ، الســـــــــــاعة الأولي ،
والفتيـــان المعينَّــــين ، للســــــــــــاعة الثـــــــــــــالثة ،
والشبان الشــهوانيين ، عمــال الساعة الســـــــــادسة ،
فأحـــر به أن يصح في عمّــال الساعة الحادية عشرة ،
الهرمين ؛ أجل هي الساعة الحادية عشرة ،
لا تزال تنظر أيها المتخــاذل عن المجـــيء.