الفصل التاسع
طــــــوبي للرحمـــاء
{ طوبي للرحماء فإن الله يرحمهم }
" متى5-17 "
أعمل فيكـــــــــون ؛
أعملْ لآخـــــــــــر ليكــــــــــون لك ،
كمـا عمــــلت له .
أنت فــــــــــــــي بحبوحــــــــــــــة ،
وفــــــــــــي وفاقــــــــة معــــاً ،
أنت مكتـــــــــــظ بالخيرات الزمنية ،
ومحتاج إلي الخيرات الأبديـــة ؛
تســــــــمع الفقـــــــــــــــــــير يســـــتعطيك ،
وأنت ذاتــــــــــــــك تســتعطي الله .
تُسأل وتَسأل :
إن الله يعاملك
كمـــــا تعامل من يستغيث بك .
أنك ملئ وفارغ معاً :
أملأ ممّا يفيض عنك من ليس له شيء ،
لكي يمتـلئ فراغـــك من مــــــــلء الله .
إن ما تقوم به هنا هو نافع لك بنوع خاص :
( تعطي الفقير الذي يمــــــرّ ويســـــأل ،
ثم تبحـــــث عن البــــــــار فتعطيــه ؛
وبواســــطته تلج المخادع الأبديــــــة ،
لأن من يقبل صديقـــاً بإسم صــــديق ،
يأخـــــــــــذ أجـــــــــر صـــــــديق )
" متى" 41:10 ".
أعمال الرحمة بذار الحصاد الآتي : ـ
إن مــــن يـــــزرع بالشح فبالشح يحصد أيضاً ،
ومــــن يــــــزرع بكثرة فبكثرة يحصد أيضـاً ،
ومـــن لا يــــزرع شـــــيئاً لا يســــــتغلّ شيئاً .
أزرع الآن تحصـــد في المســــــــتقبل ،
أزرع ههنا تحصـــد فــــــــــــــــــــوق ؛
الحصــاد لا يقطــع في الصيف ويزول ،
إنمـــــــــا يؤكــــل بفــــــرح يبـــــقي .
ولـــــــــــمَ تطـــلب ما تتواني عن أعطــائه ؟
أنـــــــــت تريــــــد شــــــــيئاً وتمـــلك آخر :
أعـــــــــــــــــــــط مـــــــا لـــــــــك ،
لتستحق أن تأخذ مـــــــا ليـس لك .
تأمل عمل المرابي :
أكيد أنــــــه يريــد أن يعــطي ،
أقل ممّــا يأخـــذ .
أعمل مثله ، أعــــــط قليـــلاً ،
وخـــــذ كثيــراً .
أنظر كيف يزداد ربُحك : أعط ما هو زمنــــي ، وخذ ما هو أبــــدي ،
أعـــــــــــط الأرض ، وخذ الســـــــــــماء .
الله نفسهُ يذهــــب لملاقـــاة من يتوســل إليــــه ،
انه يأمرك بأن تقتدي به مخافة الإحجام عنـــــه .
ليس الله بحاجة إليك :
إنما لك أخ يحتــــــــــــاج إليك ،
فأعطه ما يسألك يأخذ الله منك .
ليس للفقير شيء يعطيكه مقابل ما تعطيه ،
وإذ يريـــــــــد أن يكافئـــــــــك ،
فـــــــــــلا يجــــد لديــــه ســـــــــــــــــوي الإرادة الصـالحة ،
للصــــــــــــــلاة مـــــــن أجـــــلك .
وكأني بالفقير يقول لله في صلاته من أجلك :
رب : لقـــــد اسـتدنتُ فكــــــــن لي كفيـــلاً .
أنت لا تلزم المدين بإعادة دينك ، إنمــا لك عليـــــــــه ضمـــــــــانة .
أعط ولا تخــــــــــــــــــــــــــــــف ، إن الله يفيـــــــــــــــــــــــــــــــك .
أقبل الغرباء ،
أو لست تعلم انك متى قبلت واحداً منهم ،
قبلت المســـــيح .
أليس هو القائل : كنت غريباً وقبلتموني ؟
وإذ يجيبــــــونه : رب متى رأيناك هكـــذا ؟
يقول :
( كل ما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء فبي فعلتموه )
" متى 35:25 ".
حـــــين تســـــــتقبل ضيفــــــــــــــــــاً ،
فأنــــت عضـــــــــو يخدم عضواً أخـر ،
واللـــه الــــــذي هو الــرأس يبتهـــج ،
ويعتبر صنيعك هذا مع أحد أعضــائه ،
موجَّهــــــاً إليـــــــــــــــــــــــه .
وعليه :
أطعم ههنا المسيحَ الجائع :
إن عطشَ فأسقه من شـــرابك ،
وإن كان عريـــــــــاناً فاكســــه .
أو مســــــــــــــــــافراً فاقبــــلْه ،
أو مريضـــــــــــــــــاً فعُــــــــه .
عشْ ، عــــــلى هـــــذا النحــــو ،
طــــوال ســـــــــــــــفرك ،
حيــــث المسيح في فاقـه .
أنظر أيهـــــــــــا المقرض البخيـل :
لأنك إن لـم تعـط هـــــذه الخيرات ،
فســـــــدت عـلى الأرض .
ومـــــاذا تصبــــــــح لو لــم تعـــط تلك الخـيرات ؟
مــا كان معُداً للهلاك فوق الأرض يحفظ للسماء .
ســــــتنال ما حفظ لك : الاســتحقاق محفوظ ،
واستحقاقك كــــــنزك هنالك عملُ رحمة أخر :
أتريد أن يعطيك الله ؟ أعـــط أيضــــــــــــاً .
نطالع في الإنجيل :
( أغفروا يغفر لكم ، أعطوا تُعطَوا )
" لوقا 37:6 "..
لك شــــــيء عليــــــك ولك شيء على الغـــير : أغفر يغفر لك الله .
أنك تسأل الله شـــــــيئاً ، وآخر يسألك أيضــــــاً : أعط يعطــــك الله .
ألا تعتبر أعمال الرحمة ذات قيمـــــــــــــــــــة ؟
أنتبــــه لهــــــذا القول : ( من لا يرحم يدُان بلا رحمة )
" يعقوب13:2 ".
إن من لم يرحم قبــــل دينونتــــه يـــــدان بلا رحمـــــــــــة ،
إن الرحمة تسمو على الدينونة وتفضّـــــل عليهــــــــــــــا ،
وكــــــــــل من قام بعمل رحمة ،
وإن كانت عليه خطيئة تستوجب العقـــاب، في يوم الدين ،
فســــوف يري نار خطيئتـه تنطفئ تحــت ماء الرحمــة .
ومـــــــاذا ؟
هــــــــــــل يعتـــبر الله ظالمــــــاً ، حــــــين يدافــــــــع عن أولئـــك ، ويغفر لهم ؟
الله عــادل في موقفــــه هـــــــذا ؟ الرحمــــة لا تسلب منه العــــدل ،
والعـــــدل لا يسلب منه الرحمـة .
أنظر إذا كان الله ظالماً : أغــــــــفر يغفر لك ، وأعطه يعطك ....
أنظر إذا كان الله ظالماً : بالكيل الذي به تكيل يكــــال لــــك .
أنظـــــر رحمتـه :
أغفــــر يُغفــــــــر لـــــــك .
فيــــــك قيــــاس للغفران ،
وفي الله قيــــاس لقبـوله .
فيـــــــك قيــــاس لأعطـــاء مــــــــــــــالك ،
وفي الله قيــــاس لقبــــــول ما ليس لــك ،
وهــــــل أنصـف من أن يحبس الله عنك رحمته ،
إذا أنـت لم تشــأ أن ترحم قبــل مجــيء ديـانك ؟
أمـــــــا إذا صنعـــــــت رحمــــــــةً ،
فسوف تدان برحمــــة ،
ذلك هـــــــو العـــــــدل ،
وبالنتيجة ، أغفر إذا أسـيء إليــــــــــك ،
وأعط مما يكــثر بين يديـك .
ومـــــــن أيــن لــك أن تعطي ،
إذا لــــــم يكن لــك من الله ما تعطي ؟
إن أعطـــــــيت مما هو منــــــك فـــذلك لعمري سخاء ،
ولكن بمـا أنك تعطي مما يأتيك من الله فذاك وفـــــــاء ،
وأي شيء لك ولم تأخذه ؟ ( 1كور17:4 ) .
إن الرحمة ، والتواضـــع ، والاعتراف ، والمحبة ، والســلام ،
هي القرابـين الأكــــــثر قبـــــــــــــولاً عنــــد الله .
ومع ذلك ، لا تفكّــر فقـط بمـــن كان فقـــــــــــــيراً إلي المــال .
لاحظْ نوعية فقر كل واحد :
قد تكـــــون غنيــــــاً بما ينقصه وبوسعك أن تغيثــــــه .
إن أقرضت أعضاءك ، فإنك تقرضهـــــم مالاً وحسـب .
وإن كان محتاجاً إلي مشورة ، فأنـــــــت ذوي حكمة ،
أم فقـــيراً إلي نصيحة ، فأنــــــــت غنى بهــــا .
إذ ذاك أنت لا تشتغل ولا تخــــسر شـــيئاً :
تعطي مشــــــــورة فتوفــر لــــه صـــدقة .
أحبـــب على هذا النحو قريبــــــك ،
ولا تهتم بنفســــــــــك وحســــــب ،
بل أنظر حواليــك إلي المحتاجــين ،
تـــــــــزرع بالدمـــــــوع ،
وتحصـــــــــد بالفـــــــــرح .
ولكـن ألــــــــــــــــــــزم الفطنـــــــــــــة ،
لأن الصدقة الحقيقية تأتي من القلب :
إن بسـطت يدك ،
وكـان قلبـك خاليــــــــــاً مــن الشــفقة ،
فلســــــــت تعمل شـــــيئاً ؟
إمــــــــــا إن عمر قلبــــك بالشـــــــفقة ،
وإن لم يكن لك ما تعطيه بيد مبسوطة ،
فاللــه يقبــل صــــــــدقتك .
تصــــدّق بفرح لأن الله يحب المعــطي الفــرحان ،
( 1كور 7:9 ) .
حينــــــــــذاك تعمــــل خيراً ، وحســـــنـاً تعمله .
إمــــا إن كنت تصــــــــدقت وأنـــت كئـــــــــــيب ،
فالصـــدقـــة هي منــــــك ، ولست تعملها جيـداً ،
فلتكــــن فيك المحبـــــــــة عـــلى رحبهـــــــــــا :
وســــعّ قلبك لئلا تكـــــون تحت النير مع الكفرة .
رحابة المحبة وحـدها تعمـــــــل بإتقـــــــــان ، أجعلها فيـك ،
لئــــلا يضيع شيء من الخـير الذي تعمـــله .