الفصل السادس
دواء مرضـــــــك تواضـــــــــــــــــــــع المســـــــــيح ،
ولا هـــــــلاك لك إلا إذا أصبـــــــــــــت بداء الكبرياء ؛
الخطيئـــــــــــــــــــــة فيـك الكبرياء ؛
و البر ضروري أصلاً لمقاومة الخطيئة في أصــــلها .
إن كانت الكبرياء أصل كل خطيئـــــــة ،
فأنيّ لورم الكبرياء
أن يشفي لـــــولا تنازل الله واتضاعه .
و لــــــــــذلك فقد تنــــازل السـيد المسيح
و اتضع مبيّناً لك الطريق الواجب سلوكه إذا شــئت .
إتضاع الرب في نظـــــر المتكـــــــــبرين غير لائق ؛
ولذا فالشفاء بعيــــد منهــم .
لا ترتفـــع ، بل انحــدر إذا شــــــئت أن تشفي .
وإذا شـــئت أن تبلـــــــغ إلي ســـموّ الله فأبحــــث عنـــــــــه أولاً في تواضعه .
أتضـــــــع إن شـــئت ؛ فالتواضع مفيد لك لأن الله قد أتضع من أجلك وليس من اجـــــله .
خذ المسيح المتواضع وتعلّم منه التواضــــــــــــــــــع ؛ إياك والتكبر .
حين تأخــــذ تواضعه ترتفع معه ،
وترتفع ليـــس كما يرتفع هــــو .
بل انه يرفعك معه رويداً رويداً .
في البدء كـــان عقلُك متأرجحاً بين الشـك واليقــــــــــــــــــين :
أمــــا بعـــد فســـوف تفهم بثقــة و وضـــــــــــــــوح .
هــــــو لا ينمو أمـــا أنـــــت فتدنــــو منه و كأنه مرتفعُّ معك .
آمــــن بوصايا الله وأعمـــــــــــل بموجبهــــا ،
ليعطيك القدرة على الفهم .
لا تعتـــدَّ بعلمـــــك ولا تؤثــــــره على وصيـــــــــــــة اللــــه
مخـــــــــــافة أن تخسر قدرتك وتضعف .
أنظر إلي الشجرة كيف يبدأ النمو من أســـــــــــــــــــــــفلها
ثم ترتفــــع في الجــــــــــو .
جذورها في الأرض ورواسيها إلي الســــــــــــــــــــــــــــماء .
وهل تستطيع الشجرة أن ترتفع في الجــــــــــــــــــــــــــــــــو
إذ لم تعتمــــــد على جذورهـــا في الأرض ؟
إن شئت أن تبلــــــــغ السموات ،
بمعــزل عن التواضع والمحبــة ،
فـلا أصــــــل لـــــــــــك .
حينذاك تطلب الهلاك ، لا النمو وتبتغي الريـــح .
المســــــــيح يســكن في قلبــك بالإيمــــــــــــان ،
تأصل في المحبــــة واثبت فيها لتمتلئ من الله .
أسمع شهادة الرب القائل :
( أعترف لك يا أبـــــــت ، رب الســــماء والأرض ،
إذ أخفيت هذه عن الحكماء والعقـــــــلاء وكشفتها للأطفال )
" متى25:11 ".
لا تفهم هذا الكلام بغير معناه :
لقد أخفاها عن الحكماء والعقــــــــــــلاء
ولم يكشفها للجهـــــــال والبلهــــــــــــاء ،
بل أظهرها للأطفــــــال .
لم يضع مقابل الحكماء والعقلاء الجهال ،
والبلهـــــــــــــــــــاء ، بل الأطفــــــــــال .
ألم يعن الرب بالحكماء والعقــلاء أولئك المتكبرين حــــــين قــــــــال :
( لقـــد كشــفتها للأطفـــــــــــــــال ) ؟
لقـــد أخفيتهــا عمن ليسوا صغاراً .
ومـــــــــاذا يعنــي بكلامه هذا ؟
يريــــــد : عمَّن ليســـــــــــــــوا متواضـــــــــــعين ؛
ومن هــــم غـــــير المتواضعين ســـــوى المتكبرين ؟
كن طفلاً ، لأنـــك لو شئت أن تكون كبيراً نظــــــــــير
الحكيم والعاقل فلا تنكشف لك طريق الرب .
اسمع الرسول :
{ زعموا أنهم حكماء فصاروا حمقي }
" روميه 22:1 ".
أتخذ لك علاجاً يضاد هذا القــــول :
إن كنت تصير جاهلاً لمجرد ادعائك الحكمة ،
فمــــا لك ســــــوى ان تعــــــــترف بجهلك لتصـــــــــــير حكيماً .
ولكــــــــــــــن قـــل هذا القول وفكر به باطنيـــاً ،
ـــــــــــــ لأن الحقيقــــــــة باطنيـــــة .
وإذا قلــــــــــــــت ، فل تقل أمام الناس وحسب ،
بل فليكن كلامـــك أمام الله .
يقوم المعتقد المسيحي على التواضع ويوصي به ،
فلا تفــــــاخر أنـــــت ألا بصليب ربنا يسوع المسيح .
" غلاطية14:6 ".
ليس من الحكمة أن تفاخر بحكمة المسيح
إنما خـــــــير لك أن تفاخر بصليبـــــــــــه
من اجله يحتقرك الكــافر ،
و يمتدحك التقــي .
إن المسيحي يفاخر بما يحتقره المتكبر .
قال بولس الرسول أنه :
( لا يعرف شـــــيئاً ألا يسوع المسيح
وإياه مصـــــــلوباً )
"1كور2:2 ".
إذا كــــــانت معرفته محصورة بهــــــــــذا الشــكل ،
ــــــ فمعرفة البــــاقي مضمــــونة لـــــــه .
أنه لشرف للإنسان أن يعرف المســــــيح مصلوباً ،
لكــــــــــن المسيح قد وضع كنزه أمــــــام الصـغار
وكـــــأنه خفــــــــــــــــــــــــــي .
ما أكـــــــــثر غني هذا الكـــنز البـــاطني ؟
احــذروا منه أن يسلبكم أحد بالفلســــــفة
و الغـــــرور البــــــاطل حسب سنّة الناس ،
عـــــــــــلى مقتضـــي أركــــان العـــالم ،
لا عــــــــلى مقتضـــي المســــــــــــــيح :
( المكنون فيه جميــــع كنـــــــوز الحكمة و العلم )
" كولسي 3،8:2 ".
احذر من أن تسلبك الحكمــة بإســـــــمها .
و لـــــذلك فأطــــــــــــــــــلب الكنز المخفي وصلّ كي ينكشــــف لك .
أيهــــــــــا الفيلسوف العالمي الأحمـــــــــق تطلب ما ليس شــــــيئاً ،
و تغُفل ما هو كـــنز لك !!
و ماذا ينفعك العطش إلي المعرفــــة يا من تمـر أمام الينبــــــــــوع ،
و لا تتوقف عليـــه ؟ تحتقر التواضع لأنــــــــك لا تعترف بالعظمة ؛
لكن الحكمة تصـــغي إلي ما تـــــأبي الكبريــــاء أن تصــغي إليــه .
لا تطلــــب ما يرتفع في قلبك ،
بل أطــــلب ما يســـتحق قلبك ،
أن يســـــمو إليـه .
إن تعلمـت أن تفتخر بالمصلوب ،
أخذت المجـــــــــــــــد ،
مـــن المـــــــــــــــلك .
كثيرون رأوا الهــــــــــــــــــــــدف ،
ومـا اكتشفوا السبيل إليه .
لقــــــد أحبوا الوطن العلـــوي ،
وجهلوا سبيل التواضع .
أبحث عن كـــــــــنزك في ما تخجل منـه الفلسفة المتكبرة ،
لأنــك لن تســــتطيع الوصـــــــول إلـي كــــــــــــــــنزك ،
إذا احتقــــرت الحجـــــــاب الذي يغطيـــــــــــــــه .
فــي التواضع العظمة ،
وفي الضـعف القـــوة ،
وفي المــوت الحيـــاة ،
إن أردت الوصول إلي الواحد ،
فلا تحتقــــــــــــــــــر الأخـر .
لا تستكبر ، فالإيمــان نعمــــة من الله تعُطي مجــاناً ،
و ليست أجـــــراً على عمــــل ؛
بـــــــل رحمـــة من قبل المعـــــــطي .
إيمـانك هبــــــة من اللـــــــــــــــــــه .
وليــس حقــــــاً لك .
أسمع قول الرب :
( لا يقدر أحد أن يقبل إليّ ما لم يعط له ذلك من أبي )
" يوحنا66:6 ".
ويُمـــارس هذا العنف على القــلب ،
و ليــــس على الجسم .
آمنْ فتأتي و أحـــبب فتُـــــــدعي .
عذبـــــة هي تلك الشدة وطيبـــــة ،
وطيبتهــــــــا تدعــــوك .
النعجة الجـــائعة تندفــــع إلي العشب حيث تراه ! أليس كذلك ؟
هلمَّ إلي المسيح ولا تخف من طول الطـــــــريق : آمن وتعال .
يقُبــــــل الإنسان إلي من هـو فـــي كـــل مكــــان ،
سالكاً سبيل الحب دون البـــحر .
وبمـــــا أنــــــه طريق محفــــوف بشتى التجارب ،
والعواصـــــــف ،
والأنــــــــــــواء ،
آمن بالمصلوب يكـــن إيمانك على خشـبة الصليب في مأمن منها ،
إذ ذاك تُحمــل على الخشــــــــــــبة
و تنجــــــــــــــــو من الغـــــــرق .
إن كنت مؤمناً فأفرح بما أعطــــــــيت ، أشكر ، بقلب متضـــع ،
الربّ الذي أحسن إليك ، لئـــلا تخســـــــــــــــر ،
مـــــا نلته متواضـــعاً .