الفصل الثاني عشر
يتغذى العقل بالمطـــــــالعة .
في الجسم الذي يصـــــوم ، وينتعش الإنسان الباطني بفضل هذا الـــدواء ،
ويصبــــح قــادراً عـــلى أن يتحمّـل برجـولة صــوم الإنســان الخارجي .
ويحسن بك أنت أيها الغيور :
الــــــــذي يحمــــــــــــل في جســدك موت السيد المصلوب :
أن تكونّ لنفسك صليباً من قهــــــــــــرك لملذات الجســــد .
بيـــــد أن هذا الصليب الذي لم يخجــــــل منه الرســــــول ،
بل فاخر به قائلاً :
( حاشا لي أن أفـــــــاخر إلاّ بصليب يسوع المسيح ،
الذي به صلب لي العــالم ؛ وأنا صُـــــلْبتُ للعالم )
" غلاطية14:6 ".
وليــــس لأربعــــين يومـــاً بل للحياة بأسرها .
صـــــــــمْ الصــــوم الكبـــير واحـــــــــــــــــذر في الباقي من السنة ،
مــــــن أن يــرزح قلبـــــك : تحت وطأة السكر و الإفراط في الحياة ،
ولا تتلطخ بالـزنى و الدعـــــــــــــــارة ،
ولا تـــأت المنكـــر .
أمَّا في الصـــــوم : فتــنزه عــن الأعمــــــــــــــــال المســموح بهـــــــا ،
وأصرف بالصلاة : الوقت الذي قد لا يكون لك من استعماله كبير فائدة .
وجســــــــــــدك : الذي استسلم إلي العواطف اللحمية ،
أجعله يخرّ ســاجداً في صلوات بارة .
ويـــــــــــــداك : المتشابكتـــــان في عناقـات مقبـولة .
تنبســــــــــطان في تضـرع إلـي الله .
وإن شــــــــمل : صـــــــــــــــومُك باقي أيام الســنة ،
فــــــزدْ توبةً في الصــــوم الكبـــير .
وإن صلبت جسدك في تلك الأيـــام من الســــــنة بالتعــــــــفف المستمر ،
فأستمسك بإلهك من صمــــــيم فـــــــــؤادك والزمـــهُ .
وعلينا جميعـــــاً نحـــن الذيــــن ثبتنـا على العهـد ، في سفرنا ، مخلصين ،
إن نتوق شوقاً إلي الوطن الواحد بدافــــــع من المحبـــة .
إن لم تَـنَـــــلْ هبــــة الله فلا تَغَــــرْ ممـن نالهــا ولا تهــــزأ بـــــه .
وأعـتبــــــــــر خيراً لــك ما تحب في أخيك مـن الخيرات الروحية ،
كما عليه إن يعــــتبر له الخـــير الذي يحبـــه فيك .
إيـــــــــــــاك أن تســـــعى تظاهراً بالزهد ،
وإن تعـــــدل في ملـــــــذاتك ، بــــــدلاً من أن تسـتأصلها ،
كــــــــــــأن تمتنـــــع عن أكل اللحـــــوم ، وتتنـــــاول الأطعمة النادرة ،
فتتنــــــــــــعم بهــــــــــــــــا ، تحت ســتار قهـــــر الجسـد .
والحـــــــقّ ، أن كــــــــــــل طعــــام نـــــقي ، لمـــــــن كـــــــان نقيـــــاً ،
إنمــــــــــــا ، اللذة الحسية التي تشبعها فيه . ما كانت يومــــــاً نقيــــــة .
أضــــــــفْ إلي صــــدقاتك ما تُحــــــرم نفســـــك منـــه في الصـــــــــــــــوم .
وأضـــــفْ إلي صـــــلواتك التي بها يسهل على صـومك أن يسكّن غضب الله ،
الصـــــدقة التي هـــــــــــي بمثــــــــــابة جنــــــــــــــــاح للتقــــــــــــــــــوى.
وأختــــــبرْ كــــــم يجــــــب عليـــــــــــــــــك أن تتبـاعد عن :
ســلب الآخــرين أموالهم ساعة تشعر بأنك تغشّ .
بحيث لا تتصدق على البائــــــس بما يفضـل عنك .
قال السيد : ( أعطــــوا تُعطــــوا أغفـــــروا يغفـــر لكـــم )
" لوقا37:6-38 " .
قم بهاتين الصدقتين عطـــــــــــــــــاءً وغفـــــــــــــراناً .
بكل نشــــــــــاط ومحبــــــــــــــــة ،
يا من يرفع الصلوات استعطاءً للخير واستبعاداً للعقاب .
إنْ كان المزارع الذي يطلب الحصاد من مكان ، لم يُلقْ فيــه بـــذاراً ، يُعَــدّ وقحـــاً ،
فمــــا أعظـــــــــم وقاحة الغــني الذي يستجدي عطـــــــايا الله ، ويرفــض اســتجابة ســؤال الفقير؟
من لم يشعر بالجوع يريـــد أن يتغذى من الفقير ،
فــــلا تحتـــــــــــقر في الفقير إلهـــــك معــوزاً ،
حـــتى إذا ما صرت في عـــوز كفــــاك الغــــني .
لديك فقراء . وأنت فقير أيضاً .
أعْط تأخــذْ . أجـل أعــــــــــط .
ومقابـــــــل هــــذا العــــــطاء الزهيد المنظور والأرضي ،
ماذا تنتظر ؟
( ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على قلب بشر ) " 1 كو9:2 ".
أدخرْ للسماء ما تحُرمُ منه نفسك عائشاً في مزيد من التقـــتير .
وليأخــــــــذ المســيح الجــــــائع ما حرمتَ نفَسـك في الصـوم .
إنَّ الحرمان الاختياري غــــــــذاء المحتاج .
والمسكنة الاختياريـــة للعائش في بحبوحة . بحبوحـــــــــــــــة لازمة للمسكين .
على النفـــــــــــــــــس الهادئة الوضيـــــعة أن تتسلح بالرفق في سهولة الصفح .
أطلب الصفح إن أتيت شـــراً ، لئـــــــــــــلا يستعبدك إبليس ،
الذي ينتصـــــر في تنـــــــابذ المســــــــيحيين .
في الصــدقة التي بهــــــــــــــــــا تترك لأخيـــك دينه .
لكــــــــــــــي يترك لك الرب دينك ، منفعة لك كبيرة .
لقد أوصـــي المعـــلّم الإلـــــــهي تــــــــــلاميذه
بهــذا العمـل الصالح المــزدوج قــــــــــــــائـلاً :
أغفــــــــروا يغفــر لكـــــــم ، وأعطـوا تعطوا .
تــــذكرَّ : ذلك العبـد الذي ترك له ســـيده دينـــه كـــلّه .
وأبي هو أن يرحم رفيقاً له استدان منه مائــــــه دينار،
برغم أن دائنه قد تـــــرك لــــه عشـــرة آلاف .
لا عذر له البتة في الامتنــــــاع عن هذا العمل الصالح .
حيــــــث الإرادة وحــدها تعطي القـــدرة على العمـــــل .
بامكانك أن تقول :
لا أســــتطيع أن أصـــــــــــــوم لألــــــــم في معـدتي ،
أو أريــــــــد أن أعطي الفقراء إنما لست أملك شيئاً ،
أو مهمــــــــــا يكن زهيـــــــداً ما سـوف أعطيــــــه ،
فإني أخشي إن أصــــــــــاب بالعــــــــوز بســــببه .
وبرغم إنك تعـــــــطي في أغلب الأحيان ،
أعذاراً على هذه الأعمـال ، كاذبــــــــــة ،
لأنـــــــــك لا تجد لهــــــــا أعذاراً حقيقة .
فلا يمكنك أن تقول :
أني لــــــن أصــفح عمّـــن يتوسل إليّ ،
لأن صحتي لا تســــمح لي بــــــــذلك ،
أو لأن ليس لي يد أمّــدها إليــــــــــه .
أغفر يغفر لك ،
ولا حاجة لك هنــــــــــــا إلى أي شيء مادي ،
ولست تحتاج إلي عضــــــــــــو في جسدك ،
إتمامـــــــــاً لما تسأل . قــمْ به ولا تخـــفْ ،
أعــــــط وكن مطمئناً .
فـــــــــــلن تتــألم منه في جسدك ولن يشـحّ رزقك في بيتك .
لاحظْ الآن الشرّ الذي تعمله حين لا تغــــــفر لأخيك التائب .
وقـــــــــد طــــلُبَ منك أن تشــــــــــمل محبتـك عدّوك وتـــــــــــــأمل :
إن كـــان يحــــق لـــك أن تترك الأمور على حالهـــــا مع أنه قد كتب :
( لا تغرب الشــــــــمس على غضبكم ) " أفسس 26:4 ".
وتأملْ إن كان يحـــق لك أن تدْعي مسيحياً ، مع أنك تصـــــــــوم ،
حين تأبى أن تضع حداً لعــــــــداوات لا يحق لك أن تقبل بها .