الفصل الخامس
من المستحيل أن نجد إنساناً يــــأبي أن يكون ســعيداً ،
و لكــــــــــن ، ليـت البشر يرتضـــــون العمـل المثـاب ،
بنفـــــــــــس الحماس الذي به يتوقون إلي الثـــــواب .
و من ذا الذي لا يركض متى قيل له :
ستكون سعيداً ؟
فليصغ أيضـــاً بطيبــة خــــــاطر إلي القـول التالي :
إن عملت هذا فلا ترفض الجهــاد إن طلبت الجزاء ،
وأشعل نفسك صانعاً عملك بسـرعة تقدير للمكافأة .
إن مــــا تريــده و تشـــتهيه وتطلبـــــه يــــــأتي بعدئـــــــذ ،
و لكنهم أمروك بما يجب أن تعمله الآن في سبيل ما سيكون .
باشـــــرْ بتـذكر كـلام المسـيح أو على الأقـل أحـصْ تعاليمـه .
( طوبي للمساكين بالروح فإن لهـــم ملكـــــوت السماوات )
( متى 5/3 )
ســيأتي ملكوت الســــــماوات ،
أما الآن فكــنْ مسكيناً بروحك .
أتريد أن تحوز ملكوت الله في المســــتقبل ؟
أنظر الآن من أنتَ ، و كن مسكيناً بالروح .
المسكين بالروح : وديــــــــــــــع يخاف كلمــــة الله ،
و يعـــــــــترف بخطـــــــــــــــاياه ؛
و لايغـــــــتربا ستحقاقاته وبره . المسكين بالروح : هو من يسبح الله حين يأتي عملاً صالحاً ،
و يشـكو نفســـه ، حين يأتي ســــــــــوءاً .
المسكين بالـروح : هو من لا يرجو ســــــــوي الله ،
لأن الرجاء فيه وحده لا يخــيب .
المسكين بالروح :
يتخـــــــلّى عـــــــــن كـــــل مـــــــــــاله ، و يتبـــــــع المســــــــــــــــــــــــــــــــــيح ،
و يـــــوزع على الفقـــراء كل ما يمـــلك ، لكــــــــــي يطيــــــــع المســـــــــــــــــيح ،
و لا يعوقه شـــــــــيء عــــــــــــــــالمي ، و إذ يتحررّ من كلّ حمل أرضي يطير إليه
كمـــــــــا على أجنحـــــــــــــــــــــــــــــة .
و مع ذلك فكثيرون يظهرون بمظهر الأغنياء بحســــب العــــــــالم ،
بينما هم يعتــــــــــــــبرون مســـاكين بالـــروح .
لأنهــــم يرون أنفســـــهم في خـــــــطر في هذه الحياة ، فيعملون فيها كمسـافرين ،
يميلــون عـن ثــــــرواتهم الطــــــائله نظــير المســافر ، الذي يمــــــــر على فنـدق ،
ولا يمكـــــــث فيــــــــــه .
أولئك هم أصغر الناس وأحقرهم ،
لأنهــــــــم متواضعــــون وليسوا متكــــــبرين ومتشامخين .
إن زنتهـم وجـــــــــــدتهم مــــــن ذوي الـوزن الثقيــــــــــل .
وإن أردت بالمساكين الودعاء ، ظهر الأغنيـــاء أمامــــك متكــــبرين .
وإن كنتَ تشـــــتهي كل شيئ وتســـــــــــتكبر ، وأنت لا تملك شــيئاً ،
أحصــــــيت مع الأغنياء والمنبوذين .
أنتبه إلي هذا الأمر ، كيلا تلوم الأغنياء هنا وهناك ،
ثم تغتر بفقــــــرك ومسـكنتك .
ومــــاذا ينفعك فقرك إلي الخيرات ،
إذا كنت تتحــــــرق شــــــــــــهوةً ؟
إن اللـــــــــــه يسأل القـــــــــــــــــلب ولا يسأل الصـندوق ،
والبيــــــــــت حــين يريد أن يميز بين الغــــني والفقـــير .
أما المتكبر : الـــذي ليـــــــــــــــــــس فقــــــيراً بالروح :
فهـــو الذي لا يتـــــوب ، معترفاً بخطــاياه ،
لكــي يشـــــــــــــــــــفي بواسـطة التواضع .
المتكـــــبر : هـــو مــــن يغــــــزو نفــــســـــــــه بالمـال الضئيـل ،
الذي قد يكـــون له و يخـرجه عـــن رحمـــــــــة الله .
المتكـــــبر : هـــو من يشتم من لا يعملون الخير ويستكبر عليهم ،
وإن رد إلي اللــــه الخـــــير الضئيل الـــــذي يعمـــله .
ولم تتباهي أمامي بفقرك ، وقــد أقنعتك بوجــــود شـــــــتي الأطمــاع فيك ؟
أتقــــــول أنــــــك فقــــير ؟ أحــــــــــــذر لئلا تكون ما تقول بسبب كبريائك .
هوذا أحدهم يتوب ، ويتخلّى عن غــــرفة أبيه الوضيعــة ،
( وليس فيها أكثر من سرير وخزانه )
أنه يتوب ويبــحث عــــن الخيــــــــــــــــــور الروحيـــــــة .
ذاك أمـــر حسن بل ممتاز لا تشتمه ولا تقل لم يترك شيئاً .
لا تستكبر إن كـــنت قــــد تركـــــت الكثير .
أنت تعلم إن : بطرس كان صياداً و ماذا ترك من أجل المســــيح ؟
أخــوة أنـدراوس و يعقـــوب و يوحنـــا أبنا زبدي ،
كانـــوا صيــــادين ومــع ذلــــك مــــــاذا قــــــالوا ؟
ها قـــد تركنـــــــــــا كل شــــيء وتبعنـــــــــــــاك ؟
( متى19/27 )
لم يقـــل المسيح لبطرس : نسيت فقـــــــــرك ،
ومـــاذا تركــت من أجــل العــالم كـــــــــــله ؟
لقــــــد تـــــرك كثيراً ذاك الذي لم يترك فقط ،
مـاله بـل كل ما كان يتوق إليه .
وبكلمة واحدة أن بطرس قد ترك بالوقت ذاته العـــالم ،
وأخــــــــــــذه كمن ليس له شيء وهو يملك كل شيء .
هــــذا هو شأن الرهبان إن من يملكون القليل ويدخلون الـــــدير ،
ليصبحوا عصافير نافعة يتركـــــون كل شيء ليربحوا كل شيء .
وقـــــــد يظهرون بمظهر الناقصين لأن ليس لهم سمو المجد العالمي ،
ويبنون أعشاشهم في الأديــرة كعصـافير الـــدوري في أرز لبنــــــان .
إن إشراف هذا العــالم وأغنياءه وعظمـائه ،
إذا كانــوا مســــــاكين بالـــــــــــــــــروح ،
يقيمـــون ثرواتهـم وممتلكـــاتهم وخيورهم الزائـــــده ،
وكل مـــا يجعلهم قبلة الأنظار ويقدمونها إلي خدام الله ،
إنهــــــم يهبــــون حقــولهم وبســـاتينهم ويشـــــــيدون كنـائس وأديــــــرة ،
و يســـــتقبلون عصـــافير الدوري لكي يبنــــــوا أعشاشهم في الأديار ،
كمـــــــا في أرز لبنـــــان إن مســــــــــكنه الـــــــــــروح مفيـــدة للجميــــــع ،
للغــــــــــــــني و للفقــــير ،
للغني بإرادتـه و أعمـــاله ،
و للفقير بإرادته و حدهـــــا .
وبالتـــالي ،
سواء أملكـت شـــــيئاً من حطام هذا العالم أم لا ، كن فقــيراً ،
وإن لم يكن لك شــيء فــلا تحتقـــــر الغنـــــــــي المتواضع .
أيها الفقير ، كــن فقــــــيراً حقــــــــــــــاً أي متواضـــــــــــــــع .
إن كـــــان الفقير قد تواضع فأحر بالفقير أن يكون أكثر تواضعاً .