الفصل الحادي عشر
طوبي لفاعلي السلامة
{ طوبي لفاعلي السلامة فإنهم أبناء الله يدعون }
" متى 9:5 ".
الكمال في السلام حيثُ كل شــــيء مقبـــــــول ،
ولــــــــذا فـــــإن فاعـــــــلي الســــــــــلامة هم أبنــــــــاء الله ،
إذ لا شـــــــــــيء يخالف الله وعلى الأولاد أن يتشبهوا بأبيهم .
فاعلو السلامة في نفوسهم هم :
الذين يسيطرون على جميع ميولهم النفسـية ،
ويخضعونهـــــا للعقـــل أي للفكـــر والـروح .
وقــد كبحوا جماح شهواتهم اللحمية وصاروا ملكوت الله ،
حيث أنتظم كل شــيء وراح ما هـــو ســـام في الإنســان .
ورفيـــع يأمر ما دونه المشترك بين الإنسان والحيوان ؛
ثــــــم إن ما ســـما في الإنســان أي للفكــــر والـــروح ،
هو عينه خاضع للأسمى منه أي لله .
وفي الواقع
يستحيل عليك أن تحكــــــــــم مـــن هــم دونـك ، إن لم تخضـع لمـن هو أعــــلي منــــــــــك ،
وذاك هـــــــــو الســــــــــــلام الذي يهبـــــــه الله في الأرض لـــــــــذوي الإرادة الصالحة ،
وهــــذه هــــي حيــاة الإنسان الحكيم الأصيل الكامل .
أتريد السلام ؛ اعمـل بـــــــراً يكن لك الســــــــــلام "
{ السلام والبر تعانقا }
" مزمور11:134 " .
إن لم تحــبَّ البر فلن يكون لك سلام ،لأن الـــــــبر والســــلام يتحابان ويتعـــــانقان ،
حتى أنك إذا أتممت البر وجدت السلام يعانقه .
سل الناس أجمعين : أتريدون السلام ؟
يجيبـــك الجنــس البشــــري بأســـره ،
وبفم واحد : أتوق إليه وأريده وأحبه .
واحبَّ العدل أيضــــــــــــاً لأن العدلَ والسلامَ صديقان يتعانقان ،
إن لم تحب صديق السلام فلا يحبك السلامُ عينهُ ولا يأتي إليك .
وأين العظمـــــــة ، في أن يشتهي الإنسان السلام ؟
كل شرير يشتهيه ، لأن الســــــلام شــــيء حسن .
ولكن أعمل الــبر ، لأن البر والسلام يتعانقان ولا يتخاصمان .
ولمَ تخاصم البر؟ هوذا البر يقول لك :
لا تعمل سوءاً وأنت لا تسمع له .
هوذا البر يقول لك :
لا تعمل للغــــــــير ما لا تريـد لنفسـك ،
ولا تقل ما لا تريد أن يقـــــــــــال لك ،
ولا أن تســــــــــــــمعه .
عدو أنت لصديـــقي يقـــول لك الســـــــلام فلم تبحث عنى ؟
أنا صديقُ البر وكل من كان عدواً لصديقي فلن آتي إليــه .
وعليه ، إن شئت أن تأتي إلي السلام ، فأعمل الـبر :
أبتعــــد عن الشـــــر
وأعمـــل الخــــــــــير هذا هــــو حب الـــبر ،
وحــين تبتعـــد عــــن الشــر وتعمل الخير ،
فأطلب الســـــــــــــــــــــــلام وأتبعـــــــــه .
أحــــبَّ أخــــاك إن أحببــــت الســـلام ،
لأن من يحـــب أخــاه يتحمـــل أخـــاه ؛
ويتحمل كل شيء في سبيل الوحـــدة ؛
ليكن حبّك لأخيك بأن تبذل نفسك عنه .
ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً إنما هـــــــــو برّ وسلام وفرح بالروح القـدس ؛
إن أكرمت الله بهذا أرضيته ورضي الناس عنك .
أتبع ما هو للسلام ترضي قريبــــك في الـخــــــــير من أجـــل البنــــاء ،
وإن كنت قويــــاً ، عليك أن تتحمل ضعف الضعفاء لا أن ترضي نفسك .
أحـــــذر الغــــش في أعمــــالك واجتنب الكذب والخبث والثرثرة ،
ولا تنقل إلي الغير كلام السوء إن ســـــــمعت أحــــــداً يغتــــــابه .
وإن سمعت كلاماً ممّن هو غضبان أو مضطرب أو حزين فخلّه في ســرك ،
وما الفائدة من نشــــره وإعــــلانه ؟ لن يؤذيــــــك إن بقـــــــي في باطنك .
أحـــبًّ الســـــــلامَ ،
عانقْه وتشوًّق إليه في بيتك و في عملك ومع زوجتك وبنيـــــــك ،
وخدَّامك و أصدقائك وأحبه أيضـاً في أعدائك .
الســــلام لا يحكم على كما ليس أكيـــداً ،
ولا يثبــــــــت ما ليس معروفاً ؛
إنما هو ميًّــال جــــــداً إلـــــــي أن يظنّ بالإنسان خيراً لا ســـــوءاً .
إنــــــه لا يكتئب كثيراً حين يغلط ويظن بمـــــــن هـــو شـــــــــرير؛
بـــــــل يحـــــــــــــزن حــــــــــين يظن سوءاً عن جهل بمن هو بـار .
ليكـــن الســــــــــلام حبيبــــاً لك وصديقاً ،
وأجعل قلبــــــــــــك مضجعــاً له نقيـــــــاً ،
ولتكن لك معه راحــــــــــــــــة مطمئنـة بــدون مـــرارة ،
وعناق عذب ، وصداقة لا تنفصم عراها .
امتداحُ السلام أصـعبُ من الحصـول عليـــــــه .
إن شــــــــئتَ امتداحــــــــه طلــبت القـــــــوة ،
والمعاني والألفاظ ؛
أمًّا إن شئتَ الحصول عليه كان لك بلا تعــب .
علينــــــــا أن نمتدح محـــــبي الســـــــلام ،
أمــــــا مبغضـــــــــــــــــــوه ،
فمن الأفضل تهدئتهم بالصمـت والتثقيـف ،
دون أن تثيرهم بتوجيـــه اللــوم إليهـم .
صــــــــديق السلام الحقيقي ،
هو من كان صديقاً لأعدائه .
إن أحببت السلام حقاً ، فأرحم من لا يُحب مالا تحب ؛
أي هذا الذي ليــــس له ما لك .
يقضي عليك الحبُ بــــــــأن
لا تحســــد شريكك في الحب ، له السلام معك ؛
ولا تقتــــصر ملكيتــه عليــــــك دون ســــــواك .
إن أحببــــــــــــت ما هو أرضي يصعب عليــــــك الا تحســد مالكه .
أحبَّ السلام واسـتول عليـــــــــــــــــــــه ؛
وأجعلــه ملكــــــــــــــاً لـــــك ،
أجذب إليك كل مــــن أستطعت إليهم سبيلاً ،
لكـــــــــي يحــوزوا الســـــــلام :
يتســـــــع مــــــدي الســــــلام ،
باتســـــاع عـــــــدد مالكيـــــــه .
لا يستوعب المســــــــــكن الأرضي عـــدداً كبــيراً من الســكان ؛
أمــــــــــــــا امتلاك السلام فأنه ينمو بنمو الساكنين تحت رايته .