الفصل السادس عشر
في أنه لا يجوز التفريط بصبر الله
لا يظنن أحد أن رحمـــة الله تتــرك الذنــب بلا عقــــــــــــاب لأن الله عـــــــــــادل ؛
وليس واحـــد ممّن صــــــلح ســـــــــلوكهم يخاف قضاء الله لأن رحمته سابقة له .
غالبـــاً ما ينقـاد الناس وراء الرحمــة فــي أحكــــــــــامهم ،
فتسـيطر وحـدها عليهم دون العــــدل ؛
ثــــــم يفقدونها أحياناً حفاظاً على صـرامة أحكـــــــــامهم .
أما الله فلا يفقد صــرامة حكمه في طيبـــه رحمته ،
ولا طيبة رحمته في صرامة حكمه .
حين تري الأبرار والأشرار على السواء
يتمتعون بنور الشمس عينــه ويستقون مـــن الينابيــــــــع ذاتهــا ،
ويثرون بفضل الأمطار عينها ويقتاتون مـــن ثمار الأرض عينهـا .
ويستنشـــقون الهـواء عينــه ويمتلكون على الســــــــــــــــــــواء ،
خيور العـــالم فلا تقــل أن اللــه ظـــالم ،
لأنه يهب الأبرار والأشرار على الســـــــــــــــــــواء .
زمننـــا هو زمن رحمـــــة ، وليــــــــــس زمـن قضـــــــــــــــاء ،
ولــولا رحمـــــــة الله الآن ، لما استحق إنسان يوم الدين أجراً .
الزمن زمن رحمة ، إذا أدت بـــك رحمــــــة الله إلــي التـــــوبة ،
فكّــــر بخطــــاياك ، وأصلحها الآن ، طالما أن الوقت متـاح لك ،
واجعـــــــــــــــــــل الألـــــــم فيــــــــك خصبــــاً ،
ولتكــــن توبتـــــك عقيمـــة .
ها هو يقول :
لقــــــــــــــــد أصدرتْ حكمي و لم الفظـــــه ،
وأعلنتــــــــــه و لا مــــردَّ له ،
ولماذا تخاف وأنا القائل لك :
إن صلُحْت غيّرت قضائي ، الحكم قابل للتغيير ، أما العــــدل فباق .
العدل باق وعلى كل ذي سـلطان أن يخلّـــص ، من يصلح نفسـه .
الله لا يرحــــم الخاطئ المصرَّ على خطأه بل التـــائب إليه ، إيـــــاه يرحـــــــــم .
واضع الشريعة هو عينة رب الغفـــــران : أرسل الشريعة ثم جاء مع الغفران .
بالشــــريعة صـــــــــــــــرتَ خاطئــــــــــــــــاً ،
وبمواضعها حللــــــــــــــت من خطـــــــــاياك .
أم بالأحرى فإنه لم يحــــلك من خطـــــــــاياك ،
لأن الحل منها إقـــــرار بالـــبرارة .
بل يترك لك خطاياك إن تبتَ عنها .
إن الله لا يريــــــــد أن يديــــــــن النــاس بل أن يخلصهـــــــــم ؛
ولهذا يرجئ حكمه ويصبر عليك لتنتقـل من الخطأ إلي الصلاح .
اللـــه صالح ، وجواد ، وصبور ،
يرجئ ، ولا يأخـــــــــــــــذ .
وأنت تحتقره متجاهلاً أن صبره عليك ، يجــــــــــــــــــــــــب أن
يقـــــودك إلي التــــوبة :
{ ولكنـــك بقســـاوة قلبك تدّخــــر لنفســـك غضبـــاً ليــوم الغضـب
واعتلان دينونة الله العادلة الذي سيكافئ كل واحد بحســـب أعماله }
" رومية 6:2 "
مهما تعمل الآن يكن لك ذخراً :
إن صلحت حياتك أدَّخرت للســـــــماء أعمال رحمــــــة ســــــاعدت بهــــــــــــــا النــــــــــــــــــاس .
وســـوف تعرف مدي أمانة القيــــــمّ الـــــــــــــــــــذي يرعــــى كل ما عهـــــــدت بــــه إليــــــــــه .
ومع أنك لا تـــــــــــري ما تدّخــــر ، تطمئن إلي كنزك الذي لــــــــن يسـطو عليه لـــص وعــــــــدوّ .
ولـــــــن ينتزعه منك ذو سلطان أو أي إنسان شـــرير بــل يبقي لك إلي الأبد لأن الرب القدير يرعاه .
وإن كنـــت شــريراً وبعثت بما أتيت من شــر ، فإن الله يدخـره لك .
ويباشر الله يوم الدين باســتعراض كنوزك لتتعــرف إلي ما سلمت .
أصغ إلي قول الرب :
{ هاأنذا أحكم بين ماشية وماشية وبين الكباش والتيوس }
" حزقيال17:34 "
{ هاأنذا أحكم }
يا لهـــا من طمأنينــة ، أنه هو عينه يحكـــم فاطمئـــن ،
إن كنت صالحاً إذا لا يمكن لأي خصم أن يرشوا ديانك ،
ولا أن يتواطــــأ مع محـام ولا يخدعه شــــاهد ،
وبقــــــــــــــدر ما تطمـــئن إذا كنت صــــــالحاً ،
تخـــــاف إذا كنت شــــــريراً .
إذ لا يخفــــــــــي شــــيء على ذلك القــــاضي .
وعن نفســــك يســــــــألك ولا يســــأل عنــك أحــــداً ســــواك .
إنمـــا لا يسألك لكي يعرفك بل لكي يخجلك أمام ذاك القـــاضي ،
الـــذي لن يســـتطيع أحد أن يغشـــه . لا لمصلحتــك ولا ضدهــــا .
أعمل كمن لا يخـــاف قضــــاءه الآتي بل كمن ينتظره ويتوق إليه .
وهل تخشى حباتُ الحنطة الاهراء ؟ ما أطول الزمن الذي تتوق فيه الأهراء !
و بالنتيجة على من يصلون أن يقولوا بصدق من كل قلوبهم ( ليأت ملكوتك )
" متى1:6 ".
مـــن شأن الإنسان الشرير أن يرتجف قلبه رعباً ،
ويتلعثـــم لســـــــانه .
حين ينطق بتلك الكلمـــات وكيف تقـــــــــــــول : ( ليـــــــأت ملكـــــوتك ) ؟
هـــا هـــــــــــــــــوذا آت . وكيف يجــــــــــــدك ؟ اسع لأن تصلي بطمأنينة .
إن أحببت المسيح :
وجب عليك أن تتمنى أن يأتي .
وممّ تخـــاف ؟ من هو الآتي ؟ ولم لا تفــــــرح ؟
أليــــس الآتي ديـاناً لك هو عينـــه الذي جــاء وحُكم عليــه بالموت بسببك ؟
لا تخش محامياً فاشلاً : ديانك الآتي هو المحـــامي عنك في الوقت الحاضر .
لو كانــت لك دعـوى أن تقدمها إلي قاض وأخبرت عنها محامياً فراح يدرسها ،
وقبل أن يتم دراستها علمـــــــــــــت بأنه هو ذاتـه ســـــــــــوف يحكم فيهـــا .
ألا تفـــرح به قاضياً من كان لمدة وجيزة محـامياً لك ؟
لقد أصبــح هو عينه يصلي ويتوســـــــل من أجـــــلك ،
وقــد كان لمــــدة وجــــــــيزة يســــــــــألك .
وهل تخــشى القاضي بعد أن أصبـــــح المســــيح محاميـــاً عنك ؟
أحــــــر بك أن تنتظـر مجيئه باطمئنان بعد أن كان عنــــك محامياً .
إن خفــــــت مــــــــــن القاضي الآتــي ،
فسـارع إلي إصــلاح القاضي الحاضر ،
وهل تعتبر أمراً قليل الأهمية أن يبحـــــث ضمـــــــــــيرك عن أخطائك السابقة ؟
أصـــــلح نفســــــــــــك الآن حتى تتمكـن من إصلاح ذاتك في المســــــــــتقبل .