الفصل السابع
طــــــوبي للبــــــــاكين
{... طوبي للباكين فإنهم يعزون }
" متى5/5 "
منذ الهنيهة التي فيها نولد ،
نســـــــــير نحو نهايتنـــــا ،
لأنه من ذا الذي يثبـــــت ؟
ومن ذا الذي لا يضطر إلي أن يمشــي منــــذ الهنيهة ،
التي فيها دخــــل فــــــي هـــذا الطـريق ؛
لقد ولد طفلاً وهوذا يسير وينمو ثم ينتهي في الموت .
ومن ذا الذي لا يبكــــــي ههنــــا ،
في هــــــــذا الطـــــريق الشــاق .
بينا الولد ذاته يعرف البكاء ؟
أكيد أن الطفل :
حين يــــــولد ويخرج إلـــــي الكـــــون ،
من الحشــــــا الضيق الـــذي حمــــــله ،
يســـــــــــــــير مـــن الظلمة إلي النور ،
وبرغم أنه آت مـــن الظلمة إلي النور ،
يبكـــــــــــــــي ولا يضحـــــــــــــــك .
ســـلِ الطفـــل المولـــود ، عن سبب بكائه ، حــين يبكي ،
ولداً ، يتنبــأ عن شــقائه ؛ ودموعه تشهد على تعاسـته .
أنــه لا يزال يجهل النطق ، ومع ذلك فقــــد تنبـــــــــــــأ .
يتنبــــــأ عن العـــــذاب الآتــــــــــــي ،
أو أقــله عن الخوف من ذلك العذاب .
ان عاش عيشة صــلاح و بـــــــــر ،
و قــــام في وســــــــط التجـــارب ،
فسـيظل دومــــــــــــــــاً خائفـــــــاً .
النـــــــــاس يضحكـــــــون ويبكـــــــــون ،
ومن اللازم أن يبكـــــي ممّا يضحكهـــــم .
بيد أن هذا الإنسان :
يبكي خســـــــــارته ،
والآخــر يبكي حـــــــــــــــزنه ، الذي تسبب له من وجوده في السـجن .
والثالـــث يبكي لأنــــــــــــــــه ، رأي أعزَّ الناس لديــــــــه يمــــــــوت ،
هــــــــذا يبكي لهــــــذا لسبب ، وذاك لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذاك .
وأول هؤلاء الباكـــين جميعــــــاً هـــــــو الرجـــل البــــار،
الذي يبكي حقـــــــاً أولئك الذين يذرفون دموعــاً عقيمة .
البار يبكـــــــي على من يبكـــون وعلى من يضحكــــــون ،
لأن البـــــــاكي على أمـــــــــــور باطلــــــة يبــكي ســدى ،
والضاحــــــــك لما لا قيمــة له يتـــأذىّ مـــن ضحكـه .
البـــــــار يبكــي دومـــــــاً ولهــــذا يبكـــي أكــــثر مــــــن ســـواه .
انه يبكي في صـــــــــــلاته حين يوصي خـــــــيراً بأعماله الصالحة .
سفر طويل بدون دمـــوع لا يكشف عن الرغبة في رؤية الوطـــــن .
إن كنــــت ترغــــــــــــب في ما لســــــــت فيـــــــه فاسكب دموعك .
وأنيّ لــــــك أن تقــول لله :
لقــد وضعت دمـــــــــوعي امام وجهــــك ؟
" مز 55:9 "
وأنـــــــيّ لك أن تقول لله :
اصبح دمعي خـــــــــــبزي ليلاً و نهاراً ؟
اصبح دمعي خــــــــــــــبزاً لــــــــــــــــي :
تعزَّيـــت بـه حين انتحبت ،
واغتذيت منه حين جعـــت .
وأيّ بار خلا من هذه الدموع ؟
إنّ منْ لم تكن له هذه الدموع ،
لم يكتئب على غربته .
بأي وجـــه يأتي إلي الوطـن من لم يبــك ، غائبــاً عنـه ، في طلبـــــــــه ؟
دموع الأبــــرار مســـــتمرة ، ولكن هــل الوطــن على هــذا الطـــــريق ؟
إن الذين يلهون في ميولهـــم فيبكــــــون سدى ينتحبون حين يخُدعـــون .
ولكـــن حـــين يخدعـون ، يتهللـون طربــــــاً ،
إنهــــم يبكون ذواتهـــــم في هذا الطــــــريق ،
ولكنهم لا يبكـــــــــــــــون طلبـــاً لتعــــــــزية .
وماذا يحصد هؤلاء الذيـــــن لــم يزرعوا شـــــــيئاً ؟
أو بالأحـــرى إنهــــــــــــــم ليحصدون ما زرعــــوا .
ســــــــــوف يحصدون النار لأنهم زرعوا الأشواك .
كم يلزمني من الوقت إن أردت أن :
أحصي ما في هذه الحياة من شقاء ؟
لخيــــور هذا العـــالم خشــــــونة حقــــــــــــة ،
وجمال خــــــــــــــــــــداع ،
ألـــــــم أكيــــــــــد ، ولـــذة غــــير مضمـــــونة ،
تعـــــب شـــــــديد ، وراحة قلقـــــــــــــــــــــــــة ،
واقع ملئ بالشقاء ، ورجاء فارغ من الســـــعادة .
شــــقيّ هو القلب المقّيد بحب الأشياء الفانيــة ، يخسرها فيتمزَّق ؛
ويشــعر آنــذاك بالبــؤس الـــــذي كان يغمــره قبـــــــل خسـارتها .
تأمّل العــــــالم ، كأنه بحر في مهب ريح شديدة وعاصفة قويـــة ،
لكل منـــا شــــــهوة عاصــــفة .
أتحب اللــــه ؟ أنك تمـــــشي على البحر وتحت أقدامك ثورة العالم .
أتحب العالم ؟ فسوف يبتلعك . انه يفترس من يحبونه و لا يحملهم .
أتظـــن أن الريح مضادّة لك حين تصــــــــــل إليــك مقاومـة هــــــــذا العــــــالم ؟
في الحــــــــروب والاضــطراب والجوع والطاعون ،
وحين يصـــــــاب كل إنســـان بضـــــربة خاصـــــة ،
حينذاك يظـــــــن المــــــــرء أن الريح مضادة وأن عليه أن يـــــــدعو اللـــــــــه .
لا تسأل في هــــــذه الناحية هــــــدوء الجــو بل أســـــــــأل شـــــــــــــــــــهوتك .
أنظــــر إذا كان الهـــدوء فيــــــك ،
وإذا لم يكــــــن الهـــواء الباطني ،
يقلبـــك رأساً على عقب .
حـــــذار مــــــــــن ذلك .
إنهــــــا لفضيلة كبيرة أن يجاهد الإنسان مع السعادة ،
لئـــــــلا تغــــــــــويه وتفســـــــــــــــــده وتهلكـــــــه .
إنهــــــــــا لقـــوة كبيرة أن يجـــاهد الإنســـان مع الســـــــــــعادة ،
وأنه لدليل سعادة حقــه أن لا يقـــع المـــــــــــــرء فريسة الازدهار .
في وســــط هـــــذه الأشياء كلها قد تحـترق بإدراكك لخطـــاياك ،
ومن يدري؟ أطفئ لهيب الخطيئة بدموعــك وأبـــــك أمام الـرب .
أبـــك مطمئناً أمــــام الله الذي صنــــعك والـــــــذي لا يحتقـــر فيك ما صنعته يداه .
أبـــك أمامـــه وأنتحــــب بحضــــــــرته وأعترف له وتجنّب وجهـه في الاعتراف ،
ومن أنــــــت أيها البـاكي أمامــــــــــــه المعترف لله ســــــوي ذاك الذي صنعـــه .
لا يحق للمصــــــــــنوع أن يكون قليل الثقة بين يــــدي خــــالقه ،
لأنـــــه لم يصنعه عادياً بل صنعـــــــه عـــــــلى صورته ومثــاله .