الفصل الرابع
في ضرورة البحث عن السعادة خارجاً عن الأرض
إن أردت أن تحيا سعيداً فزد حباً لما يعد الله بـه أكثر مـــا يعد بــــــه العالم ؛
ليكـــــــــــن خــــــــوفُك مما يحــــــــذر الله منه أكبر مما يحذر العالم منه .
لا تعـــــــد نفســــــــــك إلا بمــــــــــــا يعــــــدك بــــه الإنجيل :
إن الكتب المقدســـــــة لا تعــــــــــدك فــــــــوق هــذه الأرض
إلا بالضيـــــــــــــــقات والاضطهادات وكثرة الآلام والتجارب .
استعد لها بنوع خاص لئلا تعــــــــــثر ان لم تكن مســــــتعداً .
وإيـــــاك أن تبحث عن السعادة فـــــــــــي الأرض :
إنهـــــــا لخـــــــــــير عظــــيم و لكنها ليست ههنــا .
السعادة ليست من هذا العــالم فارفع قلبك إلي العلى .
و مــــا حياتنا ههنا ؟
و ما لنا و لوصفها ؟
لقد خبرناها مثقلـــــــة بالآلام و المتـــــــــــــــاعب ، محفوفة بالمخاطر ، مليئة بالمخاوف ؛
الشهوات تتأكّلها و الشكوك تستعبدها ؛ بمكاسبها نفرح ، و لخسارتها نتألم .
إنك تخاف أن تبتهج بمكاسبها خشية أن تفقد ما ربحت ،
لـــــــذلك لا تسْع إليهـــــــــــا ، يا من لم تبحث عنهـــــا قبل أن تنالها .
السعادة الكاذبة شقاء حقيقي : الوضيع يتوق إلي العلى ؛
والرفيـع يخشى السقوط ؛
من ليس له يحسـد من لــــــــه ؛
و من لـــــه يحتقر من ليس له .
ومــــــــــــــع ذلك فـــأنت تضع رجاءك في هذا العــالم و متى تنال مبتغـــاك ؟
متى نلت مبتغاك ، أياً كان ، بدا لك تافهاً ، فتطلب غـيره و ترجــــو الأفضــــل ؛
حــــــــــــــــــــتى إذا مـــا تحققت لك الخــيرات كلهـــــــا تدنَّتْ قيمتهُا في عينيك ،
و صارت أمامك فراغاً .
الثروات التي ظننتها ملأى بالملذات ، مليئة بالمخاطر .
ينام الفــــــقير قـرير العـــــــــــــــين ؛
لأن النــــــــوم على الحــــــــضيض
أسهل منه فوق سرير من فضه .
تأمــــل هموم الأغنياء و قارن بينهــــــــــــــــا
وبين طمأنينة الفقراء .
وهــــل تنـــــــام مطمئنــــاً إن كــــــــــــــنتَ تفكر بزيادة ثروتك ؟
أظنني على حـــــق في ما أقـــــــــــول :
حيثما تجـــــــد ثروتــــك تفقـــــدْ راحتـــــك .
ساهراً تفكــــــــــــــــــــر بالمزيد من المال ؛
ونائماً ، تحلم باللصوص ؛ فيا لك من شقي !
لماذا تحب الحياة على الأرض :
أنيّ أتــأمل في من يهـــــــوون هــــــــــــــذه الحيــاة الحاضـرة ،
الزمنيـــــــــــــــــة ، القـــصيرة ، الســــــــــــــافلة :
آه ! كم لها من محبين !
غالبـــــاً ما يتخلَّى الإنســـان ، في سبيلها ، عن كل شـــــــــيء
فيستعطى ويشقي ؛
وإن سألته السبب أجـــــــــــــاب : كي أعيـــــــــــش .
ماذا أحببت ؟ وأيــــن أنت في حبـــــــــــك ؟
وماذا تقــول لحيـــــــــاتك هذه التي تحبها ؟
قلْ تكـــــلَّمْ وتودَّدْ إليهـــا ، إن استطعت .
وماذا تقول لها ؟
جمالك ، أيتها الحياة ، أوصلني إلي ما أنا عليه من العُرْي ،
وإذ بها تصرخ بك : ( وســـــــــــــــــــخه أنا ) فتحبهـــا .
( وقاســـــــــــــــــية أنا ) فتعانقهـا .
وتجيبـك تلك الحياة المحبوبة :
لن أبقي معــــــــــــك ، وإن كنتُ معك إلي زمن ؛
ولن أكون معك إلي الأبد .
أنا قــــــــــادرة عــــلى أن أعريك من كل شيء ،
وعاجــــــــزة عـــــلى أن أجعلك ســــــــــعيداً .
وطالما أنك مســـــــيحي فأطلب من الله أن يساعدك على التغلبّ على
المغـــــــريات التي استهوتك ، لخبث فيــك ؛
وأحبب جمال الحيـــــاة التي
( لم ترهــــا عـــــــين ولـــم تسمع بها أذن ولم تخطًر على قلب بشر ) "1كور9:2 ".
تلك هي الحيــــــــفــــاة التي أعدها الله للذين يحبونه ؛
وهي الله بالـــذات ، أحبَّها حبَّا شـــــــــــــــــــديداً ،
والله يعطيـك نعمتــــــــــــــه .
أذرف أمامه دموعـك لكي تحب تلك الحيـــــــــــــاة وتبلغ إليها .
الحياة في الكتاب المقدس : وكيف أنبهــك ؟
وماذا أبين لك ؟
هل أفتح الكتب المقدســــة لأبرهــــــــن لك عن زوال هذه الحياة واضطرابها
وصحة ما كتب عنهـــــــا ( حياتك هي بخاّر يظــــــــهر قليـــــلاً ثم يضمحل )" يعقوب15:4".
هذا إنسان عاش بالأمس و لم يبق له وجود اليوم ؛
منــــذ قليل كنــــــــا نراه أما اليوم فلم يعد يــــري .
يُحملُ إلي القـــــــــــبر ،
و سرعان ما ينساه الناس و إن عادوا من دفنه حزاني ؛ لا تضطرب :
لكل ممالك الأرض نهاية ؛ اقبــــــــل الحــــاضر ولا يعلق قلُبــــك به .
أعداؤك حتماً هالكون ونعمـــة الســـــــــــعداء غالباً مـــا تكون كاذبــــة .
ضع رجـــــاءك بالله ؛ و أطلب ما هو ابدي ؛ و إليه وجّه اهتمامك كـــله .
و فيه ضــع قلبـــــــك لئــلا تفسده هموم العالم .
و أختر ، بالتــــــالي .
حياتك إن كنت تحب الحياة و ماذا تختار ؟
الحياة ؛ الحياة الصـــــالحة على الأرض ثم الحياة إلي الأبد .
ههنـــا حيــــــــــــــــاة صالحة إنمـــــــــــــــا غير سعيدة ،
لأن من عاش حياة صالحة أعدّ للمستقبل حياة سعيدة .
الحياة الصــــالحة عمل والسعيدة أجــرْ له .
عشْ حياة صالحة تنــلَ الســـعادة .
وهل أفضـــــــــل مــن هذا العدل أو النظام ؟
إن شئت زوجة لك ، ألا تختارها صالحة ؟
أو تحب الحيـــــاة و تختار الشريرة منها .
قـــــــــل لي : هل تريد شراً ؟ كلا .
مهما أردت و أحببــــــــــت فإنك لا تطلب سوى الخير .
أنت لا تريد حصاناً و لا خــــــادماً و لا ثوباً و لا بيتاً رديئاً
كما لا تريد زوجة شـــــــــــــريرة و لا بنــــــــــين أشراراً .
يا مــــــن لا يطلب سوي الخير ، كن صالحاً في نفســــك .
و لــــــــمَ تحتقر ذاتك فتطلب كل خير و تبقي أنت وحدك شريراً ؟
عزيز عليك بيتـــــــك و زوجتـــــــــك و ثوبــــــــــــــــك وحذاؤك .
ونفســــك أليســــــت عزيزة عليك ؟
تعدك الحقيقة بحيــــــاة أبديــــــــة ، بل سعيدة ، لا ضجر فيها ،
و لا وجـــــــــــــــــع ، و لا خوف ، و لا تـــــعب :
هنـــــــــــاك الطمأنينة التامة الحقة حــــــــــــيث يحيا الإنسان
تحت نظر الله و مع الله وبـــــــالله .
و حيث الحياة هي الله عينه . تلك هــــي الحيـــــــاة التي وعُدتَ بها ،
و مع ذلك نراك تؤثر عليها الحياة الزمنية التاعسة الملأى بالأحزان .
أنك تطلب الحيــــاة و الأيام الصــــــالحة :
خيرّ هو ما تطلب ، إنما لن تجده ههنــــا . لهذا الحجر الثمين مكان ؛
إنما ليس من مواليد أرضنا هذه .
مهما اجتهدت و حفرت فلن تجد ههنا ما ليس من هنا ؛
و لكــــن أعمل و اجبك يعــــــــــــاد إليك
ما تحب وتهوي .
ابك تارةً و صلّ طوراً لأن البكاء للبؤســــاء ،
والصلاة للمحتاجين .
الصـلاة تنقــضي ويتلوها تسبيح ؛
و البكاء ينقضي و يتلوه سرور .
في أيام بؤسك أرفع صــــــــــــــلاتك دومــــــــــــــاً إلي الله
وسَــــــــــــلهْ نعمةَ السكنى في بيته دون سواها من النعم ؛
ولا تكـــــــفَّ عن الســـــــــــــــؤال قبل أن تحظي بمبتغاك .