الفصل الثاني
في أسلوب الصلاة
لقد سمعت الرب يسوع ، المعلّم الســـماوي والمرشــد الأمين ،
يحضّك على الطلب ليستجيب سـؤلك .
لقد سمعته في الإنجيــل يحضّــــــــك على أن تسـأله باسـتمرار ،
وتقــــــــرع بابـــــــه بلجـــــــــــــاجة ،
وربط بين تحريضه لك وبين الصديق اللجوج وقاضي الظـلم ،
وحثّك ملحاً على الطلب والسـؤال وقرع الباب ليســــتجاب لك ،
وتأخذ ما تطلب وتقرع مــــــن أجـــله .
إن الربَّ يسوع المسيح ، شــــــريك النـــــــاس في ما يسألون ،
وشــــــريك أبيـــــــــه في عطـــــاياه ،
لا يحضّك عــــــــــــــــلى الســـــؤال ،
لـــــــــولا رغبة له أكيـده في العطاء .
أخجل يا كسول ، أنه مصمّم على العطـــــاء أكثر مما أنــت مصمّم على الســــــــــــــــــــؤال .
ومصمّم على الرحمـــــة أكثر مما أنــت مصممّ على التخلص من شقائك ،
وإذا لم تتحـــــرر من بؤسك بقيت في تعاســــتك لأن مــــن يحضّـــــــك لا يبغي سي خــيرك .
أســــــــــــتيقظ ، وآمن به، وأسمع لمن يعدك ، وأبتهج مع مـــــــــــــن يعطيــــــــــــــــــــك .
إن الله يريــــد أن يعــــــــطي ، ولكنه لا يعطي إلاّ من يسأله ،
ويأبى أن تُمتْهَـــنَ عطــــاياه .
أتريد أن تصل إلي بالصـــلاة ؟ تواضـع .
ليكــــــن قلبــــــك متضعــــــاً حـــــــــتى يـــأتي الله إليــــــــك ،
ويقيـــــــم معــــك في غرفتــــك .
تواضــــــعْ وصَعّد من قلبك زفرات الألم ، لا صيحات القـــــــرف .
أنتحــــــــــــبْ ، وأيّ بــــــار لا ينتحـــــــــــــــــــــب ؟
إذا لم تكن قــــــــادراً على البكــــــــــاء فأنت لا تتـــألمَّ من غـــربتك .
وبأي وجه تأتي إلي الوطـــــــن يا من لم تنتحـــب في غربتك عنــه ، ساعياً إليــــه ؟
مهمـــــــا كنت سعيداً في حياتك هــذه فاعتبر ذاتك في المنفي حبُـــاً بالحياة الأبدية ،
وتــــــأمّل في حزنك كيلا تنقطع عــن الصــــــلاة .
إذا اتتك التجربة فاتتك الصــلاة :
وبالتــــــالي فلتكـــــــن صــلاتك تواضعاً ومحبــةً ، وصــــــــــــــــــــوماً وصدقةً ، ومســـــــامحةً ،
وغفــراناً وسخاءً ، وابتعاداً عن الانتقـام والشـر ، وتمرّساً بالخير ،
وســــبيلاً إلي الله ، وحصــــــولاً عليــه .
إن الصلاة المرفــــوعة على أجنحـــــــة تــلك الفضائل تطير إلي الســــــــماء بســـرعة ،
حيــــــــث ســـــبقها المســــــــيح . أجعل صلاتك نقيــة كيلا تبغي ما تتوق إليه الشــهوة ،
بـــــــــــل ما تســـــعي إليـه المحبـــــة : أجعلها نقيـــةّ كيلا تســـتنزل الشر على أعدائك ،
وتغضب في صلاتك على من لا تستطيع أن تلُحـــــــــق بهم ضرراً متى أنتقمت منهم …
وكما أنك تجعل نفســك بالصدقات والأصوام أهلاً لأن تصــــــــــــــــــلي ،
هكـــــــذا تكون صـلاتك بمثــــابة صـــــــــــــدقة إذا عرفت أن توجهها ،
وتشـمل بهـا أصـــــــــــــــــــــــــــدقائك .. أعــــــــــــــــــداءك .
إن تنزهت عن الغضــــــــــب والحقْــــد
تغـــــــذّتَ باســــــــــتمرار من المحبة .
صلّ ولا تمــــلّ ، صــــــــلّ باســـــــــتمرار صــــلاة إيمان ورجاء ومحبة .
يلزمك أحياناً ، ومــــــــــن وقـت إلي آخر إن تصلي إلي الله بالكــــــــــلام ،
لكــي توقـظ نفســــــــــــك بواســطة تلك الإشــــــــــــارات ،
وتـــــــــدرك ما وصــــلت إليـــــــــه في هذا المضــــــمار ،
ما فيــك من ميـــــــــــــل إلـــــــــــي الصــــــــــــــــــــلاة .
كل صــــــلاة تصــدر عن عاطفة حارة تعــــــــطي ثمــــرة أفضـــــــــل .
جَنــــبْ فكــــرك ــ في ساعات معينّـة بواســــــــــــطة الصلاة اللفظيـــة ـــ
الهموم وســواها و من المشــــــــاغل التي تخفف من شوقك إلي حياة الأبد .
وأنتبـــــه إلــيًّ مصغيــــــاً إلـــي مــا ترجـــــــــــــــــــــــــوه ،
مخــــــــــافة أن يـــبرد كلياً ما بدأ يفتر فيـك ،
فينطفئ بالتمــــام إذا لم تستمر في إشـــعاله .
ولكـــن ، لا تكن صلاتك فـــي كـــثرة الكـــلام :
إن ربنا هـــــو أول من أختصر الخطب الطويلة ،
كيـــــــلا تظهـــــــر في صلاتك الطويلة إلي الله ،
بمظهـــــر من راح يلقّـه درســــــــــاً .
حاجتك في الصلاة إلي تقوي لا إلي ثرثـــــرة .
إذا صـــــــليت : فلا تـــكن مهذاراً كالوثنيين ،
الــــــذين يظنون أنهم بكثرة كلامـــهم يُسـتجاب لهم ،
فلا تكن مثلهم : لأن أباك عالم بما تحتاج إليه من قبل أن تســـــــأله .
لا تقــــــــــلْ : إن كـــــان الله عالمــــــــــــاً بحـــــــــــــاجتي ،
فلـــــــــــمَ أعرضهــــــا عليه بقليل من الكلام ؟
طلب منـــــــك أن تصلي إشـــــــــــــــــــباعاً لرغبـــة فيـــــك ،
كيـــــــلا تحتقــــــــــــــــــــر عطيّتـــــه إليــك ،
ولهــــــذا فقد وضع فيك تلك الرغبـــــة عينها .
لن تنقطع عن الصلاة إذا طلبت باســـــتمرار حيــــاة السعادة .
إذا لـــــم يتوفــــــــــرَّ لدي الإنســان وقــــت طــــويل للصلاة ،
عليه أن يرفــــــــــع دومـــــــــــــــــــــــــــاً صـــــلاة اشتياق .
أنهـــــا لصــــــــلاة مقبــــــــــــــــــــــــــولة ومفيــــــــــــدة .
إذا اســـتغرق الإنســــان في الصــــــلاة طويلاً ، فلا يعني أنه يستعمل كلاماً أطول :
الحديث الطويل شيء ، والعاطفة الطـــــويلة شــيء أخر :
جاء عن الرب بالذات أنه قضي ليلته يصـــــلي وأطال في الصــــــــــــــــــــــــــلاة .
ومـــــــــــاذا يقصـد من عمله هذا ؟ أن يعطينـا مثلاً ، في حياتنا ،
ذاك الوسيط الضروري من الآب الذي يســتجيب إلي الأبـــــــــــد .
يقـــــــــال أن في مصر أخــــــــــــــــــــــــوة يرفعون باســتمرار
ابتهــــــالات قصـــــــــــــــــــيرة تتـــــلي بســرعة ،
حفاظاً على انتبـــــــاه ضـــــــــــــــــــروري لكل من يصــــلي ،
تجنبــــــــــاً للوهــــن والانقطاع عن العمل إذا طالت الصــــلاة ،
وبــــــــذلك يبينون لنا بوضــــــــــــــــــوح
أنـــــــــه كما لا يجوز إضعاف هذا الانتباه بمزيد من الجهـــــد .
كــذلك إذا اســــــــتمر فلا يجــــــــــوز أن يتحّول عن غايتـــــه .
من ذا الذي يقـــــــول أن الخطـــــــــــــاب الطــــويل صــــــلاة ؟
إن بقـــــي الانتبـــــاه حاداً ، فعلي المرء ألاّ يتوقف عن الصلاة .
إن الإكثار من الكلام في الصلاة :
لشبيه بعمل ضروري يقوم به إنسان بكثير من الكلام الـــــذي لا طائل تحته .
بيد أن من يصــــلي طويلاً يقرع باب من يتوسلَّ إليه بقـــــلب نشــيط وورع ؛
لأن الإنسان في هذا الموضوع يعمل بدموعه أكثر مما يعمـــل بكلامه ،
ويعمــــــــل بزفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراته أكثر مما يعمل بأقــــواله .
أنـــه يرتــــــضي في الحـــاضر بدمــــــــوعنـــا ،
ونحيبنــــــا لا يخفي عمّن خلق الكل بكلمته إذ لا يطلب من الناس كلامهم .
صلّ بإيجاز ولتكن صلاتك كاملة :
( ومتى صليتم فلا تكـــــونوا كالمرائين الذين يهوون الصلاة و قوفاً في المجامع
أو في زوايـــــــــا الأزقـــــــــــــة لكـــي يراهم الناس ،
الحــــــــــق أقـــول لكــــم أنهــــــم قـــد قبــلوا أجـــــــرهم
و أمــــا أنت فمتى صليت فادخل مخـــــــدعك و أغلق بابك
و صــــل إلى أبيـــك سراً و أبوك الذي يرى السر يجازيك ) " متى5:6-6 ".
ولكــــــــــــن لا جدوى من دخـــــــــــــــــــــــــولك إلــــــي مخــــــــدعك ،
إن ظــــــــــــل بابـــــــــــك مشرعاً بوجه الثقـــلاء الــــذين يريدون أكثر ،
أنهـــــــــــــم يريــــــدون الدخــــــــــــــــــــــــــول إلــــــي مكمن سرك .
إن الأشياء الزمنية المرئية التي تلج أفكــارك من البـــــاب ،
أي بواسطة شــــعورك اللحمي ،
هي بمثابة طغمـــة مــــــن الأشباح تشوش عليك الصلاة .
أوصـــــدْ بابك بوجــــــه الشـــــــعور الشــــهواني ،
حـــــتى توجــــــــــــــــه إلي أبيك الصلاة الروحية ،
الــــتي تقـــوم بهــــــــا في أعماق قلبك إذا تصلي إلي أبيك ســــــــــــــــــراً .
ولكــن غالبــــــــــــــــاً ما تستهويك الأفكــــــــــار وتجـرك وراءهـــــــــــــــا
حــــــين تركع للصــــــلاة .
إنك تحني الرأس والجسد وتعترف بخطــــــــــــــــاياك وتعبد الله .
إني أري الجســــــــــــــد حيث يقيم وأبحث عن النفس أين تطير .
أري الأعضاء جامــــــدة فلننظــر
إذا كـــــان الضــــــــمير منتصباً وقــــــــــــــــوفاً أمـــــــــــــــــــــــــــــام من يسجد لــــــــــــــه ،
وإذا كــــــــــــــــــــــان يتأرجـح على أكفّ الأفكار مترنحاً يمنه ويســــرة في مهبّ العاصـــــفة .
إن كنت الآن تتحدث إليّ ثــــم تتحول عـــــني بسرعة إلي خادمك متغافلاً ـ لا أقـــــــــــــــــــــول ـ
عمـــــنّ تتوسل إليه عمّن هو مساو لمن كنت تتوسل إليه ،
ألا تظن بــــأنك تهــــــــــــــينني ؟
ذاك ما تصنعه كل يوم بالله :
يتحمــــــل الله قلبك المنهمـــك بغــريب الأفكار ،
التي غالبـــــاً ما تكون شريرة ومعادية لـــــه ،
إن لــــم تكـــــــن شــــــــــــــاذة .
إن الأفكــــار البــــــاطلة إهانــــــــــــــــــــة بحـــــــق من باشـــــرت الحـديث معـه .
أفحص ضــــــــــميــــرك وتأمــــل نفســـــك ببســــــــاطة وصــــــــــــــــــــــــراحة ،
لأن ليـــــــــــــــس كالغــــــــــش والأغـراء بالنسـبة إليــك .
وتأمـــل أيضــــــــــــــــاً كيـــف أن صلواتك تتحـــول أحيــــاناً عن غايتهـا ،
بسبب أفكار باطلة لأن قلبك يكاد يكون عالقاً بالله .
وكيف تهرب من نفسك وأنــــت تريـــــــد أن تبــــــــــــــــــــقي جامـــــــــــداً
فــــلا تجــــــــــد محــــــلاً تســـــــجن فيـــــه نفسك ،
ولا رادع لديــــك يحد مـن حماســــــك ونـــــــزواتك ،
في حــــين أنـــك تستطيع أن تضبـــــط نفســـــــــــك لتسترضي الله ؟
من النادر جـــــداً أن نجد صلاة كهـــذه .
سل الله طوال حياتك الأرضية أن : لا يتخــــلى عـــــــــــــــــن صــلاتك ،
ولا يبتعــــد برحمتــــــــــــه عنـــــك ،
أي ألاّ تتوقــف أنت عن الصـلاة ولا يمتنـــــع هو عن الإشفاق عليـــك .
إيّاك والضجـــر ؛ كثــــــــــيرون يملّــــــــــــــــون الصــــــــــلاة .
في بدء توبتهم يصلون بحرارة ؛ ثم يفــــــــترون ويــــــبردون ،
و أخـــــــــــيراً يهمــــــــــلونها كأنهم في مأمــــن من كل شــــر .
العـــــدو ســــــــــــاهر وأنـــــــت نــــــــــــــــــــائم .
لا تنقطع عن الصلاة ، وعـــد الله لك مضمــــــون ؛
فلا تهمل صـــــلاته ، لأن نعــمه تتطلب ذلك الثمن .
متى رأيت قلبــــــــك ساهراً ، يقظــاً في الصـــلاة ،
فاطمــئن إلي الله الذي ليس بعيداً عنك برحمتـــه .