الفصل الثالث عشر
نعلم بأن :
الكثيـــــــرين ، ممّن ندعـوهم مؤمنين ، يعيشون حياة شريرة ،
ولا يتجاوبون خلقيــــــاً مــــع النعمـــــة الــــتي نالـــــــــــوها ،
فيســــبحون الله بلسانهم
ويجدفـــون عليه بحياتهم .
ونعــــــرف آخـــــرين كثــــيرين منهـــم ،
كمـــــــا في وسط كومة كبيرة من التبن ،
يئنـــــــــون كمــــا الحبة في الديــــاس ،
ولكنهم يتعـــــــــــــــــــزَّون ،
على رجاء الوصـــول إلي الأهراء .
ونعلم بأن هذين النوعين من البشر هما في الكنيسة .
وعرفنـــا الكنيســـــة بيـــــــدراً للرب : ـ
أنــــــــــا لنرجـو التذريه في يـوم الديـن ،
ونتـــوق إلي كومة الحنطة يوم القيامة ،
ونشتهي الأهراء في الحيـــاة الأبديــــة .
لـــــــــن يكون هنــــــاك ،
كما لن يكون في جهنم ،
أيــــــةُ حبـة حنطــــــة .
ويمــيز بين الأبرار والأشرار يوم الدين ،
وليـس كما هــــي الحـــــــــــــــال الآن .
لأننـــا لسنا الآن مميزّين بحسب الأمكنة ،
بـــــل بحسب الأخلاق ، والعواطف ، والرغبات ،
والإيمان ، والرجـــاء ، والمحبـــة .
وفي الواقع إننا لنعيش جنباً إلي جنب مع الأشرار ،
دون أن تكـــــون حياتنـــــــا واحــــــدة ،
في الخفاء نميّز وفي الخفاء نميز وفي الخفاء نفصل ؛
كما يفصل الحب على البيدر لا كما يفصل في الأهراء .
والحــبُ يفصل على البيـــــــدر ثم يخلــــط :
يفصل حـــين يعـــرّي من التــــبن ؛
ثــــم يختلـــــط به قبل أن يـــذرّي .
ســيكون الانفصـــــال في الدينــــــــــــــــونة واضحـــاً ،
كما هي حال الأخلاق والحياة وحال الأنفس والأجسام .
في يوم الدين ، تقف النـــــــــار أمام الديــــــان وحوله عاصفه قوية .
وترفع العاصفة التبن عن البيدر ثم تحرقُ النارُ ما حملته العاصفـــة .
إيــــــاك أن تنفصــــــــــــــــل أو تتفكــــــــك .
إن كنت مسحوقاً تحمَّل التبن حتى التــذريه .
وهــــــل تـــــريد أن تذهــــب عن البيـــــدر؟
إن كنت حنطـــــة خارجـــــــاً عن البيــــدر ،
فسوف تجــــــدك الطــــــيور وتجمعـــــــك .
وفضلاً عن ذلك وبحيث أنك تبتعد وتطير تدل على أنك تبن ،
وإذ كنت خفيفاً جاء الهواء وحملك من بين أقدام الثيران .
أما من كانوا حنطـــه ، فيحتملون الدياس ويفرحون ،
لكونهــــــم حنطـــــة ، ثم يئنون وســــط التـــــــــبن ،
منتظرين من يذريهم ، ذاك الذي يعرفــــــون فيــــــه مخلصــاُ لهــــم .
أثبت على البيــــــــدر تحت ثقل المحبة لتصـــــل إلي الملكوت الخالد .
أسمع صوت الرب :
{ ها أنذا أقضي بين نعجة ونعجة وبين كباش وتيوس }
" حزقيال34/17 ".
وماذا تصنــع هنــــــــا التيـــــــــــــــوس مع قطيـــــع اللـــه ؟
إنهـا تـــرعي في المــــراعي وتشـــــرب من الينابيع ذاتهــا ،
والتيوس المعدة للشمال تختلطُ بالتي هي عن اليمـــين ،
تُقبــــــلُ أولاً ثـــــم تمـــــــيزَّ بعدئــــــــذ ،
ويتدّرب صبرُ النعـــاج نظـــير صــبر الله .
فصلهــم إلي اليمين هو لله وحده هو لله .
إنـه الآن صامت ، وأنت هــــــــــــل تريد أن تتكـلم ؟
ان مـــا يدفعـني الى القــــــــــــول : أتريد أن تتكلم ؟
هو عينــه يدفعه الى الصــــــــــــــــمت
انه انتقام الحكم و ليس كلام الاصلاح .
هو عينه لم يمييز
وأنـــــــــــــــــت هــــــل تـــــريد أن تمـــــــــيز ؟
هــــــــــــــــــــو عينه الذي زرع يقبل بالاختلاط .
إن أردت تنقية الحنطة قبل التذرية ،
فسوف يذريك هواؤك تذريةً سيئة .
ذهل الخدمُ وحزنوا ،
حين رأوا الـــزوان مع البـــــذار الجيّـــد فقــالوا ،
( ألم تزرع بذاراً جيداً ، فمن أين أتي الزؤان ؟ ) .
وبين المعـلم كيـــــــــف ظهـــــــر الـــــــزوانُ ،
ولكنــــــــــه لم يســـمح باقتلاعه قبــل الأوان ،
ومـــــــع أن الخـــــــدام قد دهشــوا أمــام الـــــــزوان ،
فقــــــــــــد أنتظروا رأي المعلم ومشورته .
ولــــم يكـــن الــــزؤان مقبــولاً بـــين الـــــزرع ،
ولكنَّ الخدم كانوا يرون إنهم إذا اقتلعوه تلقائياً ،
كانوا أشبه بالـــــــزوان عينـــــــه .
وأنتظروا رأي المعـــــــــــــــــــلّم ،
وسألوا مليكهم ماذا يريد أن يعمل :
{ أتريد أن نذهبَ ونجمعه ؟ }
أما هو فقال :
كلا مبيناً لهم السبب قائلاً :
{ لئلا تقتلعوا معه القمح أيضاً } .
هــــــدَّأ روعهــــــــــــــم ولم يتركهــــــم مكتئبــين ،
لقد بدا خطــراً للخــــــدم وجودُ الزؤان بين القمح ،
ولقد كان ، حقاً ، خطراً ،
ولكن حالة الحقل شيء ، وراحة الأهـــراء شيء أخـــر .
أصبرْ لأنك لهذا ولـــدت ، وتحمَّل لأنك قد تكون محتمــلاً .
إن كنـــــــت دائماً على صــــلاح ، فكــــن رحيمـــــــاً ،
أما إن كنت على شـــــر أحيــاناً ، فإياك أن تنـــــسي .
ومن ذا الـذي هـــــو دومـاً على صـلاح ؟
أنه لأسهل عــــــلى اللــــه ، إن راقبك دومــاً بانتباه ،
أن يجدك على شرُ حتى اليوم من أن تجد أنت ذاتك دوماً على صلاح .
وبالنتيجة يجب احتمال الــزؤان في الحنطــة ،
والجـداء بين الخراف ،
والتيوس بين النعاج .
سوف ينتهـــــــــي خليــــط الحقـــــل ،
ويــــــــــأتي تميـــــيز الحصاد .
يطلبُ منك الرب ،
الآن ، أن تكون صبوراً كمـــــا قــــــدمّ لك ذاته مثالاً في الصبر حين قال لك :
لو شـــــــئت أن أدين الناسَ الآن ، فهــــــــــل يمكننـــــي أن أخطــــأ .
إن كنت أنا القــــــــاضي دومـاً بالعــــــــدل ،
ولا يمكنني أن أخطأ ،
أرجئ قضائي ،
فكيـــف ، وأنت الذي لا تعرف كيف تدان ،
تســـــــرعُ في إصدار حكمـــك ؟
تأمـــل موقفــــــــه مع خدامه الـــــذين أرادوا أن يقتلعوا الزؤان قبل الوقـت ،
وكيف لم يســــمح لهم بـــذلك حتى في الحصـاد إذا قــــــــــال :
في زمــــن الحصاد سأقول للحصــــادين ولم يقــــــــل : سـأقول لكم .
وإذ بدأ يشرح كلّ شيء بالتفصيل قال :
( الحصادون هم الملائكة ) .
أما أنت المتمنطــــق بالجســــد
الحامل الجسد و لربما انت اللحم بكاملك ، اللحم بالجسد
واللحــــمي بالفكــر ،
فأنـــــك تتجاسر عـلى أن تغتصبَ وظيفة ليست لك ،
ولن تصيرَ لك حتى الحصاد .
وأنتم يا من تحيون حيــــاة صالحـــة ،
قلـــــةً بين كــــثرة تتنهــــــــــــدون ،
وقلةً بين كــــــثرة تنوحــــــــــــون ،
ســـينقضي الشــــــــــــــــتاء ،
ويــــــــأتي الصيــــــــــــــف ،
ثم يقبـــــــــــل الحصـــــــــــــــاد :
( وسيأتي الملائكة لكي يميّزوا و لايغلطون ) .
إننّا لخدام ولسنا بحصادين :
{ إننا بشر والملائكة هم الحصادون }.
وسنكون متساوين وملائكة الله إن أكملنا شوطنا :
{ أمّا الآن وبينا لا نزال تحت رحمة الأشرار فنحن بشر } .
ولــــــذلك فكــــــــل من ظن نفسه واقفـــاً ،
فليحــذر من الســـــــــــــــقوط .
أتظنـــون إن هذا الزؤان يصل إلي القمم ؟
أتظنــون إنهــــم تحتُ وليســـــوا فــوق ؟
حاشا لنا أن نكـــــــون زؤانـــــــــــــــــاً .
أني أقول واثقاً : عـــــــــــلى القمــة حنطة وزؤان ،
وكذلك في الأعماق حنطة وزؤان .
على الصالحين أن يحتملوا الطالحـــين ؛
وعلى هـــؤلاء أن يغيّروا ما بنفوسهم ،
ويقتــــدوا بأولئــــــــك .
فلنأخذ الله كلّنا مرجعـــاً لنا ، إن أمكـــن ،
ولنلــقِ ما في العالم من شرّ على رحمته .
فلنطلب أيام السعد ، لأنّنا في أيام النحـــــس ،
ولكــن ، علينــــــا ، في أيام البـــــــــــــؤس ،
أن نحيــــا حيــــــاة صــــــــــــالحة ،
لنتمكَّن من الوصول إلي أيام السعد .