الفصل التاسع عشر
في العناية بالموتى
( لا بدّ من أن نظْهــر جميعنـــا أمــام منــبر المســــيح
لينال كل واحد منّا بحسب ما صنع خيراً كان أو شراً )
" 2كور 10:5 ".
إن قول الرسول هذا يهـــيب بنـــا ، إلي أن نعمـــــــــــــل ، قبــل المــــوت ،
ما ســـوف ينفعنـــا بعد المـــــوت ، حيث ينتهي كل عمل ، ساعة الدينونة .
يســعك ، و أنــــــــت حــــيّ بالجســــــــد ،
أن تعمل خيراً حتى إذا متّ كان عــوناً لك ؛
و لذلك بقدر ما تصنع من خير في حياتك ،
تنُعـــم بالمساعدة التي تقدمها لك الديانة
بعـــــد موتك .
هنـــــالك أنــــــاس لا يفيــــــــــدون من هـــــــذه التقدمـــــــــات ؛
أمــا لأن حياتهــم بلغت من الشرّ حداً يصدّ عنهم كل مســـاعدة ؛
وأما لأن الصــلاح ملأ حيـــــاتهم فباتوا بغنيَ عن المســـــاعدة .
و بالتالي ، فالحياة التي يعيشــــها كل واحـــــد بالجســـــــــــــد ،
هي التي تجعل نافعــــاً له ما يقدَّم عنه من أعمــــــال ،
تقوي بعد أن يتخلَّى عن هذا الجسد .
و إذا لم يحرز الإنسان في حياته ما يجعل تلك المساعدات مفيدة ،
فباطلاً يطـــــلبها بعد المـــوت .
و على هذا النحو تسير الأمـــور فـــــــلا تســـتخدم الكنيســــــــة عبثاً صلواتها في الموتى
إنمـــا يأخذ كـــل إنسان معـــــه مـــــــــا يصنـــع في حيـــــــــاته خــــــيراً كان أو شـــــراً ،
والــــــــرب يجــــــــازي كـــــلاً بحســب أعمـــاله .
و لكي يفيد الإنسان مما يقدَّم عنــه يجــب أن يستحقه في حياته بالجسد .
إنما لنطـــالع في ســـفر المكــابيين خــــبر تقــــــدمة عن المـــــــــــوتى ،
لــــــــم يطلّــــــع الناس عــــــــــــليه في الكتب القديمة ،
إنما أخذته الكنيسة بعين الاعتبار وأثبتته ، بما لهــا مــن ســــــــــلطان ،
وأقامت أمام هيكــل الـــرب الإله ربـــاط التشـــــــــــفع بالمـــــــــــوتى في فرض الكاهن .
بيـــــد أن العنـــــــاية بالجنــــــــازات ومواكبتهــــا والدفـــــن وظروفه ،
أمـــــور يجد فيها الأحياء تعزيةً لهم ولا يجني منها الأموات كبير فائدة .
إذا كانت الجنـــــــازة الإحتفـــــــالية تنفع الكافــــــر فهل تضر بالتـــــقي الجنازة الوضيعة ؟
ويقــيم جمهور من الخدم جنازاً احتفالياً ، بنظر الناس ، للغني المتدثر بالارجوان ؛
ويقــيم الملائكــــــــــــــة جنازا عظيمــاً ، بنــظر الرب ، للفقير المغــطيّ بالقروح ؛
لا لكي يضــــــــــــــــعوه فـــــــــــــــــي قبر من رخام ،
بــــــــل ليضـــــــــــــعوه فــــــــــــــــي حضن إبراهيم .
ومع ذلك فلا يجــــــــوز امتهـــــــــــان حرمة المــوتى واحتقــــــــار أجســــادهم ،
ولا ســـــــــيما الأبرار منهــــم والصــــــــــــــــــــــديقين ،
الـــذين اســتخدمتهـــم النفـــــــــــوس آنية مقدســـــة للقيــام بصالح الأعمــــال .
إذا كان الأولاد يزدادون تعلقاً بخاتم والدهم أو بثـــوبه أو بأي شيء آخر منه ،
اســـــــــتعمله في حيـــــاته كلما ازداد حبهم له ،
فأحر بهم أن يكرمّوا جسده و قد كانوا إليه أقرب وآنس من أي شيء آخر .
وهذه الأشياء ليست للزينــة ولا للمساعدة الخارجية ،
إنما هي ملازمة لطبيعة الإنسان بالذات .
و إن تكن هذه التعزيات ، وما إليهــــــــــــــــا ، حيث تظهر غيرة الناس على ذويهــم هدفاً يسعون إليه ،
فلا أراها نافعة للموتى ، إلا إذا صلوا لأجلهم و استشفعوا فيهم القديسين الموجودين في جـــوار الرب .
طالبين مســــاعدتهم ، و هم يكرمـــــــــــون مدافن موتاهــــم .
و تقام التذكــــــــارات ، فوق مدافن الأموات الذين انســـــلخوا عن أعين الأحيـــاء ،
تذكيراً بهـــــــــــم ، ولئلا يطغي عليهم النسيان في القلوب .
أمّا إذا دعت الضرورة إلي عـــــــــــــــــدم دفن أجساد الموتى في هذا المكان أو ذاك
فلا يجـــوز إهمـــالهم في الصــــــــــلوات بل على الجمــاعة المسيحية الكاثوليكيـــة أن تقيم عنهم الصلوات ؛
وإذا ضمتهم الكنيسـة إلي بعــــــــــــــــض صـلوات تذكــارية دون ان تعلن عنـــــــــه
فلــــكي تتذكـــــــــــر هذه الام الورعة ، التي هي للجميـــع ، ان هنـــــــــــــــــــــاك
أناســــاً ماتــــــــــوا ولم يخلّفـــــــــــــوا والدين أو بنــــين أو أصــدقاء أو معـــارف يذكرونهم بعد الموت .
وأني لأعتقــــــد بأنه إذا لـــــــــــم تتـــم تلك الصــــــــلوات ، بتقــــــــوى صـــــادقة ، و إيمـــان مســتقيم ،
فـــلا نفـــــع لهـــــم من جنــــــــازاتهم مهمــــــــــــــــــــــا بلـــــغت من القــــداسة .
اعتن بالموتى ؛ إذاً لولا عنايتك لما توســـــــــــــــــلت إلي الله من أجـــلهم ؛
ومـــــع ذلــك فلا تتصور بأن ما تبديه لهم من اهتمام مفيـــــــد لهم كليــــاً ،
إلاّ إذا كــــــان ما تقدمه عنهم من نوع التضرعات التي تقام أمام مذبح الرب والصلوات والصداقات ؛
مع العـــــــلم بأن هذه لا تنفع إلاّ الـــــــــــــــــــــــذين استحقوها في حياتهم .
وطالما لا يسعك أن تتـــــــبيَّن مــن يفيدون من صلواتك ،
فعليك أن تصلّي عــن جميــع الذين تجـــــددوا بالنعمــة ،
لئـــــــــــــــــــلا تنسى واحداً ممّن اســــتحقوا الصـــلاة .
ومن الأفضـــل أن تقــــــــام هــذه التذكارات التقــــوية عمَّن لا تفيدهم أو لا تؤذيهم على الســواء ،
لئلا يحـــرم منهـــا أولئـــك الذين تنفعهم .
وعلى هذا النحـــــــو يعُني كل إنسان بأقاربه علماً منه بأن من يخلُفونه سوف يـــــؤدون له الخدمــــــــة عينهــــا .
وبالرغم من هذا كله فإن ما ينفق من مــــــال في سبيل دفــن الجســـــــــــــــد لا يساعد البتة على خلاص النفس ؛
بيد أنه واجب إنساني تفرضه المحبة التي لا يكره أحد بموجبها جسده .
واستناداً إلي ما تقـــــدم ، على الإنسان أن يعُني ، جهده ، بجسد قريبــــــــــه ،
بعــــد انفصال النفس عنه .
وإذا كان غير المؤمنين بقيامة الأجساد يقومون بهذه الأعمــال
فأحـــــر بمن يؤمنـون بقيامة الأجساد وخلودها أن يقوموا بها شهادة على إيمانهم .