الفصل الثامن
في نوعية حـــب العالم
الحب نوعان : حـــــب العالم ، و حــــــــــــب الله ،
إن كــــــــــان فيك حب العالم ، فلا محل لحب الله .
أنــــــفِ عنك حب العالم
و أقـــــم فيك حب اللــــه ليحل محله الحب الأفضل .
إن كنت تحب العالم فلا تحبه بعد الآن :
إن سلخت قلبك عن حب العـــــــــالم ، أدخـــــــــلت فيه حب اللــه ،
و ســـــكنتْ فيك المحبـــــــــــــة التي لا يصدر عنها أدني شـر .
بين الصانع و المصنوع : ـ
كل ما في العالم ، صنعـــــــــــه اللـــه :
أقم فيك روح الله ترَ كل شيء صالحاً ،
و لكن الويل لك :
إذا أحببت المصنوع ، وتركـــــت الصـــــــــــــــانع .
إنك تـــــراه جميــــلاً ، ولكـــــــــن ما أجمل صـانعه !
إن الله لا يحـرمّ عليك محبـــــــــــة هـــذا الجميـــــل ،
شرط ألاّ تحبــه سعياً وراء سعادتك وبحثاً عنهــــــا ؛
بــــل حباً بالخالق و تمجيــــــداً له .
الخطيب و الخاتم :
إذا صنع خطيب لعروســــــــه خاتمـــاً فقبلته ثم فضلتــه عليه ،
ألا تكون زانية بحق خطيبها بســـبب تـــلك الهــــــــــــــــدية ؟
إنهــا تحــــب في خطيبهـا هــــــــديتــــه ، و لو قــــــالت : حسبي هذا الخاتم ،
و لا أريــــــد أن أري وجـه خطيبـــــي ، فمن تكــــون هـــــذه العـــروس ؟
ومن ذا الذي يقبـــــــــــــل بهذا الجنــــون ؟ ومن لا يعترف بـزني هذه النفس ؟
إنــــــــــــــك تحب الذهـــب حبــــاً بالرجــــــل ،
وتحب الخـــاتم حبــــاً بالـــــــزوج ،
فلـــو أنـــك أحببــت الخاتم حبـــاً بالــــــــزوج ،
ثــــــــــــم اســــــــــتغنيت عن رؤية الــزوج ،
فكأني بـــه يعطيــك الخاتم لا ليرسّخ اتحادكم ،
بل لكــــــي يستميلك عنه إلي الخــــــــــــاتم .
العروس يقّـــــدمُ لك تقدمــــــة لكــــــــــي تحبـــــــه من هديتــــــه .
والزوج يعطي عهده ليكـــــون ميثاق حب بينه وبين شريكه الآخر .
عطايا الله :
إن الله قــــــــــد أعطاك نعمة ، لكي تحبــه في تلك النعم التي صنعها ،
وأكــــثر منهــا أعطــــــــــاك ، لقـــــــــــد أعطــــــــــاك ذاتــــــــــــه .
إن تعلقت خيور الله وأهملت خالقها ، حباً بالعـــالم ،
ألا يعتــــــــــــبرُ حبك له زني ؟
لست أقول لك :
لا تتعـــلق بما للأرض بل أحبــه باعتـدال ،
حبـــــــاً بالخـالق لئـــــــلا يزعجـك حبـه ،
بل فليكن حب اســــتمتاع لا حب استعباد .
أرعَ محبة الله في قلبك كي تحيـــا إلي الأبد ،
كما هو الله إلي الأبد ،
لأن الإنســان يكــون كما تكـــون محبتــه .
إن أحببـــــــــــــت الأرض كنــــــــتَ أرضـــــــــــاً ،
وإن أحببـــــــــت اللـــــه ماذا أقول ؟ أتصير إلهاً ؟
لا أتجاسر على التلفـــــظ بهــــــــــذا الكلام تلقائياً
إنما أسمع الكتاب القائل :
{ قد قلـــت أنكم ألهــــه وبنـــــــــو العلى كلكم }
" مزمور 6:81 "
وعليه ، إن أردت أن تكون إلهاً ، وابن العلى ،
فـــــــــلا تحـب العـالم ، وما فيـــــه :
حب العالم أشبة بيد النفس ،
التي إن أمسـكت شـــــيئاً ، اســــتحال عليهـــــــــا الإمســاك بـشيء أخـر ،
ولكي تستطيع أن تمسك بما يقدم لها ، يجب عليها أن تتخلى عمـــا معها .
إن أنـــــــــت أحببـــت العــــالم ،
فلا يسعك أن تحـــــب اللــــــه ،
لأن يداك مشغولة .
الله يقول لك :
خــــــذ مـــــــــــنى مـــــــــــا أعطيـــــــــك ،
أما أنت فتــــــــأبي أن تتخلي عما بيـــــدك ،
إذ ذاك لن يسعك أن تقبــــــل ما أقــدمه لك .
وإذ لم تســــــــــــتطع بحكـــم الضــــــرورة فأمــــــلك ولا تكــن مملـــوكاً .
وخذ ولا تكن مأخوذاً ، كن ســــــــــــــــيداً على ما لك ولا تكــن عبـــداً له .
أسألك و أرجوك و أحثك على أن :
تحـــــــــــــــــب الحياة الأبديـــــة ،
نظير من يحبون الحياة الزمنيـــة .
تعــــــــــلَّم أن تحب و ألا تحـــب :
أحــبَّ لسـبب و امتنـع عـن الحـب لســبب أخــر .
في العــالم أشـــــــــــــياء تحبهــــــــــا لكـــــــــــي تتقــدم ،
وأشياء أخري ، إن أحببتها ، منعتك عن التقدم ،
لا تستمسك بالمــــــــــــــانع إن لـــــــم تشأ العقــــــــاب :
المانع هــــــــــو ما تحـــب من هذه الأرض ،
وهو بمثـــــــــابة دبــــــــق للأجنحة الروحية ،
أي الفضـــــــائل التي تطير بواسطتها إلي الله .
أنــــك لا تريد أن يقبض أحد عليك ومع ذلك نــــــــــراك تهــوي الدبــق !
أتظــــن أنــك لن تقع بين أيديهــــم إذا كان القبض عليك أمـــراً ســـهلاً ؟
إن العالـــــــم يضــــــــيّق عليــــــك بقـــــــــــــــــــــــــدر مــــا يفرحـــك .
عُــــــــــــــــدْ أيها الخاطئ إلي قلبك ،و استمســـك بمـــــــــــــن خلقـــــك ،
أمكث معـــه لكـــــــــــــي تسـتـقـــر ، و استرح فيه لكــــــــــــي تطمــــئن .
أين تذهـــب في تلك الطرق الوعرة ؟ إلي أيــــــــــــن ؟
إن الخــــير الــــذي تهـــــــــــــــــواه هــــو من اللـــه ،
و بقـــــــدر مـــا يقـــــــــــــــــــــودك إلـــي اللــــــــــه .
بقــــدر ذلك هــــــــــــــــــــــــــــــــــو صـالح وطـــيب ،
لكـــــــــــن ســــــــــــــــــــــــــــــوف يكــون مــــــــراً .
عــلى مــن لم يقبـــــل ، بصـــــــدق ، ما يأتيـه مـن الله .
أنك تسير باستمرار ،
على تلك الطـــرق الضيقــة والوعرة ،فـــــإلي أيــــن تريــــــد أن تصـل ؟
لن تجد الراحـــة حيث تبحـــث عنها ،أطلب مبتغاك خارجاً عن هذا المكان
و هل تبحث عن السعادة في ديـار الموت ؟ لن تجـــدها ،
و هل تكـــــــــــــــــــــون الحيــــــاة سعيدة حيث لا حياة ؟