الفصل الثالث
في كيفية الصلاة
الصلاة حديث مع الله . تقــــــــرأ فيتحدث الله إليك ؛
وتصـــــلي فتتحــــــدث إليه .
وكما تتجـــــــــــــــــــه أذنا الرجل إلي فيـــــــــــــه
فعلي قلبك أن يتجه إلي أذني الله .
كم من أناس يصلّون بشـفاهم ويخرسون بقــلوبهم ؛
وكم منهــم يخرسون بشـفاهم ويبتهلون بعاطفتهم ،
ولـــــــذلك يستجاب الكثيرون برغم أنهم صامتون وباطلاً يهتف الآخرون .
صــــــــلّ بعواطفــــــــــــــــك إن رفـــعت صلاة شوق ؛
وإن صمتَ لســـانك فلتكن من القلب صلاتك .
أمّــا إذا لم تصلّ صلاة شوق وإن تعالي صراخك وأصمّ آذان النـــــــــاس ،
فأنـــــــــــــــــــــت أخرس بالنسبة إلي الله .
إن كــــــــــــــان سامعك إنســـــاناً فارفع صـــوتك ؛
وإن لـــــــــــــم يكن حاضــــــــراً ، فأســـــــــكت ،
لأن من يصغي ، من الداخـــــــــل يقيم دوماً فيه .
تتغـــــــــــــــير نــــبرة الصـــوت مع الزمــــــــن
ولا يحــــــــق للعواطف الباطنية أن تلزم الصمت .
عندمـــــــــــا تذهب الى الكنيسة لترنيم نشيد مــا
يجلجل صوتك مســـــــبحاً الله :
وتبـــــــــــذل أفضل ما عنـــدك حـــــين تنشــــــد
ثــــــــــــــم تغـــــادر الكنيسة وتبـــقي نفســـــك مردده لتسابيح الله .
يريـــــد الله أن يسَّــــــــــــــبح لكي تنمو أنـــــت ، لأن مجده لا يزداد .
أنت تســـــــــتطيع أن تفيـــــــــه تمامـــاً كل مـا لـــــــه عليك من ديـون ،
وإذا طــــالبك بشيء فلا يطالبك به لنفسه بل من أجـــلك لأنك ستفيد منه .
الله لا يحب المديــح لأنه يتعاظم بالمديح ؛ بل لأن المديح يؤدي بك إليــه .
وبم تكافئ الـــــربّ عن كل ما صنع لك ؟
أذكــــــر حســـــناته وتأمّـــــل سيئاتك :
إن الخـــــــــــيرات التي غمرك بهـــــا توازي ، عداً ، سيّئاتك .
لا تحــــاول أن تعطيـــه ممّـا لك ؛ لأن الله يرفض ما هو منـــــك ؛
وأنت إن أرجـــعت إليه مـــا لك فلســـــــتَ تعطي سوي الخطيئة .
لقــد أخـــــــذتَ منــــه كل مالك ؛ وليـــس منــك سوي الخطيئة وحدها ؛
وهو لا يطلب مكافأة ، ممّا لك ، بل ممّا له .
وكمـــــــا تحمل الغَّلة إلي الفلاح من الأرض التي زرعها فهكذا تردّ له غلّته .
أمّـــا إذا حمــــــــــــــــــلت له شــــــــــوكاً فإنك تعطيــه من إنتــــــــــــاجك .
أعـــــــط ، مــــــــــــــــــــا هـــو حــــــــــــق وســبحّ الله بـــــــــــــــــــــــه ؛
إن شئت أن تسبح الله بقواك الشـــــخصية وقعـــــــــت في الكـــــــــــــذب .
أعـــــــط ، على هذا النحو ، ذاكراً أنك لست تعطي ســـوي ما أخذت ؛
وبـــــارك الـــربَ بنفســـــك كيــــــــــلا تنـــــــسى جميــع مكــــافآته .
إن أدعيتَ العظمة ، فلســــــت تسبح الله بــــــل نفســــــــك ؛
وإن بــــــــــــدأت تســـــــــــــــــــبح الله فسبحه بلا انقطاع .
لا تقـــلْ : أســــــــبحّ الله طفـــلاً ،
ومــــتى كبرتُ وبلغتُ سن الرشد سبحتّ نفـــسي .
أجعـــــل شــــيخوختك بيضــــاء مع شعر الحكمة ،
ولا تدعها تــــــذوي مع هرم الجســــــــد .
كـــــــــــــــن عفيفاً في شــــــــيخوختك ورصيناً في حداثتك ،
ولا تستأنس بالكبرياء في شيخوختك ؛ بل تواضع بحكمــــة .
حـــــــــــذار من الســــــــــــــــــقوط ،
إذا كــــــان ما حـــــــولك مزدهـــــراً فاشــــكر اللــــــه ،
ومــــــــتي ســــــــــاءت أحــــــوالك فسّـــــبح الحقيقة .
في الضــــــــيق رفــــع دانيـــال صــلاته إلي الله من منفاه ،
في بابل وهـــــو فــــــي حوزة أعـــــــدائه ؛
وآنــــــــــــذاك قاســــــــى القديســــــون عذبات كثــــيرة :
فدانيال ذاتـــــه ألقي في جب الأسود ،
والأولاد الثلاثة ألقوا في الآتــــــون :
دانيال في ضيقه أعترف بحقيقــــــة اله قـــــــــــائلاً :
( لقد خطئنــــــا وأثمنا وعملنا شراً ) " دانيال5:9 " .
لك المجد يا رب ولنا الخزي والعار .
سبح الله على قيثـــارة ذات عشـــــرة أوتار وأنشدْ نشيداً على القيثارة .
رنمّ على نغم القيثــــارة ولا تحمــــــــــلها .
أما إن تأملت الشريعة حملتها وما ترنمت .
أعمــلْ ، ولكـــــــــــن إن عمـــــــــــــــــلت فلست تترنمّ لأن المترنمَّ فرح .
إن عملت بـــــلا كــــــلام كـــــانت لك القيثارة وحـدها ؛
أمـــا إن نطقتَ بالألفاظ وحدها فأنت تنشد بلا قيثارة .
إن شئت أن تجمع بين الترنيم والقيثارة فتكلًّم جيـــــداً وأعمـــــــــل جيـــــــداً ،
ولا تخــــــــــــــــــــف الأناشيد الإلهية في صـــــــــخب الأخـــــلاق الشريرة ؛
فيــــا أيهــا الإنســان الذي يسبّح الله ،
عشْ بحســـاب بــرهّ ( لأن اللــــــــه لا يرضي بتسـبيح يخرج من فم خاطئ ) .
يهتم الله بسلوكك في الحيـــــاة أكثر ممــــا يهتـــــم بنبرة صوتك . أتعمل ثمًّ تفكّر بالغش ؟
أمتنعت عــــن تســـــبيح الله ثم رحت إلي أفظـــــع من هذا كله ،
حـــــين جرفك الإثم في تياره فلم تكفّ عن تسبيحه وحســب بل جدفت عليه .
مــــــتى سبحت الله في عمل لك صالح ســــــبحته بواسطة ما تعمل ،
ومــتى جدفت عليه في عمل لك شرير جدفت عليه أنت بذاتــــــــك .
إن أكلت أو شربت غنّ . لا يكن غناؤك بإيصال عذب النغم إلي الإســـــــماع
بــــــل في أن تأكل وتشرب باعتدال وزهد وقناعة .
إذاً صلح عملك فأكلت وشربت َتجديداً لقواك الجسدية وتنشيطاً لأعضائك ، وشكرت ،
أنت أيهــــــــــــــا الإنســــــــــــــــــان الصائر إلي الموت ، والهـــلاك .
من أعطاك تعزية بتلك المساعدات ، فأنك تسبّح الله في طعــــامك وشــــــرابك .
أمــــــــا إذا تجاوزت سنة الطبيعـــة وأكلتَ بشــراهة جدفت على الله في حياتك
وإن كنت ترفع بصوتك له تسبيحاً .
بعد أن تأكل وتشرب تأخذ قسطاً من الراحة . ومــــــــاذا يحـــــــــــدث في نومك ؟
إذا نمــــت ولــــــــم يعكرّ شرّ الضمير عليك صفوك فإن نومك البريء تسبيح لله .
وبالنتيجـــــــة عليك إذا سبحتّ أن تترنم بلسانك ،
وليس بلسانك فقط بل وبقيثــارة الأعمال الصالحة أيضاً .
إن قمـــــت بواجبـــــك ســـــــــــــــــــــــــبحتَ الله
وإن أكلت وشـــــربت واســـــترحت في ســـــريرك ونمتَ سبحتَ الله
ومتى تكف عن تســــــبيحه ؟
تسبحّ الله تسبيحاً كاملاً متى بلـــــغت تلك المـــــدينة التي تتســـــــــاوي فيها والمــــــــــــلائكة ؛
فلا تعـــــــــــــــــــــــود بحاجة إلي شيء في جسدك ؛ هناك لا جوع ولا عطش يستوليان عليك ،
لا حـــــــرّ ولا قــــــــرّ ولا حـــــمَّي تفتــــــك بــــك ، وهناك لا موت ينتــــهي به كل شــــــيء .
تمرس بهذا التســــبيح الذي تصــعده أعمــــــــــالك ، اســــــــتعداداً لتـــــــلك التسبيحة الكاملة .