الفصل الثاني
يحـذرك الـرب مــــن أن تتهـــاون فـــي خطايا أخيـك ؛
لا ، لكـــــــــي تبحـــــث عمـــــــــــــــــا توبخـه عليــه ؛
بل ، لكــــــــي تـــــــري الشــر الذي فيــه فتصلحه منـه .
الإصلاح كالحب : أنه يبــــقي إيصال الإنسان إلي الحياة السعيدة ،
و يزداد حباً كلما ازداد رغبــــةً في إصــلاحه .
لا يكــــــــــــــن :
إصلاحك للقريب ناتجاً عن كـدر يزعجــــــــه ،
أو عـن خطأ أقترفـه بحقك .
لأنـــك لا تعمل شيئاً إن حاولت إصلاحه بدافـــع من ذلك .
أما إن عمــلتَ ذلـك ، حباً بــه ، فقد أتيت شـيئاً عظيمــاً .
حـــين يخطــــأ أحد ضــدك ، أعـــــره كل إهتمـامك ، لا مـــن أجــــلك أنـــت ،
لأنه عظيم هو الإنسان الذي يتناسى الإهـــانات ،
بل إنسَ إهــــــــــــانتك ولا تنــس جرح أخيـــك .
أصــلحه فيما بينك و بينه : إن ســمع لك ربحتــه ولولاك لبقـي على ضــــلال ،
و بخه فيمـــا بينـــك و بينــه بدافــع من الإصـلاح ،
و إيــاك أن تخجـــــــــله : لأنـــك إن كــنت وحــــــــــدك عـــــالماً بخطئـــــــه .
وأردت أن تردعه عنه علناً تخونه و لا تصلحـــه .
تـــــــــــــــأمل : كيف أن يوسف البار استعمل المحبة لئلا يشهر زوجته ،
التي راوده عنها فكر بأنها قد أتت قبيحاً قبل أن يعــرف ،
كيف حبلـــت و قد رآها حبلي دون أن يكون له معها أدني علاقة زوجية ؟ .
علق في ذهنه بعـــض الشــــك بأنهــــــــــا زانيــــــــــــة ،
و مع ذلــــك و لأنــه وحـــده كان يرتــــاب في الأمــــــر .
فلم يشــأ أن يشهرها ، ولم يطلب ألمُ الــــزوج الانتقــام ،
بل شــاء أن يعيد تلك التي ظنها مجرمة دون أن يعاقبها .
و بما أنه لم يشأ أن يشهرها قرر أن يرسلها ســراً .
إذ ذاك ظهـــر له مــلاك في الحــلم و طمـــأنه بأن :
المضجــــــع الزوجــــــــــي لـــــــم يُغْتَـــــــــصَبْ ،
و أن العذراء قد حبلت من الروح القدس ربهـــــــا .
وسيدهما .
هل أخطأ إليك أخوك ؟ إذا كــنت وحـــدك عـــــارفاً بــــه ،
فأنه لم يخطأ إلا إليك . على الشر أن يموت حيث يصـــل .
أعمل إذن في بدء الأمر ، إذا أمكن ذلك ،
على أن تعلّمه بلطفــك و ســــخائك ،
و إن أحتقر هذه الوسائل فاســــتعمل الشـــــــدة معـــــــــــه .
كثــــــيرون أصلحـــــــوا بالمحبــــــة وآخــــــرون بالخـــوف .
بيد أنهــــم وصــــــــــلوا إلي الحــب عن طريــق الرعـب والخــوف ،
لا يجوز لك أن تســـــعي في استرجاع البرارة على حساب النظـــــام .
إن نبذت النظام كنت شـــــــــقياً ،
وإن رفضتـــه كنت قاســـــــــياً .
إنـــــــــــــــــي أضع أمامك مثلاً :
تصــــــــــــوَّر ولداً غوغائيــــاً وفوضوياً يحيا حياة تـــــؤدي به إلـــــــي الهلاك ،
ومــــــع ذلك فأبــــــــــــــــــوه يتساهل معه مخــــافة أن يصدمه بقساوه النظـام ،
ألا يقسو عليــه فــــــي ذلـــك التســـــــــــــاهل ؟
إن من يغري يمالق لكي يبيــــع ، والأب يعـاقب بلطـــــف لكــي يصـلح .
و عليـــــــه فحــين ترفع العصا عن ابنك لا تظهر أمامه بمظهر من يحب ،
بــــــــــــــل بمظهر ضـــــــعيف ، ألا يحبنا الله ؟
ومع ذلك ألا يجــــلدنا ؟ ألا يوبّخُنـــا ؟
إذ لم يوبخنــــا فمن أين يأتينــا الجـــوع والأحـــــــــزان ،
والأوبئـة وسائر الشرور ؟
هذه كلها توبيخ من الله تعالي .
وكمــــــــا أن الله يحــــب ويوبــــــــــــــخ ،
هكذا أنـــــت إن كان أحـد تحـــــت أمـرتك ،
ومع أنـــــــك تظـــــهر له عواطف المحبة ،
فلا تمنــــــع عنــــــــــــه عصــــا التأديب .
إن منعـــت عنه الإصلاح ، تركته يهلك في خطـــــاياه ،
التي قــــد يتوقـــف عنها ، لو كان لــه من يصـلحه ،
ولــــذلك ســــــــــــــــوف يضــــمر لك حقداً حقيقياً .
ليــــــس كسلوك الإنســان تجـــاه خطيئــة إنسان أخــــــــر .
ســــــبيلُّ إلـــــــــي إدراك ما هـــو عليـــه مـــن الروحانية ،
فهـــــــو لا يعــــــدُّ لـــــه اهانــــــه بــــل خلاصــــــــــــــــاً ،
ويقدم له مساعدة لا لوماً ويرحـــب بــه ما اســــــــــــتطاع .
أصــلحْ بــروح من الصـــبر ، متأمــلاً في نفســك ، لئـلا تجـــــــربّ .
لا شيء يحمل الإنســــــان على الرحمة كالتفكير بهلاكه الشخصي .
ولذلك فأسهر بمحبــــــــــة وفطنة حين تضطــرك الضـرورة إلي أن توبخ واحـداً آخر ،
وفـــــكّر أولاً إن كانت فيك رذيلة ثم إن كنت بعد وقوعك فيها مسـتعداً لأن تتحاشــاها .
وإن كنــــــــــت حتى الآن قد عشـت في مأمن منها ،
ففكر بأنك إنسان وقد كان ممكناً لك الســـــقوط فيها .
وبالعكــــــــــس فإن كنت قد خلصـــت منهــــا بعــــــــد أن عشـــتَ فيها ،
فأذكـــــر ضعفك لكيــــــلا يسبق البغض اللوم والتـــــأنيب بل الرحمـــــة .
أمّا إذا فكرت فوجدت فيك هذه الرذيلة التي تستعد لمحاربتهـــــا في الآخرين ،
فلا توبخهــم بل أنتحــــب معهــــــــم وأودعهـــــم إلي إصــــلاح نفوســــهم ،
بـــذات الوقــت معــــك ولا إلي الطــــــــــــــــــــاعة لــــــــــك .
أحفـــظ في قلبــــك الســـــــلام والحـــــب ،
مفكّـــــــــــــــــــــراً في الخطــر المشترك ،
وأســتعمل كلمــــة أكثر حيوية وتشـجيعاً .
وفقاً لما يقتضيــــه خلاص الشــــــــخص
الــــذي تصلحــــــــه .
أمّــــــا إذا لم يسمعْ لك . فخذ معـــك أخـــــــــــاً أو إثنين ،
لأن كـــل كلمــــة تثبت من فم شــــاهدين أو ثلاثة .
( وإن لم يسمع لهم فقـــل للكنيســة ؛
وإن لم يسمع للكنيســة ؛
فليكن عندك بمثابة وثني و عشّار )
( متى17،16:18 )
إنــــــــــــما لا يجوز لك أن تهمل أمر خلاصه ،
لأنــــــك إن لم تعـــتبر الوثــــنين أخــوة لك ،
فعليـــك أن تســــــعي إلــــــــــي خلاصــهم .
لقــــــــــــــــــد سمعت المسيح ينبهك عنهم
ويطــــــلب منك أن تعني بهــــم عناية كبري حتى أضاف قائلاًَ :
( الحق أقول لكم :
ما ربطتمــــــــوه عــــلى الأرض يكون مربوطاً في الســــــــــــــــــــــــماء
وما حللتمـــــــوه عــــلى الأرض يكون محـــلولاً في الســـــــــــــــــــــماء ) .
لقد أتخـــــــــذت في بداية الأمر أخــاك كــوثني فربطتــــه عـــــلى الأرض .
وليكـــــــــــــــن رباطــــه عـــدلاً لأن الـــــــبرّ يحطم الربـط غـير العــادلة .
ولكـن بعــد أن تصـــــــلحــــه وتصالحـــه تحلّــه عل الأرض .
وبعـــــد أن تحله على الأرض يصير محلـــــولاً في الســماء .
وهـذا شيء هــــــــام جــــــداً ، ليــس بالنسـبة إليـك ، بـــــل بالنسبة إليه
لأنـــــــــــه ألحـــــــــــــــــــــق ضرراً كـــــبيراً بنفســــــــــه وليــــس بك .