الفصل الخامس
في أن الإيمان هو رأس الحياة الروحية
الإيمان المستقيم هو رأس الحيــــاة الصالحـــــــة التي تحق لها الحياة إلي الأبد .
ويقوم الإيمـــان على القبول بما لا تري، وجزاؤه أن تـــري ما تؤمــــــــن بـــه .
زمن الإيمــــــــانُ هو زمن الــزرع .إحـــــــــــــــــــذر من أن يفــــوتك ؛
وثابر عليــــــــه حتى النهايـــــــة ، حتى تحصـــــــد ، مـــا زرعــــــتَ .
الإيمـــــــان بالله أولي الوصــــايا ؛ وهـــــــــــــــــــــو بداية الديــــــــن ،
و الحياة فيك .
ثبــــتّ قلبــــــك في الإيمـــــــــــــــــــــــــــان ؛
ثــم عشْ حياةً صالحة مترفعـاً عن كل ما يغري متحملاً آلام هذا الدهـــــــــــــر ،
حتى إذا غالت في ملاطفتك أو في تهديدك لا يجرفك تيارها ولا تحطّمك شدًّتها ،
بـــل فليصمُد قلبك بوجهها .
لـــــن تحيا حياة صالحة إلا إذا بدأت تؤمن ؛
ومتى رعيـــــت الإيمان زيد لك البــــــاقي .
كثيــــــرون يفاخرون بأعمالهم ؛
وكثيرون ، مًّمن لا يؤمنون يأبون أن يعتنقوا الدين المسيحي ،
معتقــــــــــــــــــــــدين بأنهم يحييون حياة صـلاح ،
مكتفـــــين بخيــــــور هـــذه الدنيــــــــــــــــــــــــا ،
قائلين بضـــــــــرورة الحياة الصــــــــــــــــــالحة .
وبما يوصينا الســـــــيد المســـــــــــــــــيح ؟
أيوصينا بــــــــــأن نحيــا حياة صالحة ؟
هــــا أنّــــا نحيــا بالصـــــــلاح
وليست لنا حاجة إلي المســـيح :
نحن لا نقتل ولا نسرق ولا نسلب ولا نشـتهي مقـــتني غــــــيرنا
ولا نزنـــــي لا شـــيء في حياتنـــا يستحق اللــــــوم ،
ومــــــــــــن لا منــــــا في شـــــيء صيًّرنا مسيحيين .
إن كل عمـــــــــــــــــل مستقيم يأتيـــــــــــه إنســــــــان
لا يمكـــن أن يكــون مستقيماً إذا لم يرتبط بتقوى الله ،
( وإذا لم يكن الإيمان ســـــباقاً ، فلا صَلاح في الحياة ) .
أسمع الرسول :
{ وبغير إيمان لا يستطيع أحد أن يرضي الله }
"عبرا 6:11".
تظـــــــن أن أعمالك شجرات صـــالحات .
إنمـــــا ، يكفــــي لكي تكون غير صالحة ،
أن تكون بلا ثمــــر أمام اللـــــــه .
لا تعتبر صالحاً عملاً أتيته قبل أن تؤمن ؛ لا صلاح حيث لا إيمان .
النيـــــــة تكونّ العمل الصالح على نــــور الإيمان .
لا تنظر كثيراً إلي ما تعمل ؛ بل أنظر إلي ما تبتغيه من عملك هذا ،
ثم انظر إلي نشاط إرادتك الصــالحة .
تصوَّر ربَّــــــاناً يقود سفينته بمهــــــــــــارة وقد ضيـــع وجهة ســـــفره ؛
إذ ذاك ماذا يفيده أن أمســـــــــك جيــــــــــداً بدفة السفينة ووجهها بحكمة
وجابه الأمواج بمقدمتها وحفظ التوازن لجانبيهــــــــا ؟
وبالرغم من تلك الجهود الجبارة التي يبذلها ليسير بالسفينة حيث يشاء ،
هبْ أن واحداً سأله قائلاً: إلي أين ؟
وهب أنه
أجاب :
لا أدري أو { إلي هذا الميناء } ثم اصطدم بصخرة وتحطم .
أكيد أن ذاك الرجل الذي يقود سفينته بمهارة وقدرة نادرتين يسير بها حتماً إلي الغرق .
تلك هي حــــــــــــال من يعدو بسرعة خارج الطريق ،
أليس من الفضــــــل لهذا الربــان أن يكــــــــون أضعف مما هو عليه
دفة سفينته بصعوبة وحذر ويحافظ على الوجهة الواجب أتباعهــــا ؟
ليته أقل نشاطاً و حذقاً وسار في الطريق ولم يسرع خارجاً عنه .
ممتاز هو ذاك الذي يتبع الطريق ويسير عليه سيراً حسناً ،
ثم يتبـــــــــع خطــــــــــــــــاه أخر ؛
وإن تأخر أحيــــاناً فلا يتأخــر عن ضــــــــــلال ،
أو ليبقي ؛ بل لكي يتقـــــــدَّم على مهــــــــــل .
إننا نرجو وصــــول من يحب أن يصــــــــــــل
إلي غايتــــــــــــــــــــــــــــــه ولو متأخـــــــراً .
تأمّل هذه المقارنة : الإيمـــــان في النفس جذر صالح يُخصبُه المـــطر .
والكفـــر أصل الشرور كلها وشبيه بجذر الشوك ،
الــــــذي إذا سقطــــــت عليه قطـــــــرات قليــــلة
من المطــــــــر حوَّلتــــــه إبـــراً حـــادة .
لا جمال في الجــــذر الصالح إنما جمــــاله كامن
في باطنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه .
حين تنظر إلي شجرة جميلة مخضوضره تعجب بها ويطيب ،
لك أن تتنـــــــــــــــاول مــــــــــــن ثمــــــــــــرها .
وأن تستريح في ظلها أثناء الحر وتمتدح جمالهـا .
وإذا كشف لك عن جذورها فلا تحتقر ما خفي منه .
إذا عنـــــه ينبثــــــــــق ما يروقـــــك حسّـــــــــه .
كل ما ينطلق من الإيمان عظيم ؛
وهكذا فقد تعوَّد الجهـــــــال أن لا يقدروا أساس البناء حق قدره .
في البـــــــدء تحفر حفرة عميقـــة ثم تردمها بالحجـــارة بلا جمـال ولا رونق ،
وتنظر إلي الأساس ولا تفـــــــرح به ثم تنظر إلي البناء وقد ارتفع فتتعجب به !
يا أحمــــــــــــــق ، إن ما أعجبت به مرتكــــــــــــــــــز على ما احتقــــــرته !!
تلك هي حالك : إن لم يكــــن الإيمان فيك ســــباقاً فلا مجال لحياة صالحة .
إن لم يستقم إيمانك فلست باراً ؛ لأن البار بالإيمان يحيــا .
وإن لم يكــــــن فيـــــك إيمـــــــان فلا مجال للصــــــــــــلاة ،
تصلي لمن لا تؤمــن به ؟
الإيمان هو ينبوع الصلاة .
ويُظهُر الرسول أن الإيمان هو ينبوع الصلاة
وأن الساقية تجف متى جفت ينابيعها قائلاً :
{ وكيف يدعون إلي من لم يؤمنوا به }
" روميه 124:10 ".
و بالنتيجة آمن لكي تصلي : وصلّ حفاظاً على إيمانك الذي به تصــــلي .
الإيمــــان يفيـــــض صلاة : والصلاة المفاضــة تقـــــــــوّي الإيمــــــــان .
وحفاظـــــــاً على الإيمــــــــان من التجارب .
قال السيد :
{ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة }
" لوقا46:22 "
الدخول فـــــي تجربة خــــــــروج عـن الإيمان
و بقدر مــــــا يضعــــــــــــــــــــف فينا الإيمان
تقوي علينا التجربة
و بقدر مــــــا نقاوم التجربة يقوى فينا الإيمان .
الإيمــان النقي يحيــــــا وســــط
تجارب هذا العالم
وضيقـــــــــــاته :
العــــــــــــالم يهــــــــــــــــتز ؛
أما الإيمـــان فلا يتزعــــــزع .
آمـــــــــــــن تصبحْ أهلاً لأن تفهــــــــــــــم :
على الإيمان أن يسبق الإدراك ،
ليكون الإدراك جزاء الإيمان .
والنبي أوضح هذا الأمر حين قال :
{ وانتم إن لم تصدقوا فلن تثبتوا }
" أشعياء 9:7 ".
مـن الــــــلازم أن تؤمن بما تبشر به ببســـــــاطة ،
لأن غاية العقــــــل أن يناقش بدقة .
بالإيمـــــــان تتحد ،
وبالعقـــــــل تحيا .
يجب عليك قبـــل كل شيء أن تتحد بواسطة الإيمان ،
لتحيا بواسطة العقـــل .
إن لم تتحــد تقاوم ؛
وإن كنــــــت تقاوم فلست مؤمناً .
وإن كنــــــت تقاوم فكيف تحيــا ؟
انك تجعـــــل نفسك عدواً لشعاع النور الداخل فيك ،
حين لا تشــــــــيح بنظـــــــــرك عنه ،
بــــل بعقلك وتقــــــــول :
كل واحد على الإطلاق يريد أن يفهم .
فمن الواجب علىًّ إذاً أن أفهم حتى أؤمن .
فأجيب آمنْ تفهم . الإيمان مرقاة ،
عليها ، تبلغ الفهم ، والفهم جزاء الإيمان .
للإيمان نور خُص به دون سواه من الكتب المقدسة والأنبياء والإنجيل والقراءات الرسوليه .
إن كل من يقرأ في حينه لهو شبيه بسُرج في ظلمة تساعدك على أن تري النور .
يا أحمـــق ، أتـــريد أن تصعـــــــد و تنسى المرقاة ؟؟ !!
لو تمكنـت الآن من أن أريـــــــك مـا سوف تــــــــــــري
لما حرضتك على الإيمـــــــــــــــان ؛
لأن الإيمان :
( هو الإيقان بحقيقة الأمور غير المرئية )
" عبرانيين1:11 " .
أعطـــــــاك اللـــه عينـــــين جســــــديتين و عقـــــلاً باطنيــــــاً :
أيقظ عقل قلبـــك و أرفـــــع الســــــــاكن فــي عينيك الباطنيتين ،
ليفتــح نوافــذه و يتــــــــــــــــــــــــأمل فــي خليقة اللــــــــــــه .
في باطنك يقيم من ينظــــــــــــــــــــــــر مــن خلال عينيـــــــــك .
إذا فكرت بعكس الحقيقة التي فيــــــــــــــــــــــك ،
فلا تــــــــــــــــــــــــــري مــا هو أمامـــــــــــــك .
عبثاً تُشرع النوافذ فــي غيــــــــاب من يحُبّ أن ينظر خلالها .
الأعين لا تـــــري إنمــا هنــــــــالك من يري بواســـــــــطتها :
أيقظـــــــــه و أرفعـــــــــــــــــــــــــه !
أرفع نظر العقــل و اسـتعمل عينيك كإنسان ،
أنظر إلي السماء و الأرض .
إلي السماء الجميلة والأرض الخصبــــــــــــــــــة و الطـــــــيور الطائرة
و الأسماك السابحة في المياه و إلي الزروع النامية
و الأوقات المنظمـــــــــــــــة .
تأمـــل هـــذه كلهـــا و أبحـــث عن صانعها أنظر إلي ما تـــــــــــــــــــري ،
و أســــــــــألْ عمَّـــــــــــــــا لا تــــــــــــــــــــــــري .
آمـــــن لمــــــا لــــــــــم ترَ من أجل الأشياء التي تراها .
زمن الإيمان زمن شاق ، ومن ينكـــــــــــــــــــــــــــــره ؟
إنما العمل موعود بالمكــافأة .
لا تكن كسولاً في عمــــــل ترجو عليه أجـــراً .
الإيمان يدرك ما لا يدركـه العقل البشــــــــري ،
وحيث يعجز العقل ينمو الإيمان .