الفصل الثالث
في وعود الله و وعود العالم
يا بني ،
أريد منـــــك ألاّ تميــــل إلى منْ ينعمون في هذا العالم ، بســـعادة كـــــــــــــاذبة ، باطــلة ومغريـة ،
لا تغـــــــذي سوى كبريائهم فيجـــف قلبهـــــم من الله ، ويقسو على شآبيب نعمته فلا يعطي ثمــراً .
أريد منــــك ألا تنصرف إلي ما يُري ، بل إلي ما لا يـــــــــــري ،
لأن ما يــــــري زمني ، وما لا يــري أبـــــــــــدي .
وعودُ العالم دائمــــــــــاً كذابـــــــة ، و وعود الله دائماً صادقة .
و بما أن العالم يبدو لك ، و كــــــأنه يحقق وعوده في أرض الأمـوات هـذه ،
بخلاف مَنْ يحقق وعوده لـــــــك في أرض الأحيـــــــــــاء ،
أراك تمـــلّ من ترقـــــبّ الســــــعادة الصحيحـــــة وتهوي بلا خجل سعادة كــــاذبة .
تأمل في الكتاب القائل :
( الويل لكم أيها الذين فقدوا الصبر ومالوا إلي طرق السوء ) " سيراخ16:2 "
إن أبناء الموت الأبدي
لا ينفكــون يوجهون الإهانات إليك ، أيها المجـاهد العامل برجولة المستمسك بالله بقلـب ثابــت ،
و يفاخرون بأفراحهم الدنيوية التي لا تروي لهم غليلاً إلاّ إلي زمن ؛ ثم يجدونهـــا أمرَّ من العلقم .
و يقولون :
أين ما يعدك به بعد الحياة الحاضرة ؟
و من ذاك الذي عاد مــــن هنـــــــاك ليؤكد لـــــك صحة ما تؤمن به ؟
أنظر إلينــــــــا نتمتع فرحين بملذاتنا نحن الذيـــن نرجو ما نــــــري .
أما أنــــــــــت فإنك تشــــــــقي مـــن متاعب العفة مؤمناً بما لم تر .
ثم يزيدون ما ذكرّ به الرسول في قوله :
فلنأكل و لنشــــرب لأنا غــــداً نمـــوت .
ولكن ، تأمل بما حذرنا منه هو عينه حين قال :
( استيفقوا للبر ولا تضلوا ، إن العشر الرديئة تفسد الأخلاق السليمة )
" 1كور32:15-33 ".
إيـــــــــــــــاك أن تفسد أخلاقك ، بمثـــل هـــذا الكــــلام ،
فيضعف صبرك و يضيع أملك و تسير في طرق السوء .
تسلًّحْ بالرجاء الحقيقي و لتكن لك ثقـــة عظمي ؛
و ليكـــن كلامــــــــــك مطيبًّـــــــــاً بملح النعمة ،
لتعـــــرف أن تجـــيب كما يليق ، كل إنســـان .
أجــــــــــب : أين ملذاتكـــــم أيها الباحثــــون عنها في طـــرق السوء ؟
أنا لا أقول : ماذا تكون حالك بعد هذه الحياة ؟ بل ، ما هي حالك الآن ؟
وكمـــــا أن اليوم الــــــــــذي نحن فيه قد قضي على يوم أمـــــــــس ،
و الغـــــــــــــــدَ يغيّــــــــــــــــــــب يومنـــــا هـــــــــــــذا ،
فـــــــــــــــــلمَ لا ينقضي ويــــزول يوم الملذات التي تحبون ؟
ولمَ لا يهرب منذ أن يُلْقي القبضُ عليه طالمــــــــــــا أن الاحتفاظ به غير ممكن ،
ســاعة واحـــــــــــــــــدة ، ولا يوماً واحـداً ، في هـــذا الحـــــاضر ؟
وكما يطوي اليومُ الثـاني اليــومَ الأولَ هكــــــــــــــــــذا يطــوي الثــالثُ الثـاني .
ومن هذه الســــــــــاعة التي تبدو حاضرة ، لا يبقي شيء منهـــا ؛
لأن هنيهاتهـــــــا وأجزائهــــــــا هاربـــــة .
ولهذا يأثم الإنسان حين يخطأ هــــذا إذا لم يكــن أعمـي .
وحين يخـــــــــطأ , فعليـه أن يفكـــرّ ؛
يمكنــــه أن يري البـــشر يشـــتهون اللــــذة بلا فطنـــة ،
لأنها لذة عابرة وإذا انقضت فليفكر أقله بالندامة عليها .
إنكم لتهزأون بي لأني أرجـــو الأبديــــات التي لا أراها ،
في حين إنكــــــم تستســـلمون للزمنيــــات المنظـــورة ،
وتجهلــــــون الغـــــد الطـــالع عليكــم .
وإذ ترجــــــون أن يكــون يومَ خـير ، إذا به يـوم شــــــــؤم ،
ومتى جــــــــاء فلا يمكنكـــــــــم أن توقفوه عن الهــــــرب .
إنكم لتهزأون بي لأنــي أرجــــــــــو الأبديات التي لا تنقضي ،
لأنهـــا لا تـــــأتي بل تثبــــت إلي الأبـــــد .
إنما أنا أجيء إليها ، سالكاً طريق الرب ، فأجدها في نهـــــــــــايتها .
أنتم لا تنفكــــــون ، طــوال يــوم واحـد ، ترجون الخـــيرات الزمنية .
الخيرات الزمنية :
و إن خدعتْ حدسكم إنها : تضرم أشـــــــواقكم متى طلبتموها ،
وتفســـــــــــــــــدكم متى نلتمــوها ،
وتعذبكـــــــــــــــــــم متى فقدتموها ،
أو ليست هي الخيور عينها التي أضرمت رغباتكم ،
حتى إذا ما حصلتم عليها ، حطـت من كرامتكـــم ،
وإذا أردتم الاحتفــاظ بها ، تلاشـــت بين أيديكم ؟
كيف تستخدم الزمنيات ؟
أنا أستخدمهـــــا وفقـــــــــــــــــاً لحاجــــــات الســــفر ،
إنما لا أضـــــــع فيها ســـعادتي ، كيلا أفشل إذا فاتني ،
واســــــــــتخدم هـــذا العالـــــم كمن لا يســـــتخدمه .
رغبة في الوصول إلي خالقـــــــــــــــــه ،
لأثبت فيـــــــــــــه وأستمتع به إلي الأبد .
وما معني قولكم :
من ذا الذي عاد إلينـــا و اخـبرنا عما يجـــري في جهنــم ؟
لقــــد أخرســـــــــــــــكم ذاك الذي أقام المــــــيت من قـــــــبره في اليوم الرابع ، و قام في اليوم الثالث
هـو الذي لن يمـــــــــــــــــــــــــــوت ،
وهو الذي لا شــيء يفــــــــــــــــــوته
وصـف لنا قبــل موته ، في مثل الغنــــــــــي والفـــــــــــــقير ، الاســــــــــــــتقبال الذي يعُدّه للأموات .
أذهبوا الآن و قولوا :
فلنأكل و لنشرب لأنا غداً نموت .
الحق يجدهم مــــــوتي حين يقولـون هذا القــــــــول زاعمين إنهم سيموتون غداً .
أما أنت يا ابن القيامة ؛ و موُاطـــــن الملائكـــــــــــة و القديســــــــــــــــــين ،
و وريثَ الله وشـــــــــــــريك المسـيح في مــــــــيراثه ،
فإيـــــــــــاك أن تقتدي بهؤلاء الذين يموتـــــــون غــداً ،
حـــــــــــين يلفظون أنفاسهم ويدفنون اليوم في قبورهم وهم يشربون .
و يقول الرسول بالمعنى عينه :
( اســـــــــــــتفيقوا للــــــــبر ولا تضـــــــلوا ،
إن العشر الرديئة تفســـد الأخــلاق السليمة )
أنت تســــــير في طــــــــــــــــــريق ضيقّ وآمن ،
أنه يوصلك إلي أورشليم السمائية ، الرحبــــــة ،
التي هي أمّ لنــــــــــــا إلي الأبـــــــد .
ترجّ بثبات ما لا تــــــــــري وأنتظــر بصـــبر ما ليــس لـــك ،
طالما أنك تمسك ، مخلصاً ، بالسيد المسيح الواعد الصادق .