الفصل العاشر
في أن حياة الإنسان قصيرة ومجهولة الأجل
ما هي حياة الإنسان ؟
( أنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل )
" يعقوب 15:4 ".
على حد قول الكتاب المقدس .
إن السنوات التي تبـــــــدو طـــــــــــويلة ، قصيرة هي بعــين الله ؛
لأن الله لا يحصيها كما تحصيها أنت . لقد كان يوم سُمّي اليوم :
ابتداءً منـه إلي يومنا هذا ، كلّ ما كـــــان مسـتقبلاً أصبـح ماضيـاً ،
و كأنه لم يكن . وهلم جرا حـتى النهاية .
فليكن هذا الوقت بمقيـاس ما تصـــــــــورُه مخيــــــــــلتُك ،
و بقياس ما تقـــــــــــول و تفكر وتحـدد ؛
و طــولّ حياتك ما شـــــــــــئت .
ثم بعــــــــد، أليس لك يوم أخير من عمـرك ، تــترك فيه هذا الجســـــــــد ،
وتنبســـــط إلي البعيد البعيد ؟
و مـــــاذا يعني العمر الطويل ههنا إذا لم يبلغ الإنسان الشـــــــــيخوخة ؟
و ما فائدتك منه طالما أنه يـــــــــؤدي بك حتمـــــاً إلي الشـــــــــيخوخة ؟
مهمــــــا بدا لك الوقت طـــــــــــويلاً
فلابـــــد من أن تعترف بقــــــــــصره متى أتاك الموت و أنتهي أجـــــلك .
قصير هـــــــــو كل ما يعــــــبر ويـــــــــــــــــــــــــزول .
هـــــــبْ أن آدم بقي حياً يرزق حتى أيامنا هذه ثم مات ؛
فمـــــــاذا ينفعه طـــــــــول عمـــــــره ؟
تأمّل فيما لو بقي عمر واحد :
يريد الأطفـــال أن يكــــــبروا ولا يـــــردون أن حياتهم تنقص ،
كلما توالت فيها الســــــــــنون .
السنون لا تـــــــــزداد مـــــــع العمر،
بل تُستخرج منه كمياه النهر التـــي كلما تقدمت في الأرض
ابتعدت عـن ينبــــــــــــــوعها .
أن أقبـــــل عمـــــــــــــرُّ أدبــــر آخـــــر : إذا أقبـــــل الشـــــــــباب أدبرت الطفولة ،
وإذا أقبلت سن المراهقة أدُبرت الطفولة ،وإذا أقبلت الشـــــيخوخة أدُبـــر الشباب ،
وإذا أقبــل المـــــــــــوت أدُبرت كل حياة .
إن شئت أن تعيـــــــــــــــــــش عدداً أكبر من السنين ،
تمنيـــت أن تطوي لنفسك أكبر عدد مــــــــن الأوقات .
لا يثبت عمـــــرنا على حـــــال : تعــــــــــــب دائـــــــــم
ومــــــــــــــلل دائـــــــــم
و فســــاد في كل مكــــان .
ومع ذلك تتمني العمر الطويل ولا تخشى الحياة الشريرة
لأنك تريد أن تعيش طـــويلاً ، وإن شـــــــــــــــــــــــــراً .
أنـــــك تبحث عن شر مـديد ،
فلما لا تبحث عن خير مديد ؟
وتقــــــــــــول : بعيد هو يوم مـــــــوتي ـ
ومن ذا الــذي أنبأك بأن يوم موتك بعيد ؟
ومن أيــن لك أن تقــــــــــــــــــــــــــــــــول : أن موعـــد أجــلك بعيـــــــــــــــــد ؟
ألا تحمـــــل فــــــي جسدك عـــلة مـــوتك ؟ ألســـــــت أســـرع عطباً مـــــن الزجـــاج ؟
ومــــع أن الزجاج ســـــريع العطـــــــب ، فحفظُـــــة طـــويلاً ، ممكــــــــــــــــــــــــن .
كم من كؤوس خلفهــــا لك الآبـاء والأجـــــــــــــــــــــداد ،
وشرب فيها الأحفاد وأبنــــــاء الأحفـــــــاد ،
ثم حُفظـــت طــويلاً مع أنها سريعة العطب !
أما أنـــــــت أيهــا الضعيف السائر عرضة لأخطار كـــثيرة ، كل يــــــــــــــــــــوم ؛
وإن لـــــــــــــم تفاجئـك الأخطار فلسـت قــادراً على أن تعيش طويلاً .
يموت الناس كل يوم :
يشـــيع الأحياء موتاهم ويحتفلون بجنازاتهم ،
معللّين أنفسهم بالحياة ولا يقول واحد منهم :
على أن أصــــــــــــــلح نفــــــــــــــــــــــــسي
كيـــــلا أكون غداً نظير من أشـــيعه اليــــوم .
أعمـــل إذن يا بنـــــــــــــيّ وأصلح ميولك الشريرة ؛
ليكـــــــــن الخوف فيك الآن طالما لا بد من الخوف .
إن كان يـــــوم الدين بعيــــــــــــــــــــداً
فيومك الأخير لن يكــــون بعيداً ،
والحياة قصـيرة ،
وطالما أن مدة حيــــاتك مجـــــهولة ،
فإنـــك ليومك الأخـــــير جاهل أيضاً .
أصـــلح ذاتــــك اليـــــــوم مـــــــــــــــن اجــل الغـــد ـ
أنــــــــك تعمل إلي زمن و لست تعمــل إلــي الأبــــد ؛
تعبــــــك قصــــــــــــير أما ســـعادتك فـإلي الأبـــــد ،
إلــــــي زمـن حــزنك ؛ أما فرحــــــك فـإلي الأبــــد .
إن فرحــــت في الزمن فلا تثـق بهــــذا الفــــــــرح ،
وإن حزنت في الزمن فلا تيـــــــــــــــأس .
لا تفسدنَّك الســـعادة ولا تحطمنَّك الشـدة .
كـــم طال شـــــــقاء العازر؟
وكم دام غني الغني العائش ،
كل يوم في رغـــــــد يلبس البرفير و الأرجوان ؟
لقــــــــــــــــــــــد تبـادلا مــا هـــو إلي الأبــــــــــد .
لسنين معـدودة شــــــــــــــــــقاؤك ؛
إنمــــــــــــــــــا لن تنقصك التعـزية ، ولن تحُـــرم الأفراح .
لكــــــــــــــن ، لا تفرح بالعــــــــالم ،
بل أفرح بالمســــيح وكلمتـــه ،وشـــريعته .
سر مؤمناً وأصــــــلح أخـــــــــــــلاقك ،
وعــــــــش كمســـــــــــــافر .
وأعلم أنك راحلُّ تخطأ قليلاً .
لا تتهاون فـــــي عمــــــــــــــلك الآن ،
ليكــــون فرحـك إلي الأبــــــــــــــــــد .