الفصل الثالث
في أن الخطيئة هي عمى النفس
يقتــــــص الله فــــــي بــــــــــدء الأمـــــــــــر النفــــس الــــــتي مـــــالت عنـــــه ،
فيضـربها بالعـمى عقــــاباً لهــــــا .
لأن من مال عن النور الحقيقي الذي هو الله ، يصبـــــح أعمى ويحلّ به العقاب
وإن لم يشعر به .
أتظن أن هذا العقاب بسيط ؟
متى تكلمتّ عن ظلام القــــلب دون سواه ،
وعن عمي العقـل ،
فهل تعـــــــتبره عقاباً خفيفاً ؟
لو ســــرقت شــــيئاً وفقــــدت للحـــــــــال احــــــــدي عينيك ،
لزعــــــم النـــــاس أن الله الذي هو حاضر قد اقتــصَّ منـــك ،
أو تَفقْدُ عين قلبـك وتظـــــــــــــــــن أن الله يحميك من الأذى ؟
لا تعتقــــــــــــــد بــــــأن النــــور غير موجـود لكونك لا تراه .
الشـمس للأعمى موجــــودة وإن لــم يـرها ،
وهـــــــــــــــــــي موجــــودة بالنسبة إليــه ،
إنما هـــو غـــائب عنـها .
وأنت تخطـــــــــــأ تفقــــــــد النور من قلبك .
الحكمة حاضرة :
وبرغم إنها حاضرة أمام الأعمى فهي غائبــة عـــن ناظـــــــريه ،
لا ، لأنهــــــــــــــا بعيده عنــــه بــل لأنــــــك أنــت الأعــــــمى ،
قـــد ابتعـدت عنهـــــــــــــــــــا ،
ماذا يجــــب عليـــــك أن تعمل ؟
تنق لتتمكن من رؤيــــــة الله .
إنك لتترك ههنا ، ســاعة تموت ،
ما كان يحمـــلك على الخطيئـــة ،
وتحمل معــــك خطـــــــــــاياك .
إن كنت تخطأ : بســـــــبب المـــــال فيجب أن تتركه هنـــــــــــــــا ،
أو بسبب الأمـــــلاك فيجب أن تتركها هنــــــــــــــا ،
أو كنت تخطأ : بسبب المـــــــــرأة فيجب أن تتركها على الأرض
وحين يُطبق الموت جفنيــك :
تضــــطر إلي التخـــــلي عن كل ما كان يحمــــلك عــــلى الخطيئة ،
لتحمل معك الخطيئة الـــتي اقترفتها .
ومـــع ذلك نـــــــــــــــــــراك تخطــــــأ البخــــــــل عــدوّ المسـيح ،
ولــــــــــمَ أنــــــــــت عبــدُّ لـــــــــــه ؟
المسيح يأمرك بالقليـــــــــــل ؛ فلا تعمله ؛ والبخل يأمرك بالكثير ، وإيــــــاه تعمل .
المسيح يأمرك بأن تكسو الفقير فلا تطيــع والبخل يأمـــــــــــرك ، بالغــش فتطيع .
ولكــــــــــــــن إن لم ترَ الخطيئــــة قبـل أن تعملها ،
فتفحَّصها على الأقل بعد أن تعملها .
حلاوة العالمَ تطّيب العالمَ إلي حــــــين ، ثم تنقــــلب مرارة حادة .
لقـــــــــــــــد خطئـــت وجنيت ربحاً ؟
فمـا هـــــو هذا الربح الـذي جنيتـه ؟
لقـــــــــد أهـــنتَ الله حبــاً بالكسب ؛
وضُـــعفتْ صداقتــك لـه ،
لتزيد مــن مــالك وذهبك .
فمــــــاذا خســــرت وربحــــــــت ؟
لقــــــــــــد ربحت ذهبـــاً ،
و خســــرت صــــداقة الله .
قارنْ بين الصداقة والذهب .
لو كانت هذه الصــــــــداقة تباع وتُشري في الأسواق
لكــــــان لها ثمــــــن كثير.
أتفكّــــــــر بربحـــــــــــــــــــــــك ،
ولا تفكّــر بخســـــــــــــــــــارتك ؟
أنت تفرح بما تحشــــو به صنــدوقك ، ولا تبكــــــي عــلى ما يخــــلو منه قلبك ؟
أنـــــــــــا لا أدري بما يملأ صندوقك ؛ إنما عليك أن تخاف مما يفرغ منه قلبك .
حين تفتح صـــــــندوقك وتجد فيه ذهباً جديداً تفرح بزيادة وجدتها فيــه ؛
أفتح صندوق قلبك الذي كان عــــــــامراً بصداقة الله ، ثم خلا منها ؛
إن كنت تفــــــرح بتلك الزيـــادة ،
فلمـــاذا لا تحزن لهذا النقصان ؟
خســـارتك كانت أوفي مـــــن ربحـك ؟ ومـــــــــــــــــــــــــاذا يحـلّ بــــــك ؟
لن تتمكن من حمل الذهــــــب الــذي ربحته على حســــــــاب صـــداقة الله ،
لو ظــــلَّ قلبـــــك عامراً بالله لنـــال إكليل النصر، لكنه يسير إلي العقـــاب .
تأمــلّ : بمــــــــا صنــــعـــت فإنـــه كـلا شــيء ، وبســــببه أهــــــــنت الله ،
ولكن ، ما أقوي هذه الشهوة التي تعميــــك عـــــــــــــــــــن رؤية الأشياء .
يا بني العزيز ؛ لا تكن ظلمــــــــــــة ،
ولا تكن كــافراً ظالماً ، أثيماً ، خاطفاً ،
بخيـــــــــــلاً ، ومحباً للعالم ،
لأن هــــذه كلهـــا ظــــــــــــلام .
النـــــــــــور ليــــــــــــــــــس بعيـــــــــــداً عنـــــك ،
إنمــــــا أنــــــت بعيـــــــــــــد عنـــــه .
فـــــــــــــــــــــلا تكــــــــــــن أعـــمى .