الفصل الخامس
في أن حزننا لموت النفس
يجب أن يفوق حزننا لموت الجسد
كمـــا يموت الجسد عندما تفارقه النفـس ،
كذلك تموت النفس عندما تنفصل عن الله .
بيـــــد أنَّ مـــــــوت الجســـــــــــد محتـــــــــــــــــوم ،
و مـــــــوت النفـــــــــــس اختيـــــــــــــاري .
عندما تنفصل النفس عن الجسم ، يمــــــــــــــوت :
كأن قُبَيْـــــــل المــــــــوت جميـــــــــــــــــلاً ،
فأصبـــح بعــــــــــــــــــده قبيحـــــــــــــــــاً ،
وتبقي الأعضـــــــــــــــــــــــــــاء كالعينين والأذنين ،
بمثابة نوافـــــــــــــــذ لبيـــــــــت هجـــره ســــكانه .
ومن يبكــــي عــــــــــــلى الميـــــــــــــــــــت ،
كمن يصرخ بــــــــــــدون جـــــــــــــــــــدوى ،
عــــــــــــلى نوافذ مسكن ليس فيه من يسمع .
شعور الباكي يعــبرّ عــن أمــور كثــيرة :
كم يـــحُصي من حسنات ويعدّد من مآثر .
وما أشــــــد حـــــــــــزنه متكلمـــــــــــاً ،
كأن الناس يفهمـــــــون ما يقـــــــــــول مع أنـــــــــــه يتكـلم إلي غائب !
أنــــــــــــه يســــتعرض عــــــــــــاداته ومظاهر عطفه عليـــــه فيقـول :
( أنـــــــت أعطيتني كذا ووهبتـــــــــــني كـــذا وكــــذا وغمرتني بمحبتك ) .
لو أنك فكرت : وأدركــــــت فسبرت غور حزنك الجنوني ،
لـــــــرأيت أن : من أحبَّــــك قـــد ابتعـــــــــد عنــــــــك ؛ وعبثـــــاً تقـــرع بــاب بيت لــن تجـده فيــه .
الجســـــــــــد : يحيـــــــــــا والإنسـان يــــأثم ويخـون ، ويــأبى أن يؤمن ويتصــلَّب في تقويم أخلاقـة ،
وبـــــــــــرغم : أنــــــــــــه حـــــــــــــيّ بالجســـــــــد ، فالنفـــــس التي تحـــــــــيي الجســـد ميتـــــة .
النفـــــــــــــــــس كنز ثمين ، أنها لتحيي الجســــــــد ، وإن ميتــة ،
والنفـــــــــــــــس خليقــــة ، ســـــامية ، جــــــــديرة ، وإن ميتـــة ، بـــــــــــــــــــأن تحـــي الجســـــد .
هل تبكي ميتاً ؟
من الأفضل أن تبكي الخاطئ والكافر والأثيم لأنه مكتـــــوب ،
( النــــــــوح على الميت سبعة أيام والنوح على الأحمـق جميع أيام حياته )
" بن سيراخ13:22 " .
وهل فيك رحمة مسيحية وتبكي جســداً فارقته النفــس ،
ولا تبكي نفساً فارقهــــــا الله ؟
ولمَ تخشي موت الجسد ،
ولا تخشى موت النفس ؟
تســــــــــــهر لكــــــــــــــي تبعـــد موت الجسد ، مع أنه آت حتماً .
وكذلك فأنت تتعذب :
تعمل جهدك كيلا تمـــــــوت يا من حتم عليــه أن يمـــــــــــوت .
ولا تســعي للكفر بالخطيئة يا من يجب عليه أن يحيا إلي الأبد .
ومع أنك تعمـــل كيــــــــــــــــلا تموت ، فعمــــلك باطل ،
لأنـــــك تعمـــلَ لكـــــي تؤخر الموت ، لا لكي تتحاشاه .
أما إذا سعيت جهدك كيــــــلا تخطـــــــأ ،
فــــــلا عذاب لــــــك بل حياة إلي الأبـد .
أضـــــرم فيــــــــــــك نار الحمـــــــــاس ،
ثـــــــــــم أضرمهـــــا في نفـــــــــــسي ،
لنحـــــــب تـــــــــــلك الحيــــاة إلي الأبد ،
كما يحب الناس هذه الحيـــاة الفانيــــة .
وبالنتيجة ، عليك أن تخشي موت النفس ،
وايــــــاك أن تخـــــــــــشى موت الجسد ،
لأنــــــــــك :
إن خشـــــــــــــيت مـــوت النفــس ،
حييــــــــــــــــت فـــــي اللـــــــه ،
وإن احتقـــــــــــــرت جسدك بحــــــقّ ،
اســـــــــــتعدته فـــــي النهـــاية ،
لا للعذاب الأبدي ، نظــير الأشرار ،
بل للحياة الأبدية ، نظــير الأبـــرار .
استحق القديسون ،
مـــــــن الله ، المجــــــد ، إكليـــلاً ،
وخلّفــوا لنا اســـــــمهم ممجـــــداً ،
بعــــــــد أن خافــــــــوا من ذلك المــــــــــوت ،
وأحبــــــــوا هذه الحياة منتظـــرين تحقيــــــق مواعيـــد الله ،
محتقـــــرين إلي جانب ملاذّ الدنيا مضطهديهم وتهــديداتهم .