الفصل الثامن عشر
المدخل عـــــــلى الأبــواب : باشــــــــــــــــــر بالاعــتراف .
أجعــل خـــيرك في اللــــه ، الذي ابتعدت عنه فجنيتَ شــراً .
إن كنت نعجة الرب إلهك ، فأدخـل من الباب ،
ولا تمكث في الخارج مع الذئـاب .
أعترف بخطاياك ، وإن كان فيك صلاح فاعترف بمصدره ؛
أو كــــان فيك شــــرّ فاعترف كـــــــذلك ، ليجعلك الاعتراف صالحاً .
إن كنت صالحاً فبفضل من الله صلاحك ؛
أو كنت شريراً فمنــــــــــــــــــــــــــــك .
أهــرب من ذاتـــــــــك وهــــــلَّم إلي الله خالقـــك ،
لأنـــك ، إن تهـــــــرب من ذاتــــــــك تتبـــع ذاتك ؛
وإذ تتبع ذاتك تستمسك بالله الذي صنعك .
هل تخشي الاعتراف : لأنك تخاف أن يشجبك الله باعترافك ؟
لا تخـــــــــــــــــــف : اعترافك هذا لا يؤدي بك إلي العـذاب .
يا من يســعك أن تنجـــو بالاعــتراف ،
سوف تهــــلك إن لزمـــت الصمــــــت .
يفـــــرض اللـــــه الاعــــتراف لكي يخلـــص المتواضـــع ،
ويقضي على من لا يشكو ذاته لكي يعــــاقب المتكـــــــبر .
أكتئب قبل الاعتراف ثم اغتبط بعـــــده لأنك نلـــــــــت الشفاء .
أنظــــــــــــر إلـــي هذا القضاء العادل بين الفريسي والعشـار .
ماذا قيــــــــــل عن الفريسي ؟ سـقط .
ماذا قيــــــــــل عن العشـــار ؟ أرتفع .
ســــــقط الأول لأنــــــــــــــه ارتفع ،
وارتفع الثاني لأنــــــــــــــه أتضع .
ولكي يضع الله من يرتفع فإنه يثقـــل عليه بيده ،
لقـــد رفــــض أن يتضـــــــع ويعترف بخطيئته ،
فاتضع تحــــــــــــــــت وطأة يـــــــد الله .
ثقيلة هــــي يـــــــــــــد من يضــع ،
كمـــا هــــي خفيـــة يد من يرفــع .
وأنها لقوية فـــــــــــي هـذا وذاك ،
قويـة لتثقـــــــــــــــــــــــل ،
وقوية لترفــــــــــــــــــــــع .
كان الفريسي :
يعترف بفقره وحاجتــــه دون أن يتجــــــــاسر على رفع عينية إلي السما ء .
أعترف بأنه إنسان خاطئ فـــــلم يعـــد يؤمـــن بحقه في التطــلع إلي فـــوق .
كان يتطلـــــع إلي عدمه ويعترف بكمال الرب ،
ويــــدرك بأنه قد جــــاء إلي الينبـــوع ظمآن .
ويدلّ إلي حنكه ويقرع باب الغـــني الإلهي ليبّرد حــلقه ،
ويقــــول قارعــاً صــــدره ، مطأطئ الرأس إلي الأرض :
أغفر لي أنا الخاطئ :
من بعيد كان يصــلي مع أنه كــــــــان قريباً جــــداً من الله .
أدرك خطــــــــــــاياه فابتعــد عن الله واتقــاه فتقــرَّب إليه .
هو توقف بعيـــداً لكن السـيد نظر إليـه عــن كثــــب ؛
إن يقـف بعيـــــداً ، ولا يتجــــــاسر أن يرفــع عينـه ،
فهذا أمر بســـيط ؛ لكنــــه لم ينظــــره لئــــلا يُـــري .
ما تجاسر أن يتطلع إلي فوق ،
الضــــــمير يضـــــــــــغط عليـــــه والرجاء يرفعه .
وكـــــــــان يقرع صدره ويطــــالب لنفسه بالعقاب ،
وأشـــــفق السيد عليه لأنه كـــان يشكو نفســـــه .
وكان يقرع صدره قــــــائلاً :
رب أغـــــــفر لي لأني لســــــــت ســـوي خاطئ .
هوذا الاعتراف يصيره غنياً ، وإن كــــــــــــــــان فقــــــيراً جــداً :
فكيـــــــــــــف تمكــــــــــــن من اســتخراج تلك الجواهر الكريمة من اعترافه ذاك ؟
ونــــــــــــزل من الهيكل مبرراً ، أســـعد وأغــني من ذي قبــــــــل .
الفريــــــسي الصاعد إلي الهيكل للصلاة لـــم يطـــــــلب شيئاً .
بعض الناس يظنون أنفســــــهم أغنيـاء وهم لا يملكون شيئاً .
قال الفريسي :
" شكراً لك يا ســــيدي لأني لستُ كباقي الناس الظالمين والسارقين والفجّـــار ولا كهذا العشار"
لو أنه قال على الأقـــل كالكــــثير مـــــن الناس ، وما معني سـوى جميع الناس ما عـــــــــــداه ؟
باقي النـــاس وســائر الناس ؛
لقد قال :
" أنا بــار وسـائر النــاس خطــــاة ... ولستُ مثلكم ظالماً وسارقاً وفاجراً " .
وأنها لمناسبة للتكبر في جوار العشار حين قال ، كهذا العشــــــار :
" وأنا وحدي فاضل ، أما هـــــــــــــذا فإنه مـن مصاف الآخـرين ،
لست مثله بســـــبب أعمالي الصالحة الـــــــتي تجعلني بــــــاراً .
إني أصــــــــــــــــوم في الســـــــــــبّة يومـــين وأعشـر كل مالي "
أبحــــث في كلامــــه عمـــــــــــا ســأل الله فلن تجـد شــيئاً ،
أنه صـــعد ليصــــلي ولم يشأ أن يمدح الله إنما مدح نفسه .
قليــــل بالنسبة إليــه ألاّ يصلّي إلي الله ويمـــــدح نفســــه ؛
ومــن واجبـــه أيضاً أن يجــدّف عـــلى مـــــــــن يصـــلّي .
لقـــد ســمعت النقاش حـــــــــــول الفريسي والعشار ،
أصـــــغ الآن إلي الحـــــكم ؛
لقـــد سمعت المدعي المتكبر
والمدعي عليه المتهَّــــــــم ،
فأصــغ الآن إلي القاضي .
الحقَّ أقول لكم : ( هي الحقيقة ، هو اللـــــــــه الذي يتكلم ) :
الحقَّ أقول لكم لقد خـــــــرج هذا العشــــار من الهيكل أكثر بــــــراً من الفريسي .
ربّ ، قل لي السبب ، ها أنـــــــي أرى العشار نازلاً من الهيكل مبرراً أكثر من الفريسي ،
وأني لأبحث عـن السـبب .
أتبحــــث عــن الســــــــــــــــبب ؟ من ارتفـع أتضـــــــــــع ،
ومن أتضع ارتفـــــــــــع .
لقـــد ســـمعت الحكـــــــــــــــــم ، أحـــــــذر السبب السيئ ،
وبكلمة أخري لقد سمعت الحكم فاحـــــــذر الكــــــــــبرياء .
هل تعتدّ بقواك ؟
أنت شـــرّ من الفريســـــي وأكثر كراهية منــه .
في الواقع أدعّي الفريســي البرارة بكـــــــــبر ،
ولكنــــــــه شكر الله قائلاً :
أشــــكرك يا ســــــــــــيدي لأني لســـــــــــت كباقي الناس .
الشكر لك يا الله : يشكر الله لأنه ليـــــــــــس كباقي الناس ،
ومع ذلـــــــــــك فبـــــالرب يلومه على كبريائه وتشامخه ، لا ، لأنه يشكر الله ،
بــــــل لأنــــــــه يظن بأنه لا يرغـــــب في أن يــــــزيد شـــــــيئاً على فضيــلته .
هــــــــل تعتــــدّ بقــــــــــــــواك ؟
لا تطـــلب شـيئاً لأنك كامل وبار ؛
وبالتــــــــــــالي فالحياة البشرية عــــــــــلى وجـــــــــــه الأرض ليســت تجربة ،
وعليـــــــــــــه فقــــــد أصبحت في بحبوحة ولا حاجة لأن تطلب مغفرة الخطايا .
ــــــــــــــــــــــــــ
|