الفصل الثالث عشر
في مديح المحبة
أنا لا أدري إن كانت الدعوة إلي المحبة أفضل من القول ( اللـــــه محبة ) " 1يو16:4 "
أنــــــــــــه لمديــــح وجــــيز وعــظيم : وجيزُّ لفظـــــــاً وعــظيمُّ مــعنى .
ومـــــــــــــا أســــرع هــــــــذا الكــــلام : الله محبــــــــــــــــة ! وما أوجـــزه ؛
فـــــــــــــإن أحصيته وجدته كلمة واحده وإن زنتـــــــــــــــــــه فكـم يكـــون ؟
( الله محبة ، ومــن يثبت في المحبـــــــة يــــــثبت في اللـــــــه والله فيـــــــه ) " 1 يو16:4 " .
ليكـــــــــن بيـــــــت الله لك بيتـــــــــاً ، وكـــــــن أنت بيت الله ، أثبت في الله يثبت الله فيك .
الله يثبت فيك ليضبطــــك ، وأنت في الله لئلا تسقط . لقد قــــــال
الرسول في المحبة عينه :
( المحبة لا تسقط أبداً ) " 1كور 8:13 ".
وكيف يســــــــــقط من كان الله به ممســــــــــكاً ؟ الرسول يوصي بأمور ثلاثة حين يقول :
( والذي يثبت الآن هو الإيمان والرجاء والمحبة ، هذه الثــــلاث ؛ وأعظـــمهن المحبـــة ) . " 1كور: 13:13 "
إن كانت الوصيتان مع المحبـــــــــــــة ؛ فالمحبة أعظمهــــــــــــــن وإن لم تكــــن وحيده .
كـــــــــم سنن يفــــــــرض علينا الايمان !
و كم من سنن يفرضـــــــها علينا الرجاء !
ومن يستطيع أن يحصيهـــا أو يمــــيزها ؟
أنـــــظُر إلي كلام الرسول :
( المحبــــــة هي الناموس بتمــــــــامه )
" روميه10:13 " .
مـــتى وجــــدت المحبة ، فماذا ينقص ؟
ومـــتى انتــــقت المحبة ، فماذا ينفــع ؟
فالمحبة التي بها تحــــب الله والقريب
تنطـــوي بتـــأكيد على كلام الله السامي والشامل :
المعـــلم السماوي يعلّمــــــــــــك دون ســواه قائلاً :
( أحب الرب إلهــــــــــك من كل نفسـك ومن كل عقــــلك
وأحب قريبــــــــــــــــــك كنفســـــــــك ) .
بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبيــــــــاء :" متى 41،37:22 ".
وإذا لم تستطع مطالعة الكتب المقدســــــــة
وكشف حُجُب كلام الله وإدراك أسرار كتبه ،
فعليك بالمحبة حــــيث تجــــــد كل شـــيء .
وعـــــــــــلى هذا النحو تحتفــــــــــــــــــظ ما تعلمت من الكتب وما تتعلمه منها .
إن عرفتَ المحَّبـــة تعلًّمتَ بواسطتها مــا كنت تجهله .
المحبةُ تكشف لك ما يمكنك أن تفهمه من الكتب ،
وتخفي عنك ما لست أهــــــــــلاً لفهمـــــه في الوقت الحـاضر .
إن رعــــــيت المحبـــــة في سلوكك الخلُقي ،
حفظـــــــــــــــت ما غمُـــــــض عليــــــك من كــــــــــلام الله ،
وما أتَّضــــــــــــــح .
ولذلك ، ارتبط بالمحبة بهــــــــــذا الرباط الفكري السليم والخلاصي
الذي به يصــــــــــــبح الفقير غنياً و بـــــــــدونه يعود الغني فقيراً :
المحبة تصــبر فــــــي الشــــــدة وتتَّــسم بالاعتـــدال في الازدهار ؛
بهــــــا ينشط الإنسان ضد أمياله ، ويفرح بصـــــلاح أعمــــــــــاله ،
ويصمد بوجه التجـــــــــــــــــربة ، ويسخو فــــــــــي ضــــــــــيافته .
المحبة تتغبط كــــــــــــــــــــــــثيراً بـــــين الأخــــــوة الحـــــــقيقيين ،
وتتسلح بالصـــبر الطــــويل أمــــام من يريدون أن يخدعوها .
المحبــــــــــــة قبــــــــــــــول في ذبيحـــــة هابيل
واطمئنـــــــان في نـــــــــــوح أثناء الطــــــــوفان
وإخــــلاص تام لإبراهيــــــــــم في أســـــــــــفاره
وعــــــــــــذوبة لمــــــــــوسى في تجـــــــــــاديفة
ورحمة واسعة لــــــــــــــــداود الغارق في تجاربه .
وللأطفال الثلاثة الذيـــــن لفحتهم النار بلهيبها ، رجاءُّ بري ،
وللمكـــــــــابيين صـــــــبر على النيران القاسية وشـــجاعة ؛
ولســـــــــوسنَّة طهـــــارةُّ أمــــــام الرجــــل ؛
ولمــــــــــــــريم طهــــــــرُّ بمعزل عن الرجل ،
إنهـــــا حــرية لبولـــــــــــــس في الاتهام
ووداعــــــــــــة لبـــــــــــطرس في الطاعة
وإنســـــانية في المســـــيحيين للاعتراف ؛
ولاهـــــوت في المســـــــــــيح للغــــفران .
ولكن ، أي كلام أعظم وأغني ممَّا جـــــاء عــــــلى لسان الرسول في المحبة
حيث أظهر الرسول الطريق التي تفوق سواها ؟
( لو كنت أنطق بألسنة الناس والملائكـــــــة ولم تكــــــن فيَّ المحبــــــــــة
فإنمــــــــــا أنــــــــــــا نحــــــاس يطن أو صنج يرن
ولو كانت لي النبـــــــــوة
وكــــــنت أعـــــــــــلم جميع الأســـــــرار
والعـــــــــلم كــــــــــــــــــــــــله
ولو كان لي الإيمـــان كله حتى أنقل الجبـــــال ولم تكن فيَّ المحبــــــــــة
فلســــــت بشــــيء
ولو بــــذلت جميع أموالي لإطعام المســـاكين
وأسلمت جسدي ليحـــــــــــــــرق ولم تكن فيَّ المحبــــــــــة
فلا أنتفع شيئاً .
المحبة : ـ
المحبـــة تتـــــــــــــــــــــــأني وترفـــــــــــــــــــق .
المحبـــة لا تحســـــــــــــــــــد ولا تتبـــــــــــاهي ولا تنتفــــــــــخ ولا تــــــــــــأتي قبـــــــــــــاحة ،
ولا تلتمس ما هو لها ولا تحتـــــــــــــد ولا تظن السوء ولا تفرح بالأثم بل تفرح بالحق .
وتحتمــــل كل شــــيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصــــــــبر على كل شـــــــيء .
المحبــــــــــة لا تســــــــقط أبداً . أما النبوءات فســـــــــــــــتبطل
و الألســــــنة تــــــــــــــــــزول والعـــــــــــلم يبــــــــــــــــــــــطل { 1كور 8:13 }.
وكـــم هــــي ضرورية للجميع ؟
إنهــــــــــــا لـــــــلأدب روح ، وللنبوءة قوة ، وللأسرار فاعلية ، وللعلم أساس ،
وللإيمــــــان ثمره ، وللفقراء غني ، وللمائتين حياة .
وهــــــــــــــــــــــــــــل أكــــــــــرم مــــــــن المـــوت عن الكفــــرة ؟
وهـــــــــل من صلاح أعـــــــــــظم مــــــــن محبة الإنسان لأعدائه ؟
هي وحدها لا تحــزن لســــــعادة الآخـــرين لأنها لا تحسد أحــــــداً .
وهي وحدها لا تفتخر بسعادة حصلتُ عليها لأنها لا تســـــــــــتكبر؛
وهي وحدها لا تعرف عذاب الضمير الشرير لأنها لا تأتي شــــــراً.
إنها في الحزن سلام ، وفي البغضاء إحسان ، في الغضب ســــكينة ،
وفي المكائد براءة ، في الإثم انسحاق قلب ، وفي الحق نشوة فرح .
وهل أقوي منهـــــا على الثــــــــــــــــــــــــأر بل على الظـــــــلامات .
وهل أوفي منهــــا ، لا للأنانيـــــــــــــــــــة ، بل للأبديــــــــــــــــــة ؟
إذا كـــانت المحبة تحتمل كل شيء في الحياة الحاضرة ، فلأنهـــــا تؤمــن بكل ما في الأخــــــــــرى ؛
وإذا كـــانت تحتمـــــــــــــل كل شيء ههنــــــــــــــــــــــا فلأنهــــــا ترجـــــو ما وعدت به في السماء .
أرع المحبة وتأمل فيها بقداسة تجن منها ثمار البر .
حقــــــــــــاً إنهـــــــــــــــــــــــا لا تســــــــــقط أبـــداً .
وأعمل إذاً على أن يتجلَّى في ســــــــلوكك الخـــــلقي
أغــــــني ما تجــــــــــــده في مدائــــــــــح المحبــــة