الفصل الرابع عشر
في أن المحبة تجعل نير المسيح عذباً
صوت المسيح
( إن أردت أن تتبعني فاكفر بنفسك وأحمل يبصلك وأتبعني )
" متى24:16 "
( أحمـــــل نيري عليك لآن نـــيري طيـــب وحملي خفيف )
" متى29:11 ".
حين أقول لك بأن : تكفــــــــــر بنفســـــــــــك ،
إذا أردت أن تتبــــــــــعني ،
فهــــــــــــل تجـــد وصيتي هذه قاسية وثقيلة ؟
ليست قاسية عليك ولا ثقيلة لأني أنا بعــــونك .
المحبــــــة تخفف من قسوة الوصيــة .
لقـــــــــــد عرفت مدي فاعلية المحبة :
كـــــم من صعــــــــــاب واجهــــــــت ،
وكــم من مشــــــــــقات تحمـــــــــلت ،
لتصل إلي ما أحــــــــــــــــــــــــــبت ؟
غالبـــــاً ما يكــــــون الحــب عينــه قابلاً للــذم ؛
كــــــــم يشقي الناس في سبيله ولا يشــعرون ؛
وكلمـــا تكاثــــــرت العقبــــات أمـامهــــــــــــم ،
كلمـــــا جــــــــــدُّوا فــــــي طلبــــــــــــــــــــة .
كم مـــن مخـــــاوف يقاســـــــــى البخــــــلاء ؟
وكم من همــــــوم تعـــــــذب الطمَّـــــــــاعين ؟
وكم من متاعـــب يرضــــــــاها الفجَّــــــــــار ،
إشـــــباعاً لشــــــــــــــــــــــــــهواتهم ؟
وعليـــه ، بمــــــــــــــــا أن هؤلاء جميعاً يكونون ما يحبون ؛
وبما أن همّ الإنسان الوحيد يقتصر على اختيار موضوع حبه في هذه الحيـــــاة .
فلمـــــاذا تعجب من الكفر بنفسك حباً بي ، إن كنت حقاً تحبَّني وتريد أن تتبعني ؟؟
إن هلكت في حبـــك وجدت نفسك في الكفر بنفسك .
هــــــــــــــــــــلك الإنسان للمرة الأولى بســــبب أنانيته ،
ولو لــــــــــــــم يفضــــــــــــل ذاتــــــــــــــــــــه عـــــلىّ ،
لآثر الطاعة لي عــــــــــــــلى التمــــــــــــــــــردّ عــــلىّ ،
إتمامـــــــــــاً لإرادتـــــــــــــــــه .
ومـــــــن أحب نفســـه أتــمّ إرادتهـــــــــــــا .
قـــــــدّم إرادتــــــــي على تلك الأمور كلهـا ،
وتعلّم أن تحب نفسك بـــــــأن تبغضهـــــــــا .
صوت النفس
أنا أعــــلم يـــــا ربّ بأنــــــــك لا تســـــــتطيع أن تخـــــــــــــدعني ؛
بيد أني وأنا أتأمل :
بأولئـــــك الــــذين يحملــــون نيرك القاسي على رقابهم المرتعدة ،
ويقبلـــونه فــــــوق مناكبهــــــم الطيّعـــــــــــة ،
أراهم جــــــــــــد مضطربين يواجهون صعـــــوبات هذا العـــــالم ،
وكأني بهـم يدعــون إلي العمــل بدلاً من الراحة .
ولقد قال لي الرسول سابقاً :
( وجميع الذين يريدون أن يحيوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون )
" 2تيمو 13:3 ".
وكيف تقــــــــــــــول : تعال إليّ أيهـــــــــا المتعـــب والثقيل الحمل ،
وأنا أريحــــك ؟
ولمَ لا تقول بالأحرى : تعــــــالَ أيهـــــــــا البطّـــــال وأعمـــــــــــل ؟
لقد وجدتَ بطّـــالين : فأخذتهم إلي كرمك ليتحملوا حرّ النهــــــــار .
صوت المسيح
يتحمل القديســـــــــــون شــــتي المشــــقات والعذابــــات :
لكـــن الــروح القـــدس ينقيّ فيهم شـــــــيئاً فشــــــــــيئاً ،
إنسانهم الباطني من فساد الإنســـــان الخــــارجي ؛
وإذ يــــــــــــــذوقون الراحة الروحية في وفرة ملذاتي ،
راجـــــــــــــــــين الســــــــــعادة العتيـــــــــــــــــدة ،
يســــــــــتعذبون الضيقــــــــات الحـــــــــــــــاضرة ،
ويســــــــتخفون الأثقـــــــال التي يحملـــــــــــونها .
لقـــد اســـــــــــتخفوا الضيقات والتهديدات التي لا أقـــسى منها ،
حين نظـــــــــــــــروا إليهــــــــــــــــا بعــــــين الإيمــان الباطنيـة ،
وقـــــــــــــدروا تفاهة الزمنيات أمــــام الحيـــــاة الأبديــــة ،
وتجنبــــــــــــــوا العقبات اللامتناهيـــــة المحفوظة للكفـــرة ،
وتمتعـــــــــــــــوا مطمئنـــــــين بسعادة الأبــــــرار الخـــالدة .
ويتحمل الناس البتر والحرق ،
لا لكي يتجنبوا آلاماً أبديــــة ،
بل لكي يقصّروا قليلاً مـــــدي جرح ،
ما ولا يكترثون لأشـد العذبات حدة .
كــــــــم يجــابه التجـــــار من زوابـــــــــع وعــــــــــــــواصف !
وكــــــم يواجهــــــــــون من بحور هائجة وأجواء مضطــربة ،
كســـباً لثروات باطلة ،
سرعان ما تعرضّهم لمخـــاطر أخـــــري فور الحصـــول عليها !
أي حرّ وقرّ وأية أســــــــفار وأخطار بين الحيوانات المفترسة ،
يتحملهـــــا الصيـــــــــادون ســــعياً وراء فريسة يصطــادونها .
وكم يقاسى الأطفــــــــــــال في سنيهم الأولى من آلام وعذابات ؟
وكم يحُيون مــــن سهرات في مدارسهم ويُقاسون من حرمان ،
لا لكـــــــي يتلقنوا الحكمة ،
بل لكــــــي يتمكنـــوا مـــن تحصيل الثروات وإحــــراز النجاح البــاطل ،
بعد اضطلاعهم بأصول الحســاب وتمرسهم بالكلام الزائف .
جميع الناس :
يتحمَّلون الأتعاب عينها بيد أنها تبدو ثقيلة عــلى مـــــن لا يحبـــون ،
وخفيفة عــلى مـــــن يحبـــــــون .
الحــــــــــب : يجعــــل الآلام والأخطــــــار سهلة القبول ،
أو بالأحــــــرى يصّيرهـــــــا كــــلا شـــيء .
بأية ثقة وسهوله تكون المحبة سعادة حقه للذين أوصلتهم الشهرة إلي الشقاء !
سرعان ما يقبــــل المـــرء ضيقــــــــاً زمنيــاً ،
تجنبــــاً لعــــــذاب أبــدي ، ونيلاً لراحـة أبدية .
لـــــذلك أن نيري طيــــــبّ وحمــــــلي خفيـف ؛
إن اختار القليلون الطـــــريق الضيّــق ،
فإنه سـهل على من يحبـــــــــــــــــون .
ها أني أبحث عن مناكب طيّعة حــــين أقــــول :
( نيري طيّب وحملي خفيف ) .
غيرُ حملي يشدّ عليك ويثقل ؛
أمــا حملي فـــلا يثقل عليك ، بل يرفعك .
للحمــــــل الغريب ثقل ولحملي جناحــــــان :
إن أنــــت أمسكت العصفور بجناحيه نزعت عنه حملاً ،
وكلمـــــا أمعنت في نزع هذا الحمل عنــه ،
كلمـــــا أبقيتـــــه لاصقـــــــــــاً بالأرض .
إن مـــن أردت أن تســـــــــــــــــــاعده ،
ملــــقي عــــــــــــلى الأرض ،
لن يطير لأنــــك نزعـــت عنه حمـــله ،
أمّا إذا استعاده فإنه يطير حالاً .
هكذا هو حمْلي :
أحمـــــــــــــــله ولا تكن كسولاً
ولا تنظر إلي من يرفضون حمله ؛
أحمـــــــــــــــله بطيبــــــــــــــــة خاطـــــــــــــــر ،
ما أخفّــــــــــه وأعـــــذبه وأطيبــــــــــــــــــــــه ،
أنه يقتلــــــــع من الأرض ويرفـــع إلي السماء !
صوت النفس
ربّ ،
من يعطيني جناحــــــــين كجناحي الحمامة لأطير وأســتريح ؟
الجناحان هما وصيتا المحبة اللتان هما كل الناموس والأنبياء .
الوصية الكائنة فيمـا هي حمــــــــــــــل خفيـــف .
وإن كان الصعب في الوصية سهلاً على من يحــب فزدني يــا رب حبــاً ،
إن خف حملك بمساعدة الروح القدس الذي به تفاض المحبة في قلوبنا ،
( رومية5:5 ).
فأعطينه لأعمل عن حــب ،
مــــــــا أعمله عن خوف .
أحملُ بإرادتي نيرك وحملك ،
وأحسّ الآن بأن لي مرشداً فأقول لك :
( أرشــــد خطــــاي بحســـب كلمتـــك )
أكُدْ نني تحت نيرك وحملك ،
وأعطني أن احبك فيخف حملك ويطيب نيرك :
سوف يكون نيرك طيبـــاً على من يحـــــب ،
وقاسياً على من لا يحب .