الفصل الثالث عشر
في الفرق بين الميتة الصالحة و الميتة الشريرة
وأي فائدة لك من معرفة نوع الميتة التي بها تنتهي حيـــــاتك ؟
طالمـــــــا أنـــــــك لـــــــن تموت من جـديد ؟
أن يأنــــــف الشعور الحسي الواهي مـن أمر ما ، شــــــــــيءُّ ؛
وأن يقتنع به ، جـــاداً ، منطـــق العقــــــل النـــيّر ، شــيءُّ أخر .
لا تعتــــبر ، شريرة ، الميتة التي تعقب حياة صالحة ؛
بل شـــر الميتة في مـــــــا يعقبهــــــــــا ؛
وبالتالي فإن الــــذين خُتّـــم عليهـــــــم أن يمــوتوا ،
لا يحق لهم أن يهتموا كثيراً بنــــــــــوع المــــــوت الــــذي يقاسون ،
بــل بالمكــــان الــذي اليــــــــــه يســـــاقون ساعة يموتــون .
تذكرّ مثل الغني والفقير في الإنجيل :
كان غنى متشحاً بالأرجوان والبرفير يتنعــم كل يوم بما لديه من خــيرات ،
وكان فقير ملقي أمـــام باب الغنـــــي ، جائعاً ،
يستعطي كسرات خبز تســـاقطت عـــــن مـــــــــــــــــائدة الغنـــــــــي ،
وكان جســــمه مغطــــــي بالقــــروح والكلاب تلحــــــــــــــــس جــــــراحه .
مـــــــات الفقير المعدم فحملته الملائكــــة إلي حضن إبراهيم ومـــــات فدفن في الجحيم .
وبينمـــا هو يتعذب رفع عينية فرأي العازر في حضن إبراهيــــــــــــــــم فصـرخ قائــــلاً :
ارحمني يا أبت إبراهيــم وأرســـــل لعـــازر يبل طرف أصبعـــــــــــــــــه بالمــــــــــــــــاء
ويرطـــــــــــــــب به لســــــــــاني لأني احترق في هـــــــــــــــذا اللهـــــــــــــــيب .
المتكبر ، في حيـــــــاته ، يستعطي في جحيمه :
نال المســـكين كســــــــرة خبــــــــــــز .
أما الغنــــــــي فلم يتمكن من الحصول
على نقطة ماء .
قل لي : أيُهما مات ميتة صـــــــــــــــــــــالحة ؟
و أيُهما مات ميتة شــــــــــــــــــــريرة ؟
لا تســـــــــــــــــل عينيك بل قلبــــــــــــــــــك ،
لأنك إن ســـــألت عينيك كان جوابهُما خاطئاً .
ما كان أكبر جمهور الباكين من الخدم والجواري !
وما كان اكبر جمهور زبانيتـــــــــــــــه وأصدقائه !
وما أفخـــــم جنازته !
إني أظن بأن :
العطـــــــور التـــــــــي رشت على جثمـــــــــانه ،
قــــــــــــد سحقته سحقاً . ما رأيك ؟
هـــــــــــــل كانـــــــــت ميتته صالحة أم شريرة ؟
عينــــــــاك تقـــــولان : ميتــــــــة ممتــــــــازة .
وإن طلبت الجـــــواب من معلمـــــك أجـــــــاب :
يا لها من ميتة شريرة إن كانت هذه ميتة المتكبرين المتمسكين بأموالهم ،
الذيـــــــن يضنون بالقليـــــــل منها على الفقـــراء ،
فما تكــــــون ميتـــــة أولئـــــك المغتصبين لأموال النــــــــــــــــــــــــاس ؟
عش عيشة صالحــــة كيلا تمـــــــــــــــوت ميتــة شريرة نظير ذلك الغني ؛
إذ لا شيء يظهر شر الميتـة كالوقت الذي يعقبهـــــا .
وبالعكس ،
ضـــــعْ نصب عينيك ذلك البائس الملقي أرضاً المغطي بالقروح تلحســــها الكلاب ؛
إذ ذاك ؛ أمـــــام ذاك المشـــــهد ، وبينمــــــــا تصاب بالقرف وتشيح بوجهك عنه ،
وتسد أنفك بأصابعك أنظر إليه بعيَنْي قلبـــك .
لقـــــد مات لعازر فحملته الملائكة إلي حضن إبراهيم ،
ومات الغني فبكتـــه عائلتـه ولم تفرح الملائكة .
ومــــــــــــاذا كــان جواب إبراهيــــم لــه ؟
( أذكر يا بني أنك نلت خيراتك في حياتك ،
وحصرت همـــك كله فيها )
أجـــل نلتها ؛
وها هي الأيام تمضي وتخـــــــــــسر معهـــــــــا كــــل شــــــــــــيء ،
وتبقي أنـــت في الجحيـــم قيـــد العـــــــــــذاب .
وتضطرب حين تري أناساً هانئـــــــــين يحيـــون فـــي الشـــــــــــــر ،
مغمورين بالخيرات، أصحاء ، مكرّمين ، آمنين فـــي ســـــــــكناهم ،
ولهـــم بنون يخلفونهـــــــم فيها ؛
ولهـــم زبانية مخلصــــون ،
يخافـــون جانبهـم ويتممون رغباتهــــــــــــــــــــم فــلا يزعجهم شيء .
أما أنت فتضطرب وتقلــــق حين تري أخلاقاً عاث فيها الفســــاد شراً ،
تواكبها الـــــثروات فتحـــــــــــزن وتقــول :
لو كان الله يــــري مــا في الناس لما ترك هذا الأثيم في نعمـاه ،
وأبقاني أنـــــا البـــــــــــــــــــــار في بؤسي .
لكــــــل داء في النفــــــــــــــس دواءُّ من الكتـــــــب المقدســــة ،
إن كنت مريضاً به فأصغ إلي الكتاب المقدس القائل :
( لا تغـــــر مـــــــن الأشــــــــــــــرار
و لا تحسد صــانعي الإثــــم فإنهم
مثـــــــل الحشيش سريعاً يقطعون
و مثــــــل العشب الاخضر يذبلون )
" مز 1،2:37"
أن ما يبدو لك طويلاً
قصير هو في عيني الله .
أخضعْ له يبدو قصيراً
إنّ أعشــــــــــاب الحقــــل التـي تكسـو ســطح الأرض ،
واطئه وليســـت أصـــولها فــي التراب عميقــــــــــــــة ،
ولهذا تخضرّ وتيَبسُ صيفاً حين تغمرها حرارة الشمس .
فالوقت الآن وقت شتاء ومجـــدُك لم يظهر حتى الآن ،
ولكـــن إذا كانــــــــــت محبتـــــك عميقــــــــة الأصول
كمــــــــــــــــــا هي الحال في أشــــجار كثــيرة
فسوف تتحمل الشـــتاء وينقضي الـــــــــــــــــــــــبرد
ويأتــــي الصيف ، يوم الدين ،
فييبس العشب الأخضر وينكشف مجد الأشـــــــجار .
الخـــاطئ يتقــدم ، إنمـــا فـي طريقــــــــــــــة .
أمـــــــــا أنـــــت فأعمــل فـي طـــــــــريق الله .
لـه في الطــريق النمـو وفـي النهاية الشقاء .
ولك في الطريق الشقاء وفـي النهاية السعادة ؛
لأن طــريق الكفـرة هلاك .
أمــــــــا أنـــــت فســــرْ عـــلى طريق الأبرار ،
أما أنت فســــرْ عـــــلى طريق الأبـــــــــــــرار ،
وإن تعبــــت فـــــــلا تضل .
طريق الأثمة تـــــــولي ســــــــعادةً زائلـــــــــــــــــــــــــــــة ،
حتــــــى إذا ما انتهت الطريق انقضت السعادة .
طـريق الأثمة رحبـــةُّ ونهايتها في أعماق الجحيم .
أما طريقــــك فضيقة وقليلــــــون يسيرون عليها ،
تأمّل بالغني الــــذي توصــــــــلك إليـــــــــــــــــه .
لــــــــو أن المسـيح وعــدك بســـعادة عالميــــــــة ،
ورأيـــــتَ الكــــافر سعيداً لكان لك أن تتذمر ضده .
ما هي السعادة التي وعدك بها ؟
إن لم يعــــــــــــــــــــــــدك بها بعـــــد القيامـة ، فهل وعــــدك بشـــــــــيء في هــــذه الحيـاة ؟
أيها الخادم والتلميذ أتحتقر ما أعطاك معلمك ؟ لقد أعطاك ذاته دون سواه ألم تسمعه يقــول :
( ليس عبد أفضل من ســيده
ولا تلميــــــــــــذ من معلمه )
" يوحنا10:8 ".
لقد احتمل من أجلك الآلام ، والجــلد ، والشــتم ،
والصلب، والمــوت .
وأي نوع منها كـــــــــــــان مفروضاً عليـــه ؟
أم أي نوع منها كلها لم يكن مفروضاً عليـــك ؟
آمنْ بمن قال :
( فإن الأشرار يستأصلون )
" مز 9:36 "
آمن بــــــه لأنه يدرك أفضل منك وأنتظر قول الرب :
{أما الذين يرجــــــــون الــــرب فإنهم يرثون الأرض }
" مزمور9:36 ".
تريَث قليلاً تنلْ للأبد ما تنتظره.