الفصل السادس عشر
فــــــي محبـــــــــــــة اللــــــه
المحبـــة كلمة عذبة وأعذب منها هو العمــــل بهـــا .
لا يسعك التحدث عنها لكــــــــثرة أشغالك المتنوعة ،التي تتجاذبك مــــــن كــــــــل جهــــــة ،
وتمنعـــــــــــــــــك عـــــــــــــــن الرجوع اليها في الحديث ،
وان يكن موضوعها افضل المواضيع .
بيــــد انك تستطيع ان تحيـــــــــــــــــا ،
في مـــــن لا يســـعك التحـــــدث عنه .
اتســــــــــــــــــبّح الله دومـــــــــــــاً فـــــــــــــي ترانيمـــــك ؟
إنـــــــــــك تسبّح الله طـــــــوال ساعة عـــــــــــلى الأكــــــــثر ثم تتفــــــــــرغ إلي شيء أخر ،
ولكـــــــن إن كــــنت لا تقـــــــــدر أن تسبّح الله دوماً بكلامك فســـــــــــــــبحّه بسلوكك الخلقي ،
إن أعمـــــــــــــــــال الرحمة والمحبة وقداســـة النفـــــــوس وصفاء الطهارة واعتدال القناعة ،
لأمــــــــــــــــــــــور يجــــدر بــك أن تتمـــــرَّس بهــــــــــا .
وفي الواقـــــــــــــع أنيّ كـــــــنت : في الخارج أم في بيتـــــك ؛
أمام الناس أم في مخدعك
أنطــــــــقت أم ســـــــكتت
أعمـــــــلت أم لم تعمـــــل
فمن الواجب عليك أن تمـــــارس هذه الفضائل التي سّميتها لأنها باطنية .
رسّخ المحبة في قلبك :
لكـــل محبة طاقتهـــــا التي تعمل في النفس حتماً فتسّيرها .
وكمــــا ان الحـــــــب العــاطل يضرم النفـــــــــس ويدفعها إلي طلب الملذات الأرضيــة الفانيــة ،
التي تــــــــــــــــؤدي بهــــا إلي الهلاك فاللجة ؛
هكــذا فإن الحـــــب المقــدس يسمو إلي الأعالي إلي ما هــــــــــــــــو خـــالد إلي ما لا يــــزول ،
ويرفعها من أعماق الأرض إلي الســـــــــــــماء .
أتريــــــــد أن تعــــــــــرف نوع الحب الذي فيك ؟ أنظر أين يقودُك .
لستُ أحثّك عـــــــــــــــــلى ألا تحـــــــب شــيئاً ،
إنمــا أحثُك على عـــــــــــدم التعـــــــلّق بالعالم ،
لكي تظـــل حراً في حبك الله خــــــــــالق العالم .
لقـــــــــــد أظهر محبتــــه لك يوم كنت خاطئـــاً فمــــــات لأجــــــــــلك ،
ومات البار عن الخاطئ .
حــــــــــين أخــــــــــــــذ الجســــــــــــــــد ،
أخـــــــــــــــذ ما فيك من قبــح ،
أخـــــــــــــــذ مـــــــــــــــوتك ،
لـــــــــكي يســـــــــاويك ويســـــــــالمك ،
ويهـــــيب بك إلي أن تحـــب الجمال الباطني .
لقــــــــد رأيتـــه معلَّقـــاً على الصليب .
لا منظــــــــر له ولا جمــــــال .
تــــــرك منظره وجماله ليعطيكهمــــا .
البهــــــاء والجمال هما موضوع المحبة : عليك أن تعدُوا محباً وتحبّ عادياً .
ها قد صرت جميلاً انما لا تنـــــــــــــــظر الـــــــى نفســــــــــــك لئلا تخـــــسر مــــــا لك
بل انــــــــــــــــظر الى من صيرك جميلاً .
كن جميلاً لكي يحبك الله . باختصـــــــــار ،
اللــــــــــه يقدّم لك ذاتــه فأحبـــــــــــــه لكي تحصــل عليه ،
لأنـك تسـتطيع أن تحبــــــــــه إذا لم تحصل عليه .
ولكـــــــن لست تري الله ، فأحبه لكي تراه ،
لا تبحــــــــــــث ألا عـــــــــن الله .
أطـــلبه وحــده فيســـتجيبك وقبل أن تنهي حديثك ســـــــيقول لـــك : ها أنذا حاضر .
ماذا تريــــــد ؟ وماذا تطلب ؟ لا تطلب سوي الله ، لأن كل ما يعطيكه هو دونه قدراً .
خُــــــــــــــــــذ الله واستمســـك بـــــه .
ومع أنك لا تســــــــتطيع ، منـــذ الآن أن تحصل عليه بكليتــــــــــــــه ،
فتقـــــــــرّب إليه عــــــــــــن طريق الإيمان لتتحـــــــــــد به ؛
إذ ذاك يريحك من أثقالك ويؤهــــــــلك لأن تكـــــون بكليتــــــــــــك له ،
فيتحول هذا المائت إلـي ما لا يمــــوت وتكــــــــون مساوياً لملائكتـــه
وتشاهد دائماً وجهــــه وتفرح فرحــــاً لا يقــــــدر أن ينتزعه منك أحد
لأنــــــــــــــــك طلبته فأستجابك ومـــــن ضيــــقاتك نجّـــــاك .
إن أحـــــــــــببتَ الله فأحبّه مجاناً ؛
وإن أحــــــــــــببتَ الله حقـــــاً فليكـــــــن لك الجزاء المنشود ،
وإن وجدتَ أفضل منه فأطلبه .
أحـــــــــــبًّ الله من أجل الله وأحــــــــــــــــب نفســـــك فيـــــــه من اجــــــــــــــــــله ،
وإن أحببتَ الله أحببتَ نفسك حبــــاً حقيقيـــاً ؛ أمّا لأنه فيـــــــك وأمّا لكي يكون فيك .
ارتفــع إلي الله بالمحبـــــة : كلمــــــــــــــــــا ذدت لـــه حبــــــاً
زدت معه ارتفاعاً .
تبحـــــث عن الطـــريق ؟
تعـــــلَّق بمن نزل وصعد فجعل نفسه طريقاً .
أتـــــريد أن تصـــــعد ؟
الله ذاته طـــــــــــريق فتمسًّك به صـــــعداً .
إن أردت أن تصعـــــــــد مطمئنــــــــــــــــــــــــــــاً ،
فـــــــــــالله الذي تعبـــــــده يكون مكافأةً لك أكيـــــدة :
وجــــزاؤك أن تـــــــــــــراه كمــــــــــــا هــــــــــــــو ،
وحســـــــبك الله جـــــــــــــــــــــــــــــــزاءً .
وحســـــــبك الله جــــــــــــــــــــــــــــــزاءً .
أياً كــــــــــــــان بخـــــــــــــــــــــــــــــــلك :
في الواقع تسـتطيع بطمعك أن تحوز الأرض بأسرها ،
وزدُ إليهــــــــــا الســـماء .
لكن الـــذي صنـــــــــــــــــع الســـــــــــــماء والأرض ،
هـــــــــــــــــــو أعــــــــــــــــظم منهـــــا .
أحـــــب الله حبــــــــــــــــــاً ينســـــــــــــيك نفســـــك .
ما أكثر الذيـــــن يبحثـون عن الله حبــــــاً بنجـاح زمني !
وما اقلّ الذيــــن يطلبــون يســـوع حبــــاً بيســــــــــوع !
ســــألتك الدرجة التي ســـــــلكتها فـــــي المحبــــــــــــة ،
مقياسـاً للتقـــــدم الـــذي أحــــــــرزته ،
أنَّ الله جــــــــــاء وتحدث إليـــــــك بصوته الشـــــخصي قائلاً :
( أتريد أن تخطأ ؟ أخطــــــــــــــــأ وأصنع ما طــــاب لك .
ليكــــــــــــــن لك فــــوق الأرض كل ما تبتــــــــــــــغي
وليضمحـــــــــل مــــــن أمــــامك كل ما يزعجـــــــــك .
وإن شــئت فأسلب وأقتل وأشجب وأســـــــتعبد لك من تريـــده مُلْكـــاً ،
فـــــلا يقاومك أحــــد ولا يقول لك أحد : ماذا تفعــل هنـــا ؟
ولا يمنعـــــــك أحــــد عن شـــــــــــــيء ولا يطالبك بشيء .
ولتكــن لك كل تـــلك الخـــــيرات التي تشــتهيهـــا ،
فـــــــــــلا تســـتمتع بهـــــــــــــا إلي زمـــــــــــــــن بــــل إلي الأبـــــد .
ومع ذلـــــــــــــــك فلن تري وجـــهي .
وإذا اضــطربت لــــــــدي سماعك الكــــــــلام :
لن تري وجهي وبكــيـت وانتحبـتَ وقــلت لله :
بحقّـــك عـــرنّي من كــــل هـــــذه الأمـــــــور ودعني أرَ وجهك ،
واحدةً ســــألتك وهــــي أن أقيم في بيتــــــــك حيــــاتي كلهــــــا .
أجل إن اضطربتَ لذلك كله فــــــأنت تحــــــب .
وإن اضطـرب قلبـــــــك ،
لأنك لن تـــري وجه الله ،
واعتبرته قصاصـــاً لــك صـــــــــــــــــــــارماً فأنت تحب مجاناً .
إن كان في قلبك شــــرر من ذلك الحب المجاني ،
فغـــــــــــــــــذّه وأنشد التواضـــع بالصــــــــــــــلاة والتــــــــوبة المـــرة ،
وحــــب الـــبر والأعمال الصالحة وصادق الزفرات وخــــــــالص الأمــانة التي تزيده اضطراماً .
أنفخ فيــــــــه من الحب الــــنزيه وغـــــــــــــــــــذّه حتى ينمــــو ويرســل لهيبـــــاً منبســــــطاً ،
وأكـــــــــــــــــــولاً فيحــــــــــــــــرق تبن الشهوات اللحمية بأســـــــــــــــــــرها .
15 ـ في نظام المحبـة
|