الفصل الرابع
ما يجب التماسه في الصلاة
الصلاة عمل روحي : وكلما ازدادت تحقيقاً لمميزاتها ،
كلما ازدادت حظــــوة لدي الله .
الخيرات نــــــوعان : زمنيـــــــة وأبدية .
الزمنيــــــــــــــــــة :ـ هي الصحـــــــــة ، والغنـــــــــــي ، والحيـــاة الكريمــة ،
والأصــــــــدقاء ، والبـــــــــــــيت ، والأســـــــــــــــــرة ،
وكل ما أختــــــــص بهذه الحياة التي نحن فيها ســائرون .
الأبديــــــــــــــــــة :ـ فهي الحياة الخالدة وســلامة النفــــس والجسد وخلودها
ومعاشرة الملائكــة والمدينة السماوية والنصــر النهائي
والأب والوطــــــــــــــن :
هــــذا بلا عــــــدو وذاك بلا مــــوت .
إني أنبهك وأحضّك بالرب عـــــــــلى أن لا تســــأل من الزمنيــات شـــــــــيئاً ،
وكأنـــه ثابت بل أســـأل ما يعرفـــه الله أفضل منك .
أنت لا تعــــــــرف بتأكيـد ما هـــو أفضــــــــل لــــــــــك ؛
لأنك تتأذَّي أحياناً ممّا تظنه مفيداً وتفيد مما تظنه مؤذياً .
أنت مريــض فلا تُمْلِ على الطبيب نوع العلاج الذي يريد أن يصـــــــــــفه لك .
أتطلب الغني ؟ كـــــم من النـــــاس أهلكهـــــــــم غنــــاهم ؟
وكيف تعـــــــــــرف أن الغني الذي تتوق إليه نافع لك ومفيد ؟
ألم يعــــــش فقــــــراء كثـــــيرون بســـــــــلام في ظـــــلّ بؤســـــــــــــــهم ،
ولمّا صاروا أغنياء ولمع نجمهم وقعوا فريسة من هــــو أقــوي منهـــــم ؟
ما كان أسعدهم مجهولين ، منسيين ، أولئك الذين تبعهم الناس حباً بما يملكـــون وليس حبـــاً بهم .
تلك هي الحال في الخيور الزمنيـــة : إن صليتَ جيـــداً إلي الله أدركتَ أنه عالم بما هو مناسب لك .
أطــــــــلب الخيور الروحيــة ، بكــــل حـــــــــرارة ، وأطلبها باستمرار ؛
ولا تطلبها بخطب طــــــويلة ؛ فليكن بكاؤك شاهداً ، عليــــك في طلبــك .
على القلب أن يصلي دومــــــــاً ولو ســـكت اللســــان :
إن كـــــان شــــوقُك مســــتمراً استمرت صلاتك أيضاً .
ومـــــــتى تغفـــــــو الصـــلاة ؟ مـــتى بــرد الشـــــوق .
أطـــــلب ، بكل ما فيك من نهم ، تلك الخيور الأبديـــة ؛
أطلبــــها بكل إرادتك الصالحة والتمسـها بكل ثقــــــة .
أمــا إذا شــــــئتَ الخيور الزمنيــة فاطلبهـــــــــــا باعتدال وهدوء ،
عـــــــالماً بأنـــــك أن نلتهــــــــــــا ، تنالها ممّـــن يعــرف خــيرك .
هل طلبت ولم تنلْ ؟ آمــــــــنْ بالأب الذي يعطيكها لو عرفهـــــــــا مفيدة لك ونافعة .
أعمل من تلقاء نفسك هـــــــذا التشبيه :
أنت تجهل الإلهيــــات أمـــــــام الـــرب
كما يجهــــل ابنــــــك البشريات أمامك .
ابنك يبكي طوال يومه لكي تعطيه سكيناً ، وقد يكــون ســيفاً ، بنظــــره ،
فترفض طلبــــــه وتهمل دموعـــه لئلا تضطر إلي البكاء عليه ميتاً .
هب أنه بكي وانتحب وراح في ثورة غضب يضــــــــرب نفسه لكي ترفعــــه على ظهـــر حصان ،
فـــلم تلــبّ له طلبـــاً علماً منــــك بأنــــــــه يعجـــــــــــــز عن كبـــــــــــــــــــــــح جماح الحصان ،
الــذي قــد يقلبـــه عـــــن ظــــــــهره ويقتـــــــــــله .
أنك تحتفــــــــــــــظ بكل شــــــيء للــــــولد الــــذي رفضـــــت لــــــــه جـــــــزءًا من الكــــــــــل
فتأبي أن تعطيــــــه جزءًا من لهو خــــــطر إلي أن ينمو ويكبر فيتمتع إذ ذاك بكل شـيء مطمئناً .
ليـــــــــــــــــــــــس من النبــــل في شــــيء إن طلبنــــا مــــن الله أن يســــتجيبنا تحقيقاً لإرادتنا .
وهل أفضل من الله أن يســــــتجيبنا اللـــــه ضــــــناً بمصلحتنـــــــا ؟
الشـياطين كــــذلك تحققـــــــت إرادتـــهم فدخلت في قطيع الخنازير .
إن إبليس ، زعميهم ، الذي طلب أيوب ليجربه ، أستجيب ، تكريمــــــاً لأيوب وخزياً للشيطان .
ورأي الإسرائيليون رغبــــــــاتهم تتحـــــــــقق وعرفوا ما حلّ بهم بينما كان الطعام في أفواهم ( سفر العدد33:11 )
لا تعتبر عظيمــــــاً تحقيق الـــــــرب لإرادتك .
الرب يعطيك أحياناً مبتغاك ، غاضــــــــــــباً ،
وأحياناً أخــري يرفض لك طلبك برغم أنه يعطف عليك .
ولكــــــــــن متى سألت الله خيوراً يمتدحها وفضائل يأمـر بهــــــا ،
وإن يحقّــق مواعيـــده لــــــــــك فــــــي الحياة الأخرى ،
فليكــــــــن ســؤالك له بهــــــدوء وصلّ ما استطعت لتنال مبتغاك .
أنت تعطي مطلوبك لأن الله يريدك ويعطيك ما تبقيًّ ، رحمــــة بـك ، وليـــــس انتقاماً منــــــك .
أطـــــــــــــــــــلب الخيور الزمنية باعتدال وخــــوف واستسلم إليه ليعطيـــــك ما يراه نافعاً لك ،
ويمنع عنك ما يعرفه مضراً .
الطبيب وحــــــده يعرف ما يضرّ وما ينفع ولا شأن للمريض في ذلـــــــــــــــــك .
إن طلبت من الله خيوراً زمنيـــة برهنت على أنــــــــــــــــك لا تزال تحت السنة ،
فلــــــمَ لا تعمل بموجبها ؟
ولكـــــــــم متى رأيت الكافـــرين بالله متخمين بالخيور الزمنية اصطكّت رجلاك وقلت في نفسك :
هــــــا أني أعبــــــــــد الله وأركض كل يـــوم إلي الكنيســة واســحق ركـــبتيّ مصلياً ،
ومع ذلك أكون أغلب الأحيان مريضاً
بينمـــــا القتلة والسارقون يفرحون وينعمون بفيض من الخيرات ،
والتوفيق يحــــــــــــــــــالفهم .
هل تسأل الله أمثال تلك الأشياء ؟ أياك أن تحبه لكـــــي يكافئــــــك ؛
بــل فليكـــن هو عينه مكافأة لك .
وهــــل تعــــطي ما هو أفضــــل مـــــن الله ؟
إن قال الله لك : سلْ ما تشــاء فماذا تسأل ؟
أســـتحث عقــــــــــــلك وأنزع منه الشهوة ووسّـــع رغبتك ، ما اســتطعت ،
لأن الله القدير قال لك : سلْ ما تشــــــــاء ، وليــس القائــــــــــــل إنســـاناً عادياً .
إن رغــــــــــــــــــــبتَ فــي القنيـــــــــــان فأرغــــــــــــــــب فـــــي الأرض كلهــا ،
حتى يصبــــــــــح جميع من فيها خداماً عندك وفــــــلاحين .
وماذا تملك معهـــــــا ؟ ستطلب البحر حيث لا يمكنــك أن تعيـــش ،
فالأســــــــماك أقـــوي منك في هذا الطــلب .
وقد تملك على الجزر ، فاقطعهـــــــــا وأطلب الجوّ ثم أبسط رغبتك ، حتى الســــــــــــــماء ،
وتمـــــــنَّ عـــلى أن يكون الشــمس والقمر والنجوم لـــــــــــــــك لأن من خلق كل شيء .
قد قــــــال لــك : ســــــــــــــــلْ ما تشــــــــاء .
إعلم بأنــــــــــــك : لـــــــن تجـــــــد أثمن وأفضــل ممّـــــــــــــــن صـــــــــــــنع كل شيء .
إذن ، أطلبه هو عينه تحصل معه على كل ما صنع :
ثمينة هي مصنوعاته كلها لأنها كلهــــا جميــــــلة ؛ ولكن ، هل أجمل منه ؟
وجميعهـــــــا مليئــــــــــة بالقــــــــــــــــــوة ؛ ولكن ، هل أقوي منه ؟
وهو يريد أن يهب نفســــــــه دون سواها :
إن وجدت ما هــــو أفضـــــــل فأطــــــــلب .
إن طلبت شيئاً آخر أهنته وأجحفت بحقه مفضلاً عليه مخلوقـــاته ،
برغم أنه هـــــو صـــــــانعهـــا يريـــــــــد أن يهبك ذاته .