الفصل الحادي عشر
في خطيئة داود
يبدأ السيد المسيح عظاته الانجيليه بهذا القول :
( توبوا فقد أقترب ملكوت السموات )
" متى 17:4 " .
على النحو عينه بدأ يوحنا المعمدان سابقه فقال :
( توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات ) .
ويلومك السيد إذا أبيــت أن تتــــــــوب الآن ،
وقــــــد أصبــــح السماء قريبـــــــــــــــــــــاً .
ولن يأتي ملكوت السماء بالرصد كما قال بل :
( ملكوت السماوات في داخلكم )
" لوقا21:17 ".
تقبل بحكمــــة نصــــائح المعلم ،
لئلا يفوتــــــــــــــــــــــك زمــنُ الرحمـــــــــــــــــة ،
وقد أعطــــــــــــاك الرب وأطال أناتـــــه عليــــــك .
أنه يطيــــل أناتـــه عليك لكــي تتــــوب إليـــــــــه ،
فتنجــــــــــــــــــــــــو مــن الهـــــــــــــــــــلاك .
أنت تعلم لماذا يجب عليك أن تكـــــــون يقظـــــــاً ،
وإن ســــــقطت فانتبـــه ،
إلي مـا يجــــــــــــــــــــب أن تقـــــــــوم بــــــــــه ،
كثيرون يهوون السقوط مع داود
ويرفضون النهوض معه .
ليس داود مثالاً للسقوط بل للنهوض ،
هـــــــذا ، إن سقطتَ .
لكن حذار من السقوط .
على الصغار ألاّ يغتبطــــــوا بسقوط الكبار ،
إنما عليهم أن يخـــافوا منه خـــــــــــــــوفاً يؤدي بهم إلي الخلاص
ذاك ما دفع إلي إعطاء داود مثــــــــــــــــلاً وتدوينه في الكــــــــتب وقراءته أحياناً في الكنيسة .
إذا لم تسقط فأحذر السقوط وإذا ســــقطت فأنتبــــه لكي تنهـــــض .
إن خطيئــــــة رجل عظيم كهـــذا لا يسدلُ عليها الستار ،
بــــــــــل يحكي عنها في الكنيسة فتصغي إليهــــــــــــا ،
وتسيء السمع ساعياً إلي إيجاد عـــــــذر لخطيئتـــــك .
ونراك مصــــغياً تدافع عمّا تتأهب لاقترافه ولست تتجنب ما لم ترتكبه بل تقول في نفسك :
( إن كان داود قد عمل هذا فلمَ لا أعمله أنا ؟ ) .
وتزداد نفسك شراً حين ترتكب الإثـــــم على مثال داود فتكون خطيئتك شراً من خطيئته .
ما فكَّر داود قطّ بأن يقدمّ نفسه . مثـــــــالاً لنفسه ،
لكنــــــــــــــــه ســــــــــــــــقط تحت وطأة الشهوة وليس بلوغاً إلي القداسة .
أمــــا أنــــــت فإنـــــك تقدمــه مثــالاً للقداســـــة ، وبالتــــــــــــــــــــــــــالي ،
فإنك تخطـــــأ تاركاً قداســـته ، مقتدياً بسقوطه .
أنت تهــــــــوي فـــــــــــي داود ما يكرهه في نفسه :
تستعد للخطيئة وتتـــــــــأهب وتدرس كتــــــــاب الله لكي تخطــــأ .
وتصــــغي إلي كــــــــــتب الله لتعمل ما لا يرضي الله. داود لمْ يصنع ما أنت تصنعه .
رَدَعَـــهُ النبي ولم يعـثر بسببه .
إن كــــــــنت قــــــد ســــــقطت
فتأمَّـــــــــــلْ جرحَك البليـــــغ ولا تيأس من قدرة الطبيب .
إن الخطيئة التي يعقبها يأس مــــــــــــــوت مـــــــــــؤكد .
فلا تقــــــلْ :
إني أنا صنعت شراً استحققت الهلاك ولــــن يغـــــفر لي الله ، فلم لا أضــيف إذاً إثماً على إثــــــــــــم .
ســـــوف أفيــــــــد من هذا العــــــالم لذةً ودعارة ومجـــوناَ طالمــــــــــا أني قد فقدت كل أمل بالتجدد ،
ولم يبق عـــــــــلىّ ســـــــــــــــــوي أن اســـعي إلي ما أراه وقد عســـر علىّ الوصول إلي ما أؤمن به .
أياً كنت ، أيها الخاطئ ، المتردد في الندامة على خطيئة ، اليائس من خلاصه ،
أدعــوك إلي أن تصغي إلي بكــــــــــــاء داود .
هو ذاته يأتي إليــــك وليس النبي ناثان .
فأصــغ إلي نحيبــــه وأنتحـــــــب معه ،
وأصغ إلي تنهداته وتنهّـــــــــــــد معه وأمزج دموعك بدموعه ،
وأصغ إليــه في توبتــــــــــــــــه وشــــــــــــاركه فرحته .
إن لم تتمكـــن من إبعــاد الخطيئــــــة عنك فالرجــاء في نيــــل المغفرة متوفر لديك .
أنــدمْ ولا تبحــث عــــــن رفـــــــــــاق لك إلي العذاب ولا تتعــزَّ لكونهــــــم كــــــثرة .
احتراقك بالنــار مع كثيرين من أمثــــالك لن يخفف من عذابك ،
وهــــذه ليســــــت نصيحة منطقية أكيـدة بل عــــــزاء باطــــل للإرادة الشريرة .
هو ذا زمن الرحمة ، فأصـــــلح ذاتـــك ؛ هو ذا الزمان والمكان .
إن خطئت فأصلح ذاتك ،
قبـــل أن تصـــــــلْ إلي نهــاية الطـــريق فلا النهـــــــار أنتــهي ،
ولا الزمـــان فـــــــات .
لا تيأس . لأن اليأس شرّ من الخطيئـــــة بل قــــــلْ مــــع دواد :