الفصل الثاني
في واجب السماع للكنيسة
إن قانون الإيمان يذكر الكنيسة المقدسة ، فــــــوراً ، بعد الـــروح القــدس .
إن نظام اعترافنا السوي يفرض على الكنيســــة الخضـــــوع للثالـــــــــوث ،
كما يخضع البيت لساكنه ، والهيكل لله ، و المدينة لبانيهـا .
و هذه الحقيقة لا يجوز أن تحظي بالقبـــــول فقط لدي هذا القســــم من الكنيســـــــة
الذي لا يزال على الأرض مسافراً يسّبح اسم الرب من مشرق الشمس حتى مغربها ،
و ينشد ، بعد الأسر ، نشيداً جديداً ؛
بل يجب أن تحظي بقبول من هم في السماء ، إلي الأبد ،
متحدين بالله الذي أسس الكنيسة و حماها من كل شر .
إن هذه الفئة تتمتع بسعادة الملائكــــة القديســـــــــين ، و تعضد ، ما استطاعت ،
جماعتها التي تتابع سفرها على الأرض ؛
لأن نصيبها في المستقبل إلي الأبديــــــة .
و في الوقت الحاضر ترتبطان برباط المحبة المقامـــــة تمجيـــــــداً للإلــــه الواحــــد .
و من ثم فلا الكنيسة بأسرها ولا جزء منها يرضي بأن يكون موضوع إكرام كإكرام الله
ولا بأن يقارن بين الله وهيكله المبني من آلهة صنعهم الله غير المخلوق .
و لهذا لو كان الروح القدس مخلوقاً لا خالقاً لحُقّ له
أن يكون خليقة عاقلة إذ هو أسمي المخلوقات .
و بمـا أن يختص بالكنيسة التي في السماوات ؛
فلا يقدَّم في قانون الإيمان على الكنيسة .
قــد لا يكون له هيكل؟
وقــد يكون هـــــو عينه هيكلاً ؛
بيد أنَّ له هيكلاً يقول عنه الرسول :
{ ألا تعلمون أنكم هيكل وإن روح الله حالّ فيكم }
"1كو 6:3 ".
و بالتالي ، فالله آب و ابن و روح قدس يسكن في هيكله ؛
و هو الذي قال عن جسده المركب من أعضاء الكنيســـة
التي صار رأسها ، ناقضاً الأولوية في الكل:
{ انقضوا هذا الهيكل وأنا أعيد بناءه في ثلاثة أيام }
"يو19:2".
و عليه فإن الكنيسة المقدسة الجامعة في الســـــماء و على الأرض
هي هيكل الله الثالوث الأقدس .
أحبَّ الكنيسة الكاثوليكية ، أحبَّ كنيسة المسيح حتى إذا ارتبطت بهــــــا بالمحبــــــــة ،
و تمتعت بالاسم والإيمان الكاثوليكيين أخذت الروح القدس .
ثقْ بأن تأخذ الروح القدس :
و بقـــدر ما يكـــــون إناء الإيمــــــــان ،
الذي تقدمه إلي الينبوع كبيراً ،
بقـــــدر ذلك يمـــلأه لك .
أحبّ الرب إلهك و أحبَّ كنيسته :
أحبــه أباً و أحبها أمــــاً ،
أحبَّه رباً و أحبَّها خادمةً لأنَّك ابن أمتــــه .
محبة عظيمة توحد هذا الزواج .
لا أحد يحتقر الواحد و يستحق المكافأة من الآخر .
و لا أحد يقول : صحيح أني أخطئ إنما لا أترك كنيسة المسيح تتعلق بالأم و تحتقر الأب .
و لا أحد يقول : أنا لا أخــــــطئ لكنــــــي لســـــــت في الكنيســـــــة :
و أيّ نفع لك من مرضاة الأب الذي ينتقم للأم المهانة.
و أي نفع لك من الاعتراف بالرب و عبادته و التبشــــير به و معرفـــة ابنه ،
و الإقرار بأنه جالس إلي يمين الآب بينما تجدف على كنيسته ؟
ألا تجد عبرة لك في زواج بشري ؟
هب أن لك صديقاً قديراً تزوره كل يوم مكرّماً و تضحي في سبيله كثيراً ؛
فهــــل تجــــسر أن تدخــل بيته بعد أن تتهــــم زوجتـــه بذنــــب مــــا ؟
مــا أكثر الذين أرادوا أن يرتفعوا خارج الكنيسة الكاثوليكية ؛
وإذ كانوا متمسكين بمراكزهم أبوا أن يعرفـــوا الحقيقـــــة !
لــو كان الروح القدس في قلوبهم ،
ألا يتخلون عن مراكزهم ويقبلون إلي الكنيسة ليجدوا فيها درجات يرقون عليها
من فضيلة إلي فضيلة واضعين رجائهم كله بالمسيح دون أي إنســــان أخـــــر؟
و إذا انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية ،
و ظننت أن حياتك خلو من كل شائبة ،
فلن تحيا لأنّ غضب الله يحل عليـــك ،
و قد خرجـــتَ عن وحدة المســــــيح .
عـــشْ في الكنيسة حياة صالحة فلا تؤذيك أخطاء الآخرين .
طالما أن لكــــــــل إنســـــــــان مســــــــــئولية خــــــــاصة .
حافظ على الوحدة ؛ لأن من عاش خــــارجاً عنهــــا ،
ولو عمل العجائبَ فهو كلا شيء .
في الوحـــــــــــــدة كان الشــــــــعب الإسـرائيلي ولم يصنـــــــع عجائب ..
و خارجـــــــاً عنها كان مجوس فرعون و عملوا ما يشبه أعمال موسى .
بطرس الرســــول أقام ميتاً و سيمون الساحر صنع معجزات كثـــــــيرة ،
و كان آنذاك مسيحيون كثيرون ما استطاعوا أن يعملوا
لا نظير بطرس ولا نظير سيمون .
و لماذا كانــــــوا يفرحــــون إذاً ؟؟
لأن أسماءهم قد كتبت في السماء .
بطـــــرس طــــــرد الشــــــياطين .
ولا أدري إذا كان إنسان أخـر أو أيّــــــم عجـــــــــــوز؟
فازا بالإيمان الكامل و المحبة لا يعملان نظير بطرس ؟
بطــرس في الجسم عين وهذا في الجسم إصبع ؛
الإصبع هي من الجســم ذاته الذي منه بطرس ؛
ومع أن الإصبع ليست مقطوعة من الجسم فلا تستطيع أن تقوم بما يقوم به الرأس .
خيرُّ له أن يكون إصبعاً في الجسم من أن يكون عيناً خارج الجسم .
نداء إلي الكنيسة .
لولا السلطة في الكنيسة الكاثوليكية ،
لما آمنت بإنجيــــــــلك .
أيتها الأم المقدسة الكاثوليكية ،
يا أم المســـــيحيين الحقـــــة ،
أنت لا تبشّرين بواجب عبادة الله بقلب نقي طاهر ،
هذا الإله الذي يسعد كل من يحصـــــل عليــــــــه .
إنما تحرميّن علينا عبادة المخلوقات التي أمرنْا بخدمتها .
وإذ تمنعــــين عناّ كل ما هو مخلوق قابل للتغيير و خاضع للزوال
توجهيننا إلي الأبدية غير القابلة للفســـاد و التغيير
هــــذه التـــــي يجب على الإنسان أن يخضع لها دون ســـــــواها
و التي تجدين فيها كل نفس عاقلة تهوي السعادة ؛
أنت لا تخلطين بين ما تميزه الأبدية و الحقيقة و السلام
و لا تباعدين بين ما تجمعه العظمـــــــة الفريــــــــــــدة ؛
إنما تعانقــين محبة القريــــب و الحـــــــب الذي بـــــــــه
تستطيعين أن تقدمّي إلي أعضائك الكثيرين الذين
مرضت نفوسهم بخطاياهم كلَ الأدوية اللازمـــة .
انك تعلمين الأطفال ببساطة و الشبان بقوة و الشيوخ بسلام ؛
ليس وفقاً لعمر كل منهم و حسب ؛ بل وفقاً لنضوج نفســـه .
و تخضعين الزوجــــات العفيفــــات الأمينــــــــــات لأزواجـــــــــــهن ،
ليــــــــــس إشباعاً للشهوة ، بل تكثيراً للنسل و اشتراكاً في الميراث .
و تريـــدين الســـلطة في العائلة للرجل ، فيوجـــه زوجتــه ،
لا تحقيراً للجنس الأضعف بل حفاظاً على سنن حبّ صادق .
و تخضعين الأبناء لآبائهم بموجب طاعة حره ؛
تضعين الوالدين على رأس العائلة و تجمعين برباط الــــدين ،
الذي هو اشدّ وأمتن من ربط الدم ، الأشقاء بعضاً إلي بعض ؛
وتوفّقين بالمحبة المتبادلة كل إتحاد ضروري
و قرابة قائمة على ربـــــط طبيعيـــــة حـــره .
و تعلّمين الخــــدام التعلّــــــق بأربابهـــــم ؛
لا تلبية لحاجات وضعهم بل حباً بالواجب .
و تجعلين الأرباب أكثر لطفاً مع خدامهم ،
عطوفين أكــــثر منهـــــــم حزومـــين ؛
لأن الله هو ربّ الجميــــــع ومعلّمهـــم .
وتوحـــــــدين بين المواطنــــــين والشــــــــــــعوب
والبشر بأسرهم مذكرة إياهم بأنهم من اصل واحد ؛
وذلك لــــيس بالاشتراك وحســــب بل بنــــوع من الأخــــــوة .
تعلّمين الملوك الأعتناء بشعوبهم والشعوب الطاعة لملوكهم .
و تعلّمينا أن نرعى واجباتنا تجاه من نحب ونكرمّ ونحترم
ونخاف ونؤاسي ونؤنب و نشجع ونؤدب ونوبّخ ونعاتب ؛
وتقترحين العلاج المناسب لكل واحد منهم .
و تعلّمينــــــا أن هذه ليست لهم جميعاً ،
خــــــــــــــــلا المحبة ،
وأنه لا يجوز أن نظلـــــــــــــم أحــــداً .
عروسك و فاديك هو رأسنا . إن كان رأساً فله جسم ؛ أنت جسمه أيتها العروس .
و أكيد بأن له جسماً إذا كان هو الرأس ، والجسم هو جسمك أنت عروسه .
الرأس في السماء و الجسم على الأرض . الرجل و المرأة اثنان في جسد واحد :
إن هذا السر لعظيم يقول الرسول : إنما أقول هذا في المســـــيح و كنيســـــــته.
إذاً كنتما اثنين في جسم واحد فأنتما اثنان في صوت واحد .
و أنت هيكل الملك الأبدي لأنه في الوحـــدة .
ليس الهيكل خرباً و لا متهدماً و لا متشققاً .
المؤمنين باللــــــــــــــــه حجارتك الحية .
و المحبة هي التي تجمع الحجارة الحيةّ بعضاً إلي بعض .
الرسل الذين ولدوك ، مُرسْلون ،
أذاعوا الكلمة و كانوا لك آبـــاء .
وهل استطاعوا أن يظلوا دوماً آباء لك بالجسد؟
وهل أصبـــحت مهجـــــورة حـــين غــــادروك؟
لقـد استعضت عنهم ببنين لك فأقمتهم أســاقفة .
و دعوتهم آباء ، أنت ولدتهم ،
و أقمتهم في كراسي الآباء .
لا تظني نفسك مهجورة لكونك لم تعــــودي ترين بطــــرس الصخـــرة و لا بولـــس ،
ولا أولئك الذين ولدوك : الأبوة تجددت لك من ذريتك عينها .
عوضاً عن آبائك ولُد لك بنون فأقمتهـــم فــــــوق الأرض كلهــــــــا .
أبناؤك أقيموا رؤساء على الارض كلها و ابناؤك اقيموا محل آبائك .
فعلي من هجروك أن يتعّرفوا إليك و يرجعوا إلي الوحـدة و يعـــــودوا إلي هيكل المــــــلك .
أني أدعوك ، بحق ، أيتها الكنيسة الكاثوليكية عروس المسيح وآخذك بأســلوب لي خاص .
أن ابنك هذا وخادمك ، بالرغم من ضعفه ، قد أقيم ليوزّع الطعام على رفاق له في المنفي .
أخرجتْني في الماضي أضاليلي من حضنك فهربت ،
وخــــبرت ما لـــــم يجــــــب أن يكـــــون .
ومع ذلك فقد كانت المخاطر التي تعرّضت لها مفيدةً لك
أنت يا من أخـــــدمك الآن بعــــد أن نجــــوت .
ولو لم يغفر لي خطاياي عروسك الصحيح الحقيقي الذي خرجـــت من جنبه ،
لكانت لجّة الضلال ابتلعتني ، والأرض التي صارت حيةً افترستني لا محالة .