الفصل السادس عشر
تفهمُ الكتب الاعتراف على نوعين : اعتراف المادح ، واعتراف الباكي .
فاعتراف المــــــــــــادح يناسب كــــــرامة الممدوح
واعـتراف البــــــــــــاكي يناسب توبـــــــــة من يشكو ذاته .
حين تمدح الله تعترف به ، وتعترف به أيضاً حين تشكو نفسك ،
ولا يمكــــــــن للســــــان أن ينطـــــــق بأكــــــرم مـــن ذلـــــك .
ولا شـــيء أنبل من هذين الفعلين ،
ولا ألـــزم للعقل والفهـــم منهمــا .
أشكر الله وأشْك ذاتك لأنه يغفر خطـــاياك برحمة منه ،
إذ لو أراد أن يعاملك بحسب استحقاقاتك لما وجد فيـك سوي ما يستحق اللوم .
ابتعد عن الإثم ، والله لن يحاسبك على ما فات ،
بل يحــــــــرق صكوك خطـــــاياك ويفتــــح لك حساباً جديداً .
أتق وجــــهه قبــــــــل مجيئــــه ، وأعـــــترف بما عليــــــك ،
كيلا يجد فيك سوي ما يســتحق الثـــــــــواب لا العقــــــاب .
ألا يليــــــــــق بمجـــــد الله أن تعترف بخطاياك ؟
بالعكــــــــس ، أنه ليناسب بنـــــــــوع خــــــاص تســــــــبيحه .
بقــــــــــــــدر ما تســــــوء حــــــالة المريــــض يُمدح الطبيب .
أعـــــــترف أكثر بخطاياك إن راودك اليــــــــأس بسبب آثامك .
وكلما كثرت الخـــطايا المعترف بهـــــا كلمــا عظُـــــــــــــــم مجـــــــد الغافر ؛
وطالما أنـــــــــــــــك لم تعترف بخطاياك فستظلّ نوعاَ ما على خلاف مع الله .
وكيف لا تكون هذه حالك إن كنت تشكر ثم تعمل ما لا يرضيه ؟
هــــــو يعاقب الســـــــــــــــــــارق وأنت تســـــــــرق ،
وهــــو يعاقب المدمن على السكر وأنت تمتدح السكر .
إن اعترفت بخطاياك وشكوتها تبدأ مصالحتك مع الله الذي يتهم خطاياك ،
إن شــــــــــــــــــــــــــــكوتها من تلقــــــاء نفســــك انضــــممت إلي الله .
وكأنك أمام اثنين : الإنســـــان و الخاطئ .
هــــــو صنـــــــــع ما ارتضــــيته كإنســــان ،
وأنــت صنــــــــعتَ ما ارتضــــيته كخــــاطئ .
أنقضْ ما صنــــعتَ ليخـــــلص الله ما صـــنع ،
عليك أن تكره فيك ما صنعته أنت ، وأن تحب ما صنعه الله
وحين يبدأ عملك أن يزعجــــك ينبثـق عـــن اتهـــــام ،
الأعمـــــال الشـــــــــريرة مبدأ الأعمال الصالحة .
إن الإقرار بالأعمال الشـــــريرة بداية الأعمال الصالحة .
لا تكــــن لطيفــــاً مــــع نفســك ولا تداعبهـــــــــــــــــا ،
ولا تغــــــــــــــــــــــترّ قائلاً في باطنك : أني بار .
إذا أحببت النور والحق ، فعليـــــــــــــــــــــــك أن تشكو فيــــك آثــــامك .
لا توفرّ نفسك ، ولا ترحمهـا يرحمك الله .
بل أعـــــــترفْ بما تــريد أن يغــفره لك .
إن لم تعترفْ بإثمك فبأي لسان يسَعُك أن تقــول له . أصرف وجهك عن خطاياي
لأني عارف بخطيئتي وأثمي أمامي في كل حـــــين " مزمور2:50 " .
أتخذ إثمك قاضياً عليك ،
ولا تتخذه محامياً عنك .
أجلسْ أنت على منبر ضميرك وأمثل في قفص الاتهـــــــام .
لا تتخذْ مكانــــــاً لك وراء ذاتك فيضعك الله أمامه .
إثمـــك ، سوف ينال عقابه ، أما منــــك وأمّـــــا من اللـــه .
إن صدر عنك كان بدونــــك . وإن صدر عن الله كان بحضورك .
كـــــــــن أنت للخطيئة معاقباً حــتى يكــــــون الله لك محـــــامياً .
لا تطــــــــــلب لخطيئتك معــــــذرةً إن كنت قد شــــــئتها أو حملك إليها آخــر .
لا تتهم أحــــداً مخافة أن يتهمـــك من لا تستطيع الدفــــاع عن نفســك أمامه .
يغتبط الشيطان حــــين تتهمـــــه ، وهذا جلّ ما يتمناه حقاً .
أنه يريــد أن ترشـــقه بأنـــواع التهم شرط أن يفقد اعترافك ما له من اســتحقاق .
ومع أنــك تريـــــــد أن تتهم نفسك فإن من يشـــــــكوك ينتصر عليـك .
أتهم نفسك ليكون لك الله محامياً .
ســــــــوف يشفي أمراضك كلها ، ولكـن إذا شـــــــئت .
لأنـــــــــــه لو شفي كلَّ مريــض لما شفاه رغماً عنه .
لن تنــــــال بــــــــــرّ الله إذا كــــــــــــــــنت لا تشتهيه ،
ولن تناله إلاّ إذا شئته . والبرّ ليس سوي بــــــرّ الله .
برّ الله يبقي ، وإن لم تشأ ولكنه يحيا فيك إلاّ إذا أنت شئت .
إن من خلقـــك بدونك ،
لن يخلصـــــك بدونك .
لا يرتضي الله بتضحية نعجة ذبيح بل بقلب منكسر .
وأضعْ قلبـــك واسحقه ، وأمتهُ لتتنقَّى بالرحمــــة .
أنت لا تــــــــــــبرر إذا ثرت على نفسك .
لكنـــك تتبرر جزئياً إذا أصــلحت نفســك وإن كنت لا تزال خاطئاً .
إذا يجـــــــب عليـــك أن تصـــــــــــــلح ذاتك .
إن قسوت على نفسك دخل الله وسيطاً بينك وبينها وكفَّ عن شجبك .
إرتفــــــــــع إلي الله ، ولا تســـــــــتكبر عليه .
إن ســـــــجدت أمام الله رفعك ،
وإن استكبرت عليـــــه خذلك .
إن تكبرت ، ظــــــــاهراً ،
جففـــــــتَ بـــــــــــاطناً . أنا لا أقول لك :
كُــــــــــــنْ أقلّ مما أنت ، بل أعرف ذاتك وأعترف بضعفك وخطيئتك ،
ثم أعــترف بـــــــأن الله هـــو الذي يــبررّ وأنــك أنـــــــــت وســـــخ .
أكشـــــــف في اعترافك عــــن رحمة قلبك تدخــل في قطيــــــــع الله .