الفصل التاسع
في أن التواضع هو أساس الكمال المسيحي
أتريــــــد أن تتبع المســــيح إلي حيث السعادة الفضلى والسلام والأمان الدائم ؟
حســــــن لك أن تتبعه هناك ؛ ولكن على أي طـــريق ؟
العلوّ يبهجك ، ولكن التواضع ســـــــــــلّم إليـــــــــــه .
هل تخطو إلي أبعد ممــــا لك ؟
أنت تريد أن تقع لا أن ترتفع . ابدأ خطوة خطوه فترتفع .
هل تريد أن تكون عظيمـــــــــــــــاً ؟ ابدأ بما هو بســــيط جــــــــــــــــداً .
هل تريد أن تبني مصنعاً عالياً جداً ؟ فكّر أولاً بأن تؤسسه على الأعماق .
لأن كلّ من أراد أن يشيد بناءً عظيماً يعمّق الأساس بقدر ما يزيد أن يكون البناء عالياً .
عندما يُشاد البناء يشمخ في الأعالي ؛ أما الــــــذي يؤسس فأنه ينزل إلي الأعمــــــاق .
وبالنتيجـــــــة فالمصــــــــــــــــنع قبل أن يعلو ينزل إلي الأعماق ،
والقمًّة لا تبُنْي إلاّ على الانسحاق . في الحيــــــــاة خطـــــــوات ، ولكن إيــــاك أن تمكث كسولاً
وتسقطْ متكـــبراً .
انسحاق القلب والكفر بـــــــــــه وعدم الاغــــترار بالنفـــــــس والاعتداد بقواه الشخصية عن كبرْ ،
أمــــــــــــور لا تجد شيئاً منها في كتب الغرباء :
لا في كتب الابيكـــــــــــــــورين ولا الرواقيين ولا المانويين والافـــلاطونيين .
حيث أفضـــــــــــــل النظم الأخلاقية والتربوية فلا مجال للتواضع .
طريق التواضع ينشأ من محلّ آخر ، أنه آت من المسيح .
وأي شيء آخر قد علمناه متواضعاً و مطيعاً حتى الموت ، موت الصــــــــليب ؟
وأي شيء أخر علّمناه ، حين دفع ما لم يكن مترتباً عليه ليحررنا من ديوننا ؟
وأي شيء آخر علّمنــا ، يوم تعمّد ، وهــــــو الـــــــــــذي لم يعمل الخطيـــــئة ؛
ويوم صَُِلبَ وهو الذي لم يكن عليه أدني ذنب ؟
وأي شيء أخر علمنا سوي التواضـــــــــــع .
جزيل الفائدة هو التواضع البشري حتى أن الله الكلي الســــــموّ قد أوصانا به بمثله الحي :
لو لــــــــم يســــــــــــــتدرك الله ، بتواضــعه ، الإنسان المتكبر ، لكان هلك إلي الأبـــــــد .
السيد المسيح بــــــــاب وضـــــيع ،
إن أردت أن تدخـــــل منــــــــه فعليك أن تتواضع لتتمكن من الدخــول دون أن يصاب رأسك بأذى .
إن لم تتضــع بــــــــــــل تباهيــتَ فأنك تريد أن تصعد عن طريق الحائط ،
وإن صـــعدتَ عــــــلى الحــــائط ثم تباهيتَ سقطت .
أتضــــــــــع وأدخـــــل من الباب ، تعال بقدم ثابتـــة لئلا تصاب بأذى .
تأمّل ما صار إليه الله لأجــــــــلك : أفهـــــم تعليمـــه ؛
كم في هـــذا التواضع العميــــــق من معلّم لم يتكلّــم حــــــتى الآن !
لقد كــان لك من الفصــــــــــــاحة في الفــــــردوس ما أهّلك لأن تعطي اسماً لكل نفس حيه ؛
ولكن خــالقك أقام طفلاً من أجلك في مــــــــــــزود ولم تدعــــــه أمّـــــــــــه باســــــــــــمه .
أبيت أن تطيع فخــسرت نفســـك في مكان رحــــب من الأراضي المثمرة ،
أما هــــــــــو فقد جاء إلي الموت في أضيـــــــــــق مكـــان للغرباء ليمـوت بحثاً عن الميت .
أنـــــــــــت ، إذا كــنت إنســــــاناً ، وأردت أن تصير إلهـــــــــــــــــــــــــــاً ، هلكــــــــــــــــــت ؛
أمّا هـــــــو الله فقـــــــــــــــــــــد شــــاء أن يصير إنســــــــــــــــــــــــاناً ليخلص ما قد هلك .
لقد أثقلـــت عليك كبرياء الإنسان حتى لم يعد ممكناً خلاصك إلاّ بواســــطة تواضع اللـــــــــــه .
صــــــــــــــار الله إنساناً وهـــــــــو إلــــه ؛
أمــــــــا أنت الإنسان فلم تعرفْ إنك إنسان صائر الى الموت و مريض يطلب طبيبـــــاً ؛
و أشد خطراً من هــــــــــــــذا كــــــــــــله انك كنت نفســـك ســـليماً من كل مـــــــرض .
صـــــــار الله انســـــــــــــــانا بيننـــــــــــا هو الـــــــــــــــه حتى تعرف انت انك انسان ؛
يا للـــــــــــدواء العظيـــــم . إن لم يشـــــــفك هذا الدواء من مرضـــــــك ،
فـــــــــــلا أدري أي دواء آخر يشـــــــــفيك .
الله موجـــــــود وقد صار إنساناً أي أنه حجب ألوهيته وأخفي ما هو خاص بـــــــــــه
ليظهر بالشكل الذي أخــــــذه .
أدخل بالمسيح : أقتــــــد بآلامه وأعرف تواضــــــــعه حتى تعرف ذاتك إنساناً لا إلهاً ؛
لأن الله صار إنساناً من أجلك .
إن أردت أن تظهر بغير مظهرك فلستَ تقتـــــــــــدي بـــــــــــــــــــــــــــذاك الذي ،
إذ هو إله ، قد صار إنســاناً .
لستُ أقول لك : كن أقل مما أنت بل أعـــرف من أنت .
حين تنظــــر إلي نفســـــــــــــك فكّر بتواضـــــــــعك ؛ ولا تستكبر ؛
لأن كل تقدم تحرزه ، يكون بنعمة من الله ورحمه منه .
أحفــــــــــر فيـــك التواضـــــــع أســـــــاساً لتصل إلي قمّــــــة المحبـــة .
{ ازدد تواضــــعاً مــــــا ازددت عظمـــــــــة فتنال حظــــوة لدى الـــرب } ( سيراخ 3 : 20 )
ولكـــــن لا تكــــن ممّن يهملون أنفســـــــهم إذ يسمعون بأنه يجب عليهم أن يكونوا متواضعين ؛
فلا يتعلمون شيئاً ، ظنـــــــــــــاً منهـــــــــــم ، أن كل علم يجعلهم متكبرين :
هـــــــــــــــــــؤلاء يبقون على الحليب وحده كالأطـــــــــــــــــــــــــــــــــفال .
أني أريد منـــــك أن تتغذي بالحـــــــــــــليب دون أن تبــــــــــقي عليـــــــه ؛
بل تنمـــــــــــــو لتبلــــــــــــــــــــــغ إلـــــي ما هــــو أشــــــــــد منــــــــــه .
لا يشـــــــــــــمخ قلبـــك مســـــــــــــــــتكبراً بل أرفعه بمعــرفة كلمــــة الله .
أنا لستُ أقول لك : كن متواضعاً كـــــي لا تصبح راشداً ؛
كن متواضعاً بسبب الكبريــــــــــــاء
وكن رفيقــــاً بسبب الحكمــــــــــــة .
لا تكن طفلاً ساذجاً ؛ بل كن طفلاً بفطنـــــــة لتكون كاملاً بعقلك .
خذ حليباً غذاءً لك ؛ وتغّذ بهذا الشكل لتنمو ، ثم أنم بهذا الشكل لتصبح قادراً على أن تأكل خبزاً .
متى بـــــــــــــــدأت تأكل خـــــــبزاً تفطــــم ؛ ولن تعود محتاجاً إلي الحليب بل إلي الطعـــــــــــام .
قلــــــــــــــــق التواضـــــــــع أفضل من ثقــــــــة الكبريـــــــــاء .
الجهـــــل مع التقـــــــــــــوى أفضل من العلم مع الغــــــــــرور ،
والإقرار بالجهل مع التقوى أفضل من الإعلان عن العلم بخفة .
الاعتراف بالجهـــــــــــــل خطــــوة إلي المعــــــــــــــــــــــــرفة .
التواضـــــع في الســــــيئات لا يغيـــــظ الله
كالكــــبرياء في الصالحات .
كان الفريسى متكــــبراً في الصــــــــالحات ،
والعشّـــــار متواضـــعاً في الســـــــــــيئات .
الشــــــــرّ الذي تعمـــــله هو منك وحـــدك
والخـــير الذي تعمـــــله هو نعمه من الله .
متى بدأتا تعمل خـــــــيراً فلا تردَ ذلك إلي نفســــــك ؛
إذ ذاك تؤدي فعل شكر لله أخـــــذته منه .
إن عملت خيراً فلا تهن من لم يعمله ولا تستكبر عليه.
إن نعمة الله لم تنحصر فيــــه دون سواه .
عليك أن تفكر بما ينقصك أكثر مما تفكّـــــر بما لديـــــــــــــــك .
أحــــــذر أن تضيعّ مالك ؛ أما ما ليس لك فأطلب أن يكون لك .
إن فكـــــرت بما فقت به الغير ، فأحذر الكبرياء .
إن فكرت بما ينقصـــــــــــــك بكـــــــــــــــــيت ؛
وإن بكـــيت شفيت واتضـــعت وسرتَ بتـــــؤدة ،
فمـــــــــــا أســــــــــــــــرعت ولا أســــــتكبرت .
لا تمــــدح نفســـــــــــــــــــك متى كنت صــــــــــــــــالحاً ،
لأنك حين تمــــــــــــــــــدح تتحول من صالح إلي شرير.
بالتواضع صرت صــــالحاً وبالكبريـــــــاء شـــــــريراً ؛
وعداوتك ظــــــــــــــــــلاماً مع أنـــــــــــك الآن نـــــور .
لقد كـــنت حينـــــــــــــــــاً ظــــــــــــــــــــــــــــــــلاماً
أما الآن فـــــــــــــــــــأنت نـــــــــــور في الـــــــــرب ،
إن لم تكن نــــــــــــــــوراً بعيــــــــداً عن الــــــــــربّ ؛
وإن كنت الآن نوراً لأنك في الربّ فماذا لك ولم تأخذه ؟
وإن كنت قد أخذتـــه فلماذا تستكبر كأنك لم تأخـــــــذه ؟
مـــــن أعطي المتواضع ســـــــــــلب المتكـــبر ؛
لأن من يعـــــــــــــــطي يســــــتطيع أن يسلب .
ولماذا تغــزوا لنفســك ما لم تعطه أنت لنفسك ؟
أعرف المعطي وأعترف بأنـــــك قــــد أخذت لتكون أهلاً لأن تعطي ؛
إن لم تكن محتاجاً فلماذا تســـتعطي وتســـــــــتكب ؟
حيث التواضع فهنـاك العظمــــة ؛
وحيث الضعف فهناك القـــــــوة ؛
وحيث الموت فهناك الحيـــــاة ،
إن شئت أن تصـــل إلي هـــــذه فلا تحتقر تلك .
كن دومــــــــاً غـــــــــــــير راض عما أنــــت فيـــــــــه ،
إن شـــــــئت أن تصـــــــــــل إلي ما لم تبلغه حتى الآن .
أنك تقيـــــــم حيث يطـــــيب لك ،
أما إن قلت : حسبي ، هلكـــتْ .
أضــــــــفْ دوماً وسرْ وتقدمّ باستمرار :
إيـــــــــــاك أن تمكث في الطــــــريق أو تعـــود القهقـــــــــــــرى
أو تحيــــد عـــــن الطــريق .
يبقي في الطــــــريق من لا يتقــــــــــــــــــــــــدم ؛
ويعود القهقرى كل من يرجـــــع إلي الأمور التي قد ابتعد عنها ؛
وينحرف كل من يكفــــر .
الأعرج السائر على الطــــــــــــــريق
أفضل مــــــن العداّء خارجاً عنهـــا .