الكتاب السابع
الفصل الأول
تمتّعنـــــــــا باللـــه تعــــالي ، هــو مقيــــــــــــاس ســــــــــعادتنا :
مهما تقدمنا في هذه الحيــاة ، نري باللغز ما نراه و كأنه في مرآة .
النفس تري إنما تحتاج إلي ثلاثة لتري :
تحتـــاج إلي عينين صالحتين للاسـتعمال والنظـر والرؤية .
العين السليمة هي النقية من كل عيب جســــــــدي .
المنقّــــــــــاة من كل ملذات الفانية البعيـدة عنهـــا .
إن الإيمان وحده قادر على أن يبت بهذا الأمر .
و هذا شيء
لا يمكن إظهاره للنفــس الأثيمة و المريضـة ،
إن أبـــت أن تغـــــــــــير أســـــــــــــلوب رؤيتهــــــــــا ،
لأن العين الســليمة وحدها تستطيع أن تـري ،
في حين أن المريضـــــــــــة لا تعني بصحتهـــــــــــــا ،
أما إن ظنت بأن : رؤيتها غيرُ صافية ،
و أدركت بأنها إن شـــــــــــــــــفيت ،
فســــوف تــري ،
فلمـــــــــــــاذا تيـــأس من الشـــفاء ؟
أليــــــــــــس رفضها إرشادات الطبيب ،
اهمـــــــــــالاً و احتقــــاراً لذاتهـــــــــا ؟
تلك هي حال بعض النفوس التي
لا تدرك ضـــــــــرورة الوصايا ،
إلا متي شعرت بوطأة المـــرض .
و عليــــــه ،
يجب أن تربط الإيمان بالرجاء حتى إذا ظنت إنها نالت كل شيء . تمنت الشفاء .
و لكــــــن ،
ليس لها أن تحــب النور و تتوق إليه بعد أن وعـــدت بـه ،
و ليس لها أن تتخــذ كفافهـــا مـن هـــذه الحيــاة المظلمــــة ،
بحيث يصبح ظلامها بحكم العادة شيئاً مقبولاً ،
فلا ترفــــض أبداً مشــــــورة الطبـــــــــــــــــيب .
و أخــــــيراً المحبة ضرورية أكثر من أي شيء آخر .
بدون تلك الفضائل الثلاث : الرجــــاء و الإيمـــــان و المحبـــــــــة
لا تشفي نفس من مرضها لتتمكن من مشاهدة الله أي من إدراكه .
و ماذا يلزمها بعــــــــــــد أن تســــــلم عينـــــاها ؟ أن تنظــــــر .
العقــــــــــــل هو نظر النفس و طالما أن من ينظر لا يري حتماً ،
فـــــــــــــإن النظر الصحيح التام الذي تعقبه الرؤية هو الفضيلة
و الفضيلة هي الإدراك الصحيح التام .
بيــــــــــــد أن هـــــذا النظــــر بالــــذات ،
لا يستطيع أن يوجّه العينين إلي النـــور ،
إلاّ إذا حضرت تلك الثلاث :
الإيمــــان : الذي بــه نري الخير الذي يتوق إليه النظر ،
وبــــــــه يصبـــــــــح ســـــــــــــــــعيداً ؛
و الرجـاء : الذي بــه نتأكــــــــــد من نظــــــــــــرنا ،
متــــــى كان نظــرنا مطـــابقاً للأصول ،
و المحبـة : التي بها نــــــــــــري ونتمتع بالـــرؤية .
و من الآن و صاعداً تتحقـــــــــق مشـــــــاهدة الله التي هــــي غايـــــة النــــظر ،
لا لكــــــــي يتوقف النظـر عن كل جهد و نشـاط بل لئلا يسعى في أثر شيء أخر .
إن كمال الفضيلة التام : هو في أن يصـــــل العقــل إلي غايتــــــــــــــــــه ،
و يحصـــــــــــــل على الســـعادة الحقــة .
و الرؤيــــــــــــــــــة :
هي لهذا الإدراك في النفـــــــس الذي يتم في الجميع بين المدرك و المدرك ،
حتى يتبـــــــين من خـــلال ذلك انّــا بعــــين النفـــس نــــري ما يقــــــــــال .
و إن توقفنا عن استــــــخدام عين النفـس ،
اســـــــتحال على الإنسان أن يري شـــيئاً .
و بالنتيجة ، متى أدركت النفسُ الله رأتــه ؛
فلنر الآن :
إن كان بقاء تلك الفضائل ضرورياً لها أم لا .
و كيف يبقـي الإيمــــــان ضرورياً لمن يري ؟
أم كيف يبقي الرجـــــــاء ضرورياً لمن حصل على ما كان يرجـــو ؟
أمــــــــــــــــا المحبـــــة فلم يسلخ عنها شيء بل زيد عليها أشياء .
متى رأت النفس ذاك الجمــال الرائع ازادت له حبــاً .
إذ لم يكن نظرها موجهاً إليه دون سواه بفعـــــــــل ،
محبة فائقة و مال عنه إلي آخــــر ،
فلن يســــــعه أن يتمتــــــع بتلك المشاهدة السعيدة .
و النفـــــــس الــــــتي لا تزال متحــــدة بالجســـد ،
و إن أدركت اللـــــــه و كانت رؤيتهـــا له تامــــــة ،
تستخدم الجسد قياماً بأعمالها الخاصة .
وهـب إنهـا لم تخـــدع فمـــع ذلــــك لا يسـعها أن
تـنفي عنهــــا كل شـك و ريـب .
و بالتــالي ،
فالإنسان يؤمن بما هو ثابت و حقيقي إيماناً و لا ريب فيه .
و مع أن النفـس التي تـــــــدرك الله في هـذه الحيـــــــاة تســعـد ،
فإنهـــــــــــــــا لا تزال في جسدها عرضــــةً لضيقـــات كثــــيرة ،
و لهـــــــــــــذا ، عليها أن
ترجـــــــــو زوال تلك العذابات عنها بعــد الموت .
و بالنتيجة ،
فإن النفــس في حياتها ههنا لا تزال بحاجة إلي الرجـــــــاء ،
إنما بعـد أن تجتمع بكليتهـا في الله بعــــــــــد المـــــــــــوت ،
تحفظهــــا المحبـــــــــــــة في ذلك الإتحاد الورع و تبقي لها .
و لا يجـــــوز أن نقول : أن الأشياء تكون حقيقية
إذا لم يتعرض الإيمــــان لأي تشويش من قبل الكذبة والمضللين .
كما لا يجوز أن نقول : أن لا مجال للرجــــــــاء متى حازت النفس باطمئنـان كل شيء .
و عليه ثلاثة للنفس ضرورية : الصفـاء و النـظر و الإدراك .
و الثــــــلاث الأخرى هـــــــي : بالإيمان و الرجاء و المحبة .
الأولي و الثانيـــة ضروريتان في هــــذه الحيـاة ؛
أم بالأحـــــــــرى ، الثــــلاث ضـــــــــروريات .
أما بعد هذه الحياة ، فالمحبة وحدها ضرورية .
خذ الآن :
فكرة بواسطة المحسوسات في هذا الزمن الحاضر عن الله ،
و دعني أحدثك بهذا الخصوص :
ندرك في الله كما في الشمس ثلاثة أشياء :
و جودها و لمعانها و نورها .
و في هذا الإله العجيب
الذي تسعي إلي أن تدركه تري ثلاثة أيضاً :
من هو و كيف هو
ثم الشـــخص الــذي يســــعنا أن نــــــــــــــدركه ،
عندمــــــــا لا تعود تفـــــــرح بمــــا في الأرض ،
تـــــــــدرك في تلك الهنيهة بالذات ما تتـوق إليه .
إن الله يعرف :
متى يظهر ذاته لأنه طـــبيب يعرف كيف يميزّ بين الأصحــــاء و المـــرضي .
آمن به و اثقــاً و استسلم إليه و لا تحتفظ بنفسك لنفسك ، مســتقلاً عن الكل ؛
أو بالأحــــرى أعلم إنك خــادمُ ســـــيدك الـــرؤوف الجـــــوّاد .
و هكــــــــذا فإنه يساعدك باستمرار ، ويقـــــدم لك مـا ينفــــــع ،
وإن لم تدرك الآن منفعته .
وإن لم تدرك الآن منفعته .
أنـــت الآن مقّيـــــــــــــــــــد بنظـــــــــــــــــــــــــــام ،
أما بعــــدئذ فاستعمل كل ما يأمرُك به متى شــاهدته .