الفصل السادس
في الحســـــــــد
أنّي كـــــان الانتفاخ عقبه حــــــالاً الحسد ، لأن الكبرياء أم الحســــــــــد ،
وهـــــــذه الأم لا تعـــرف العُقم ، وحـــــــــيث تنجب باستمرار .
الحسد هو ألاّ تريـــــــــد السعادة للآخرين .
وهـــــــــو رذيـــــــــــــــــــلة شــــــــــــــيطانية ،
وشره يقوم على أن تغتبط للآخـرين ،
الحســـــد يتألــــــــم مــــــن خــير يصيبهــــــم .
أن هذه الخطيئة التي تقوم على الاكتتاب لخير يناله الغير ،
كريهة على الله جـــــــداً .
الحـــاســــــــــد لا يرضي بأن يجرحه آخر .
لأنه أول جـــــلاد لنفســـه .
القلب الحاسد دودة شــــــــــــــــــــــــــريرة
تنخر كل شيء فتحوّله رماداً .
ومتى استطاع الحاسد والمتكبر أن يحب باخلاص ؟
وهل يحــب الحاســــد فتخطــــأ في تقــــــديرنا ؟
حاشا لأحدكم أن يضــلّ فيقــول أن الحاســـد يحب .
أصغُ إلي الرسول : ( المحبـــة لا تحســد ) .
ولكن إياك أن تعتقد بأن الغــيرة على شــيء هــــي الحســد بالــــذات ،
- أنهما جـــاران وغالبـــــاً ما يؤخـــذ الواحد منهما محلّ الأخر ،
- لما بينهمـــا من تجـــاور ويوضــعَ الواحد منهما محل الآخر .
الغـــــيرة ألـم في النفـس يشـــعر به المــــــــــــرء ،
حين ينال آخر خيراً يريده اثنان أو أكثر ،
ولا يمكن أن يحـــــوزه ســـــــــــوى واحــــــــــد .
الســـــلام يشــفي من هـــذه الغـــيرة ، ويقـوم هذا الســـلام
عـــلى أن نتـــوقَ إلي يصبح جميع من يسعون في أثـــــــــر شيء ما واحـــداً ،
إذا حصلوا عليه .
الحســــــد الم في النفــــــــس التي تعتـبر الآخريـــن
غير جديرين أيضاً بالخير الذي لم تطلبه .
طول الأناة يشفي من الحسد :
وهـــــــــو أن يقبـــل الإنســـــــان بحكم الله فلا يقـاوم إرداته ،
ويعتقد بأن إعطاء الخير للقريب ، غــــــير المــســــتحق له .
بنظره ، أفضل مما لــــــو أعطي له شــــــخصياً .
ولكــي تجتنب الحســـــد وتهـــــــــــــرب منـــه ،
عليــك ألاّ تستـــــــــــكبر على سواك من الناس .
جعـــــلك الله ، بنعمــــــة منه ، فوق الحيوانات وأسمي منها ،
وهذا طبيعي ، وسـتكون دوماً أفضـــــــــــل من الحيــــــوان .
إن شئت أن تكون أفضــــــــل من إنسان تحسده حين تراه مساوياً لك ،
عليـــــك أن تطلب المساواة مع الناس كلهم ،
أما إذا فقــــت أحـــدهم فطنــــة ،
فعليــك أن تطـــــلب له الفطنــــــة أيضــــاً .
وطالما أنه متخلف عنك فهو يأخـــــــــذ عنك المعـــــــــــــــــــــــــــــــــــرفة ،
وطالما أنه جـــــــــــاهل فهو بحاجــــــة إليك فتري نفسك عالماً وتراه تلميذاً ،
وتري نفســــــك أعلي منه ، لأنك عالم ، وتــــــــراه أدني لأنــــه تلميذ .
إذ لم تــرد أن تسـاويه بك شئت أن يظــل لــــك تلميـــذاً ،
وإن شئت أن يظل دوماً تلميذاً لك كنـــت معلماً حسـوداً .
إن كنـــــت معلماً حسوداً فكيف تكون معلمـــــــاً ؟
بحقـــــــك لا تعلّمــــــــــه الحســــــــــــــــــــــــد .
أصغ إلي كلام الرسول الخارج من صميم محبته :
( أتمني أن يكون كل النــــــــــاس مثلي )
(1 كور 7/7 ) .
وكيف يريـــــــــــد أن يكـون الجميــــــع مســـــــــاوين لـــــه ؟
كان فـــــــوق ، وأراد أن يتساوى والجميـــــع بالمحبة .
وكيف تجاوزت الحد وشئت أن تطمـــع إلي التسلط على الناس ،
يا من خلقـــــــــــــت لتكون متســـــلطاً على الحيــــــــــــوانات :
وكبريـــاؤك هــــــــــــــذه هـــــي أم الحســـــــــــــــــــــد .
لا تغلط : إن كنت حسوداً فلا يسعك أن تحب الناس كإخوة لــــــــــــك ؛
وإن حســــــــدت فــــلا محبــة فيــك بــــل خطيئة الشــيطان ،
لأنــــــه حســد مـن هو واقــــــــــف وأراد أن يوقعــــــه ،
لا لكـــي يظل هو عينة واقفاً بل لئــــلا يسقط وحــــــــده .
أحفـــظ في قلبــــــــــك أنًّ الحســد لا يعيــش في المحبـة .
لم تكــــن المحبــة في قاييــن ، ولولا وجودها في هابيل لما قبل الله ذبيحتــــــه ،
أتظن أن الله نبذ ثمار الأرض وقبل ذبيحة الغنـــم يــــــــوم قدمـا له القرابــــين :
هذا من ثمر أرضــــــه وذاك من غنم قطيعـــــه ؟؟
لا يأبه الله لما تقدمه الأيــدي ،
ولكنـــــه يري ما في القلب ،
ويشيح بوجهة عن ذبيحة الحسود ؟؟
أعمــال هابيـل الصالحة تعـــبرّ عن محبتــــــــــه ،
وشرور قايين تكشف عن بغضة لأخيه .
أن يبغض قايين أخاه ويحسده على أعمـــــاله الصــالحة ، فهذا أمر بسيط ،
ولكنـــــه أراد أن يقتله لأنه لم يشــاء أنْ يقتدي بــــه .
إذا ذاك ظهــر هــو ابناً للشـــــــيطان وهابيل ابنــاً لله .
قـــــل لي : لمَ تحسد البار أيها الإنسان الشرير ؟
الأنـــــك تريـد أن تظهــــــر بـــــاراً ؟
أعمل حالاً ما هو أفضــل يسهل عليك أن تصير ما تريد .
كن باراً لتحب من كنت تحسده ، فتصبح من كنت تشكو منه ،
وتحب فيه ذاتـــــــــــك ، كمـــــــا تحبـــــه في ذاتـــك .
ومـــع ذلك إن حسدت الغني فلا يســــــــــــــــــــــــــعك أن تصبح غنيــــــــــــــــــــاً ،
أو حسدت شيخاً نبيـــــــلاً وثريــــــــــــــاً ،
إن حسدت جميلاً فلا يســـــــــــــــــــــــعك أن تصبح جميــــــــــــــــــــلاً ،
وإن حسدت قـوياً فلا يســـــــــــــــــــــــعك أن تصبح قوياً ذا صحة جيدة .
أمـــــــــــــا إن حسدت صديقــــاً فالأمــــــر منـــوط بـك ،
كن أنـت ذاتك ما تحــــــــــــــزن أن تـــراه في الغـــــير .
لن يمكنك أن تبتاع ما لست فيه وما هو الآخــــــر فيه .
يعــــترف الجميــــــع مجــــــــــــــــــاناً ، وبســــــــرعة ،
بـــــــــأن الســــــلام على الأرض لذوي الإرادة الصالحة .