الكتاب السادس
الفصل الأول
من الصعب ألا تدخل بعض الأدران إلي نفسك و قد بلغت من النقاوة حداً كبيراً
و ذلك بسبب ما يعقب أعمالك الصالحة عينهـــا من أمور كالثناء البشري مثــــلاً .
من الشــر في الإنسان أن يحيا حيـــاة غير مســـــــتقيمة .
و لكن أن يحيا الإنسان حياة مســتقيمة و يرفــــــــــــــــض كل ثناء من الناس .
فذلك يعني أنه عــــــدو للأمور البشرية التي تتدني قيمتها بتدني احترام الناس للاستقامة في الحياة .
إن لم يمتدحـــك من تحيا بينهم بالاستقامة كانوا على ضلال
أما إن امتدحوك فأنت في خطر إلاّ إذا كان قلبك سليماً و نقياً .
و لم تصنع الخير حبـــــــــــــاً بتمجيــــــــــــــــــــــد النــــــــــــــاس لـــــك ،
و على كل حـــال يطــلب منـــك أن تقُـــر بفضــــــلهم لأنهم يحبــــون الخــير ،
الــذي فيــــــــك لا نفسك بالذات لهـــــــــــــــــــــــــذا عشْ مســــــــــــتقيماً ،
ولـــو لــــــــــــم يمتدحـــــك أحد . تـــــــــــدرك بــــأن الثناء الذي يكيلونه لك نافع لمادحيك ،
ولاســــــــــيما إن لم يكرمــوك ، في حياتك الصالحة ،
بل الله الـــــــذي يجعل من كل ذي حيـــــاة مســــتقيمة هيكلاً له كلي القداسة .
و بالنتيجة عليك ألاّ تتوخـــــــــي من استقامة قصدك مديـــــح النـــــاس لك ؛
وألا تعــــــــــزو ، للمديـــــــــــح ، صلاح أعمـــــالك أي أن تعمل ، صـــلاحاً ، إرضاء للناس .
أيها العائــــش باســــــــــــتقامة ، إن لم تســـــــــــــــــمْ فوق تقريـــــظ النــــاس لك ،
ولم تســــــــع في إرضــــــاء من ، وحده يفحص الضمائر وإن لم تتطلع إليه ، وحده ـ
فليس لك قلب ســليم .
بقـــــــدر ما يخفّ شوقك إلي ثنـــــــاء الناس
بقدر ذلك يصبـــــــــــــح أكثر استحقاقاً للثناء ما يصدر عن ضميرك النقي .
لا تعـــــــش مستقيماً و لا تعمـــــل خـــــيراً لكي يراك الناس و حسب ،
و إلا لمـــــــا كان لك أجــــــر عند أبيــــــك الـــذي في الســــــــماوات ؛
لا لأن النـاس يرونك بل لأنك تحيا مستقيماً ، لكي يراك النـــــــــــــاس .
لا يريد الـــــرب أن تخُفي عن عيون الناس الخير الذي تعمله و تخشي أن يراك الناس .
إن خفت النظـــارة فـــــــلن يكــــون لــــك من يقتــــدي بـــك .
و بالتــــــــــــــــالي يجب أن تكون منظوراً ،
إنما ، ليس هذا ما ، يجب عليك أن تعمل .
لا تفكّر بـــــــــــأن ثمــــــــــــن عملك الصالح في أن يراك الناس ويقرّظــــــوك ،
ولا يجــــــــــــــوز أن تقــــــصر عـــــلى ذلــك فرحـــــــــــــــــــك وغبطتـــــــــك .
ذاك باطــــــــــــل ، أحتقرْ نفسَك متى قرَّظوك ، وليُمتدح فيك ذلك الذي يعمل فيك .
لا تعمل الخـــــير إلاّ تمجيــــــــداً لمن أعطاك أن تعمـــــل خـــــيراًَ .
بنفســـــــــــــك ، لا تســـــــتطيع سوي الشر ،
و باللــــــــــــه تســــــــــــتطيع الخــــــــير .
من المهم جداً أن تعــــــــــرف بأية نيــــة تعمل حين تعمل خيراً .
قدّرْ عمــــــلك ، بما هو فيــــه ، بحد ذاتــه ، بل بالنسبة إلي الغاية التي تتوخاها منه .
كم أتي من عظائم ، حبــــــــــاً بالمجد العالمي ،
أولئــــــــك الذين يدعون كباراً في هذا العالم ،
و ما طلبوا المجد لدي الله .
بل لدي الناس طلبوه ؛ فتظاهروا ، ســـعياً إليه ،
بالحكمـــــة و الجرأة و الاعتدال والعــــــــــــدل ،
و أخـــــــذوا أجرهــم البــــــاطل لأنهم فارغون .
و مـــع ذلــك فلا تتّهـــــم الثناء البشري
و هل أشهى على الناس من أن يرتضوا ما يجب أن يقتدوا به ؟
أصلحْ مدائحَ الناس ورًّدها كلهـــــا إلي مديـــــــــح الله الذي أعـــطاك كل ما يمدح فيك ،
دون أن يخطــــــأ مادحُــــــــــك .
و فضــلاً عن ذلك ، لا يجـــــوزُ لك أن تعمل صلاحاً ، حباً بالخـــــــلاص الزمــــــــــني ،
بل حباً بما ترجوه من خلاص أبدي ؛ حيث تتمتـــع ، بخــــــير ثـــابت ؛
يعطيكـــــــــه الله ، بل بالخـــتـــــير الــــــذي هــــــو اللــــــه بالـــذات .
لو عمل قديسو الله أعمالهم الصالحة ، حبــــــــــــاً بهـــــــذا الخــلاص الزمني ،
لما أنجـــــــــــــز شــــــهداء المسيح عمـــــــــــــــــــــــــل الاعتراف الصالح ،
بتخليهـــــــم عــــن ذاك الخير الزمني .
قوة الفاضل تكمن في :
احتقار المجد ؛ لأن احتقـــــار الـــذات أمام اللــــــــــه يظــــل خفيـــاً عن الإنســــان .
و كلّ ما يعمله الإنسان أمام النــــــاس ، ليظهر احتقـــاره للمجــــــــد ،
يبـــدو و كأنه يعمـــــــل في ســـــــبيل مجد أعـــــظم
وللــــــــــدلالة على أنه مخـــــــــــالف لظن الناس به .
بيــــــــــــد أنًّ من يحتقر آراء مادحيه يحتقر أيضاً و قاحة من يشكّون فيه .
إن لزمت العَّفة فاذكـــــر إنها جـــــاءت شـــــــــــكاً للأشـــرار و لحاســدينا .
و لهـــــذا فهـــــــــــــــي تمتحـــــــن نهشـــــــاً و عضــــــــاً .
إن كـــــنت تجاهر بالعفـة بحثـــاً عن تقـــــريظ النــــــــــــاس ،
فســــــــــــوف تســــــقط أمـــــــــــام انتقـــــاداتهم .
و إن كنت خادماً لله نقياً فهوذا العالم يتهمــــــك بالفســــــــاد ،
فينهــــــــش و ينتقـــــــــد وينصـــب عليك بثقـــله ،
و كأني به يتـــــــــذوق بروح شريرة ما يتصوّره فيك من شرّ .
أما أنت فإن شئت إلتزام العفة ،
رغبـــةً في تقريظ الناس لـــك ،
فقــــد انهــــزمت أمـــــــــــــام انتقادات الناس
وخســـــرت ما أردته لنفسك .
إن عرفت أن تقول مع الرسول : ( مجدنا هو شهادة ضميرنا ) "2كور12،1".
يزداد أجرك اتساعاً و لا يخفّ أبداً أمام انتقادات الناس لك .
وأنت صلَ من أجلّ عدوك لئلا يموت لأجر تناله .
ســــوف تنال أمام منبر المسيح ما قد صنعت بالجسد ، خـــيراً كــــــان أم شـــــــــــراً .
و إن إعتمدت في أعمـــــــــــالك على ثناء النـــــــاس . خسرت أعمـالك و ثناء الناس ،
ثم تبحــــــــث كعـــــــــــــــــادتك عمّـــــــــــــــــــــــــــا . تعــــودتْ نفسُك أن تتمتع به .
لا تطلب شهادة الناس الذيـن لا يرون القلوب ،
بــــــــل شهادة مــــــــــــــــن يفحص القلوب .
كل إنســـان يــــــــؤدي حساباً عـــن أعمــــــاله ، أمام منبر المسـيح ،
و لا نفع له من شهادة الــــغير لأن خفايا القــلب ظـــــاهرة أمـــام الله ،
و حسب الإنسان شــــهادة ضـــميره .
إحذر الخدَّاعين الــذين يمدحونك ليضلّوك ،
انتقاد البار لك أفضـــــل من امتداح الخــــــــــاطئ .
لا تخدع نفسك و لا تــــــدع الآخرين يخدعــــــونك .
إن ظننت نفسك شيئاً و لســــــــــت بشيء فقــــــد خدعت نفســك ،
لأنـــــــــك ، و إن تكــــــــن أكــــثر حضوراً لنفسـك منهـم ،
فإنك تفضّل أن تطلب نفسك فيهـم لا في نفســـــــــــــــــك .
أمتحن عمـــلك لتجـد المجــد في نفســـــــــــــــــــــك ، و ليس في الآخرين ،
أي في الداخل ، في ضميرك ولا تجــــــــده في الغــير حــــين يمدحــــــــــك .
ستحمل همك ، وحـــــــــدك ، لأن مادحيك لا يخففون أعبــــاء ضــــــميرك .
ســــــــألت الله أن لا يزيدوا من أعبائك كما هي الحال في أغلب الأحيــــــان ،
حـين يغتاظون و يخــف مديحهـــم لك لأنك تعـــرض أمامهـــــم بكبريــــــاء ،
ما هـــــــــــــــــــو لك بـــــــــــدل أن تظهـــــره باســتمرار .
أني لا أتوقف على كل ما يسعك أن تلفّقه عن نفسك ســــــــــــــعياً وراء مديـح النــــاس .
و هل نجــــد ما هو أشد ظلاماً من هــــــذا العـــــمى الذي يهيب بك إلي ذلك المجد الباطل ،
و اســـــــــــتثمار الضــــــلال البشري و احتقــــــــــــار الله الشاهد في قلبك .