الفصل الخامس عشر
في الفضائل الرئيسية الأربع
إن أدت بنا الفضيلة إلي الحياة السعيدة : فأني أؤكـــد بأن لا كمال في الفضيـلة ،
إلا بمحبـــــة اللـــــــــــه الســـــــــامية .
أما ما يســـــــــــمي بالفضيــلة الرباعية : فهو تنوع في التعبير عن الحـب ذاتـــه ،
بقدر ما يدركه عقلـــــى .
و تلك الفضائل الأربـــــــع : التي أرجو الله أن يضع قوتها في عقول الناس ،
كمـــــــا هي أســــــماؤها في أفواههم أتجاسر فأحددهـــا على الوجه التالي :
الإعتدال هـو : الحب الذي يقــدمه ذاتــــــــه لمحبوبــــة كـــــاملاً .
القــــوة هي : الحب الذي يحتمل كل شيء في ســــبيل محبـــوبة .
الـــــبر هـو : الحب الذي لا يخدم سوي محبوبة فيسيطر بصـدق .
الفطنـة هي : الحب الذي يميز بين ما يساعد على البلوغ إلي الله ،
و بين ما يمنع عنه .
و لكن هذا الحب ليس حباً عادياً بل حـــب اللـــــه الخــــــير الأسمى ،
و الحكمة السامية و الســـلام السامي .
لذلك يجوز لنا أن نحدد تلك الفضائل على النحو التالي :
فنقــــــــول أن :
الإعتـــدال هـو : حـــب الله الكامل من دون عيب .
و القــــوة هي : الحب الذي يحتمل كل شيء وبسهولة في سبيل الله ،
و الـــــبر هـو : الحب الذي لا يخدم سوي الله .
و لذلك فهو يسـيطر جيــداً على البـــاقي ،
أي على ما هـــــــو خاضـــع للإنســـــان .
و الفطنـة هي : الحب الذي يميز بين ما يقرب من الله وما يبعد عنه .
الاعــــــــتدال : يقوم ويهدئ ما فينا من ميول تدفعنا إلي ملذات تبعدنــــا عن الله ،
ووصــــاياه وعن ثمر صـلاحك التي هي كما أوجز الحياة السعيدة ،
هنــــاك كرسي الحقيقة التي تصيرنا ولا شك سعداء متى تمتعنا بمشاهدتها واتحادنا بها ،
أما إن ابتعدنا عنهـــا ووقعنـــا في أضــاليل كــبيرة وألام فادحـه أسمع قـــول الرســول :
( حـــب المال أصل كل شر ، وهـــــو الـــــذي رغـــب فيــه
قوم فضلّوا عن الإيمـان ، و طعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة ) .
الإنسان الأول أرضـي من الأرض ،
والإنسان الثاني سماوي من السماء .
كما في الأرضي كذلك الأرضيـــــون :
وكما الســــماوي كذلك الســـماويون ،
وكما لبست صورة الأرضــي ،
ألبـــس صورة السماوي ،
أن أخلع الإنسان العتيــــق ،
والبس الجـــــــــــــديد .
وعليه ، يقـــوم الاعتـدال في أن ينزع المــرء الإنسان العتيق ،
ويلبـــــــــــــس الجديد في الله ،
أي أن يــــرذل مغريات الجسد والمجـــــــــــــد البشــــــــــري ،
ويصوب محبته كاملة إلي ما هو إلهي وغير منظـــــــور .
أحــــــب الله وحـــــــــــــــــــده ،
وأرذل كل ما هـو محســـوس ،
واســـــتخدمة فقــــــط ،
لقضاء حاجات الحياة ،
والدنيـــــــــــــــــــــــــا .
ضع فيك حداً للجشع الفكري الباطل ،
إن شئت أن تظـــــــل عفيفاً في خـــدمة الله كـــلامي عن القــوة قليل :
القــــوة هي الحــــب الذي يجــــــــب أن يكــــــون مضطــــــرماً لله ،
فيكبح جماح رغباتنا في الخيور الأرضية حتى إذا خسرها كان قوياً .
لما خســــر أيـــــوب مـــــاله كلّه وأًصــــبح معدمــــــــــــــاً ،
ظـــــــــــــل متحــداً بالله في قلبـه اتحــــاداً لا يتزعـــــــتزع ،
وأظهــــــر عدم اكتراثه برزقـــــه وأعتبر الله أسمي كنز له .
لو تحــلي أبنـــاء عصـــرنا بجــــرأة ممـــــــــــاثلة ،
لما كنــــا بحاجـــــــــــة إلي قـــــدرة الكتب المقدسة ،
كي نبعـــد عنا تلك الخيــــور بلوغـــــاً إلي الكمـــــال ،
لأنـــــــــه أفضـــــل لنـــــــا ألاّ نتمسـك بتلك الثروات ،
التـــــــــي في حوزتنــــــــا من أن لا نملكهــــا أبـــداً .
ومـــــاذا عن الــــــــبر الـــــذي لله ؟
يهبُ البر من يحـــــــب الله قاعدةً للحياة ،
تساعده على أن يخــدم الله الذي يحبــه خدمـــةً طــــــــــوعية ،
لكونـــه الخــــير الأســـمى والحكمة السامية والسلام الأسمى ،
وعلى أن يســيطر عـــــــلى ما هــــو دونــــــــــــه ،
ويحسن ظنـــــــــــــــــــــــاً بما يجب أن يخضع له .
وعلى الفطنة أن تتسلح بالانتباه والسهر التام ،
لئــــلا تقـــــع فريســة مشــــــير عــــــــاطل ،
ولذا قال الـــرب اســهروا وصـلوا ثم يضـيف :
( ما دام لكم النور لئـــــــــــــــــــلا يدرككـم الظـــــــــــلام ،
و الذي يســـــــير في الظـــــــلام لا يعلم إلى أين يذهب )
" يو12 : 35 "
وهـل نقــــول عن الخمول النفساني ،
الـــذي يمنعنا من إدراك خبث الحية ،
كلاماً واضحاً من كـــلام النبي القائل :
( إن الذي يحتقر اليسير يسقط شيئاً فشيئاً ) .
" بن سيراخ 19/1 ".
إن أعوزتك الفطنة :
فلا مجـــال لسـواها من الفضائل ،
التي ســـبق الكـــلام عنهـــــــــا .
ومـــــاذا أضيـــف ؟
إن كـان الله خــير الإنسـان الأسـمى ،
فـــلا ريـــــب إن كل من تاق إلــــي الـــخير الأسمى ،
عـــــــــــاش عيشـــــــــــة صالحة .
ومن عاش بصلاح ،
أحــــــــــب الله من كل قلبه ونفسـه وضمــيره ،
فيحفظ الاعتدال هذا الحــب ، من كل فســــــاد ،
والقـــــــــــــــوة تحفظه من التحطم أمـــام التجارب ،
والــــــــــــــــــبر يخُضـــــــع كل شيء لله وحــــــده ،
أما الفطنــــــــــة فتحــــــــولّ قواها لتمييز الأشياء ،
لئـــــــــــــــــــلا يقع الإنســان شـــيئاً فشــــــــــــيئاً ،
فريســـــــة الغــــــش والخـــــداع .
ذاك هو كمال الإنسان الذي يؤهــــــــــــله
لأن يتمتع بالحقيقة عن طريق الصــــــدق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
|