الفصل الرابع
في أن الكبرياء
هي أكبر عائق في سبيل الكمال المسيحي
لا تسمح لك الكبرياء بأن تكون كاملاً ،
و لا شـــــيء مثلهـــا يعـــــوق الكمال .
كثيراً ما سمعت الرب يقول في الإنجيـــــــــــل :
( دعوا الأطفال يأتون إلي و لا تمنعــــــــــوهم
لان لمثل هؤلاء ملكوت السماوات )
( مت 19 : 14 )
( ثم يعود فيقول :
من لم يأخذ نظير طفل ، ملكــــــــــوت الله ،
فلا يســـــــــتطيع أن يدخلــــــــــــــــــــه )
( مرقس10/14- 15 ) .
و في نصوص أخري كثيرة ،
يشجب ربنُا بما قدّم من مثل رائع في التواضــع ، تشــــبهاً بسن الطفـــولة ،
كـــــــــبرياء الإنسان العتيق ، الــذي يعمل على أن يجدد حياته بشكل حقير .
تعتد بكــــــبرياء عظمتك الفارغــة ،
التي لا تسمح لك بـــــــــــــــــــأن :
تسير في ســـبيل كثير الوعــــورة ،
ولا أن تدخل في باب ضيـــــــــق .
أما الطفـــــل فيدخــــــــل بســــهولة مــــن الباب الضيق ؛
وعليـــــــه ،
فـلا أحــــــد يدخل ملكوت السماوات إن لم يكن كالطفل .
أنتبه ، أنتبه و قدّر :
الكمال المسيحي لا يقوم بأن تعمل إرادتــــــــــــــك ،
بـــــل إرادة من خلقك .
و بمــــــا أن المسيح قد علمك الكمال قــــــــــــــال :
( أنا لم آت لأعمل مشـــــــــــــيئتي
بل مشيئة من أرسلني )
( يوحنا6/38 ) .
المتكـــــــبر يعمـــل إرادتـــه ،
و المتواضع يعمــل إرادة الله .
داو الكبرياء تشـفَ من كـــــل إثـم :
لقد نـــــزل ابن الله و اتضــــــــــع ،
لكي يـشفي مـــــن علة العلل كلها ،
التي هي الكــــــــــبرياء .
و لــــــــــماذا تســــــتكبر أيهـــــــــا الإنسان ؟ لقــــد تواضع الله مـن أجــلك ،
إن كنت تخجل من الإقتداء بتواضع الإنسان ، فاقتـــــد ، أقـــــلّه ، بتواضع الله .
لقد جاء ابن الله إنساناً و صـــار متواضعـاً :
يطــــلب إليــــــــــــــك أن تكون متواضعـــاً ،
لا أن تنتقل من حــالة إنسان إلي حــــيوان :
الله صـــــار إنســـاناً ، و يقــــوم تواضــعك على أن تعرف ذاتك .
إن كنت ، حتى الآن ، قـــد وجدت الســبيل الســــــــــــــــــــوي ،
فخف من أن تخسره بكـــــــــــــــــبريائك .
إن بدأت تســــــير في الطريق السوي : فاعبـــد الــــــــــرب ، بالخوف لئلا تضل الطـــــريق ،
و أحذر الكبريـــــاء . لأنك حيث تتكبر تفقد ما أخذت .
أتجاسر فأقول : أنه لنافع للمتكبرين أن يسقطوا في خطأ واضح و صريح ،
لكي يشــــــمئزوا مـــن نفوســــــهم ،
بعـــــد أن ســــــقطوا و هم راضــــــــون عـن ذواتهـــــــم .
بكي بطرس فأحـــــس باشـــــمئزاز خلاصـــــــي في نفســــه ،
لم يعرف مثيــــــــــــلاً له ساعة كان معتداً بقواه .
و أتجاسر فأقول : أنه لنافع للمتكبرين الضابطين لنفوسهم أن يعثروا .
لكي ينســــــــــحقوا من جراء هذا الأمر الذي بـــــه يزهون و يفاخرون .
و في الحقيقة : أي نفع لـــــك من ضبط النفس إن كنت للكبريـــاء عبداً ؟
نبذت أصــــلك الذي منه ولدت و تشتهي لك ما تسبب بسقوط الشيطان ؟
أحتقرت الأعراس فحســـناً صنعـــــــــــــت ،
و أخترت الأفضـــل و لكن ، إياك و الكبرياء.
ولـــــــد الإنسان في الأعـــــــراس ،
و سقط الملائكة من جراء كبريائهم .
قداسة المتبتلين أفضـل مــــن طهارة المتزوجين .
وإذ قارنــــــــا بـــــين هــذين الشـــــــيئين معـــاً :
هل هــــــــــذا أفضل من ذلك ؟ فمن ذا يشــــــك ؟
أقارن بــــــين خــــــــــــيرين ، و لست أقارن بين الخير و الشر ،
إنما أمـــــــيّز الصـــــــــــــالح ممّــــــــــــــــــا هو أصـــلح منــه .
و لكن حين أضع للمقارنة الكبرياء و التواضـــع فهل يسعني أن أقول :
طيبــــــة هي الكبريــــــــاء و لكن التواضــــــــع أطـــــيب منهــــــــا ؟
الكبرياء شر و التواضع خير إذا كان أحدهما شراً و الآخـــــر خـــــيراً ،
أضــــف الشر إلي خيرك الأكــــــبر يصبـــــــــــــــــــــح كلـــه شـــــــراً ،
و أضف الخير إلي ما هو أقل خيراً في المتزوجة يصبح خيراً كـــــــبيراً .
للمتزوجــــة مكان أحقر ، في ملكوت السماوات ، من مكان العـــــذراء ،
للعــــذراء مكان أسمي و للمتزوجــــــــــــــــــة مكــــان أحـــــــــــــــقر ،
و مع ذلك فكلتاهما فيه ، نظــير نجمة نـــــيّرة
و نجمة مظلمة ، برغم أنهما في السماء .
لو كانت المتزوجـــــة متواضعة و العـــــــــــــــــــذراء متكـــــــبرة ،
لنالت الأولي مكانهـــــا و بقــــــــيت الثــــانية بلا مكــــــان ،
و هـــل يجد محــــــــــلاً آخـــــر من لن يكون له محل في الســــماء ،
ألا مـع من سـقط منها طـــــــــــرداً ؟
سقط الشيطان حيث طـــــرد الإنســــــــــــان واقفـــــــــــــــــــاً ؛
بيد أن المسيح نـــــــــــــزل فأنهض من كان ملقي على الأرض .
ملكــــــــك متواضـــــع و أنت متكـــــبر .
أيكون الرأس متواضعاً و العضو متكبراً ؟ حاشا .
من أحب الكبرياء أبي أن ينتسب إلي جسم الرأس المتواضع ،
و إن لم يكن في الجسم فلينـــظر أين يكــون .
أني لا أريد أن أنطق بهذا الكلام مخافة أن أبدو أمامك مخيفاً .
و مع ذلـــــــــــــــك ليتني أخيفـك و أنفعك بشيء .
ليــــــــتَ من كـــان هكذا أو كانت هذه حاله ، لا يتجاوز الحد .
ليتنــــي أحفــــــــــر هـــذه الكلمـــات على قــــــــــلبي ،
فلا تضيـع ، كل رجائنـــا في رحــمة اللــــــه ،
لأن الذي يخيـــــف يحزن و مـــــــــن يحــزن يغـــري ،
و من كان حزينــاً صــــار صــالحاً .