الفصل السادس
ما أحسن إله إسرائيل لذوي القلوب المستقيمة !
ما أحسن إله إسرائيل للذين لا يقاومــــــــــونه بل يخضعون إرادتهم لإرادتــه .
و لا يخضعــون إرادتــه لإرادتهم .
إليك وصــــــية وجيزة توجيهاً لقلبك : أعمــــــــــــل إرادة الله و لا تردْ أن يعمل الله إرادتك .
إذا لم تكن قادراً على فهم حـــــكم ما و السبب الذي من أجله صنع هــذا دون ذاك ،
فمن الأفضل لك أن تقبل بحكمتـــــه و تؤمن بحسن صـــنيعه ، و لو لم تفهم السبب .
رسخّ هذه الفكرة في قلبــــــــــــــــــــك و لا تدع العدو ينتزعها منك :
وهــــــــــــــــي : أن الله قــــادر على أن يعمل دون ان تفهم السبب ،
و إن من لا إثم عليه لا يرتكــــــــــب إثمـــــــــــــــاً .
إن خـــــــــــــــفي السبب عليــــــــــــك فأنظــــــــر إلي ذاتـــــــــــــك ،
و إلي ما أنت عليه من الجهـل .
لا تطلب ما هو أقوي منك ، و لا تســتقص ما هو أعمـــــــق ،
بل تأمل دائماً بما أمرك الرب به ،
إن الله يعــــرف ما يعمــل . أما أنت فخـفَ و كن صالحــــــــاً .
أعلم أن : ما يحدث ههنــــــــا ، ضد إرادتك ،
لا يحدث إلا بإذن الله و إرادته و سابق علمه و أمره و بمعرفته منه .
فإن لــــــم تدرك الســــــــــــــبب فدع هذا الهمَّ للعناية الإلهية التي لا تعمل شيئاً بلا ســــبب .
و إن بدأت تناقش أعمال الله قائـــــــلاً : لمَ هــــذا ؟ و لــــــــمَ ذاك ؟
و هذا ما كان لازماًُ لأنه شر ، فكيف تسبح الله بلســــانك ؟
أنظــــر إلي كل شـــيء نظــــرةً ترضــــــــــــي الله ،
و سبح الخــــــــــــالق لأنك إن دخلت حانوت حداد ،
لما تجاسرت أن توجه اللوم إلي الكور و المطارق و المنافــــخ التي فيــــه .
و مع أن صــــــاحبه رجل جاهل لا يدرك علل الأشياء فلا يجرؤ أن يوجه إليها لومه .
إذا لم يكن عامـــــــــــلاً حــــــاذقاً ، بل كان راجح العقـــــــل ، فماذا يقـــــــول ؟
المنفــــخ لم يوضع هنا بلا سبب : المعــلم يدرك الســـبب و إن لم أعــرفه أنا .
أنت لا تجرؤ على أن ينتقد الحداد في حانوته ؛ ثم أتلوم الله في هذا العالم ؟
يحــــــــــسن بك أن تنصاع طوعاً لإرادة الله التي تريـــــــــدك :
حيناً ذا صحـــــة جيــــــــدة و مريضاً حيناً أخر .
إن قبلت إرادة الله متى كنتَ في صحة جيدة ،
و رفضتهـــــــــا مريضــــاً فلستَ مستقيم النية .
إرادته قويمة أما أنت فأعوج ، قـــــــومّ إرادتك بحســب إرادته ،
و لا تخُضع إرادته لإرادتـــــــــــك .
إن أصبت نجاحاً في هذه الدنيـــا فسبّح الله عـــــــــــــــــــــــزاءك ،
و إن تألمـــــــــــــــــــــــــــــــت فسبح الله الذي يؤدبك و يمتحنك .
إن طلبتَ صحة الجسـد فلا تهتــــمَّ بطلبــــك هـــذا كثـــــــــــيراً ،
إلاّ إذا طلبت الصحـــــة لكي تخــــدم الله الذي يعطيكهــــــــــــــا ،
إن رأي فيها ، خيراً لك و إلاّ منعها عنك .
كم مريض سمر على سريره ولا خطيئــــة عليـــــــــــــــــــــه ،
لــــــو أن صحته جيـــــــــده لكان أستعملها لإرتكاب الجرائم .
كم من الناس يؤذيهم حسن الصحة .
و من الأفضل للســــــارق الذي يسطو على الناس بقوته أن يكون مريضــــــــــــــــــــــــــــــاً ،
و من الأفضل لمن يسطو عـــــــــلى أمـــلاك النــــــــــاس أن يكون مريضاً بالحمى في فراشه :
كم هــــو بريء مريضــــاً و أثيم معافي !
الله عالم بما ينفعك : نقّ ضميرك من الخطـــــــأ و إذا ما حلت بك مصيبـــــــــة جسدية فتتضرع إليه .
كيف تعـــــــــرف أن اللــــــــه لا يريـــــــــــــــد لك الشـــــــفاء؟ التــــــأديب لا يزال مفيــــــداً لــك .
و كيف تعـــــــــرف مقدار الفساد في اللحــــــــــم الذي يقتطعه الطبيب حين يضع مبضعه على الفساد ؟
لا يـــــــــدري ما يعـــــــمل و أنيّ يجـــــــــــــــب عليه أن يصــــــــــل ؟
و ما نفعـــــك من الاعتراض عــلى مبضع الطبيب الذي يجري عمليته ؟
أنت تصرخ و هو يبتر:
أنــــــــــــــــه لقــــاس لكنــــــــــــــــــه لا يسمع لصراخــــك ،
أو بالأحرى انه لرحيم لكونه يتابع الشق ليشفيك من مرضك .
قال ابن الله: أنا لا أطلب مشـــــــــــيئتي بل مشيئة الذي أرسلني
و أنت تطلب مشــــيئتك ؟
قوّم قلبــــــك و وجهه صوب إرادة الله ، و إذ أفســـــــــــــــــــــد الضـــــــــعف البــــــشريّ
عليـــــــك صفـــــــــوك فالعدل الإلهي هو عزاؤك.
و مع أنك تريد لنفسك بقلب فإن ،شيئاً فقد تظنـــه ضـــــــرورياً في الوقت الحاضر لقضيتك أو لعملك
عليــــــك حيثما تفهم و تدرك أن إرادة الله مخالفة لإرادتك أن تؤثر إرادة من هو أفضل على إرادتـــك
و إرادة القــــدير على إرادة الضعيف و إرادة الله عــــلى إرادة الإنســــــــــــــــــــــــــــــان.
إذا كــــــنت غير مستقيم ،
فباركت الله في الســـــراء ، و لعنته في الضراء ،
كنت فــــــي تجديفك عليـه ، ســــــاعة المحنـــة ،
كالخــــــادم الخســــــيس الذي يحب معلمه ، ملاطفاً ، و يكرهه ، مؤدبــــاً ،
و كأنـــــــه لا يعــــــد لك المـــــــيراث ســــــواء الاطــــــــــــفك أم ضربك .