الفصل الحادي عشر
في البخــــــــل
إن كانت الكبريــــــــــــــــــــاء أصل كلّ خطيئة ،
فأكيد : أن أصل الشرور كلها البخــــــــــــــــل .
وفي الكبريـــاء تجد البخــــــــــل حين يتجاوز الإنسان الحد .
وما هو البخل ؟ أن يطمع الإنسان بأكـــــــثر من كفـــــــــافه .
أنا لا أدري كيف يؤثر البخل في قــــــلوب النـــــاس ،
فيؤثمونه في أحــــــــاديثهم ويرضونه في أعمالهم .
شعراء كثيرون ومؤرخون وخطبــاء وفلاســـــــــــــــــــــــــــفة
قالوا في البخل أشياء هامة وصحيحة وكذلك الأدباء والمهنيون .
عظيم الإنسان الذي ليــس بخيـــــــلاً ؛
وأعظم منـــه من لا يسكت عن عيوبه.
كثيرون قالوا : أصل الشـــــــرور كلهــا البخــــــــــــــــــــل
إنما لم يقـــــل فيلسوف واحـــــــــــــــد:
( أهـــرب مـــــــــــــــــــــــن الشهوات الشبابية
واقتف البر والإيمــــــــــان والمحبة والسـلام
مع الذين يدعون اسم الرب بقــلب طـــــــاهر )
" 2تيموثاوس2-22 " .
لم ينطق أحد منهــــــــــــم بشــــــــــيء من ذلـــــــــك ،
وما أبعد التقوى الصحيحة عن الأفواه الكثيرة الجعجعة .
عليك أن تعمــــل عمــــــلك حباً بالله
إذ لـــــو بشـــــر بعبــــــادة الله الحق لقــــضي على من يهوي البخـــــــل .
عارُّ على الإنسان أن لا يحمر خجلاً إذا قبــــح الكفـــــرة جماح البخل فيهم ،
وإنقاد إليــــــــــــه عابد الله الحــــق ؛ وأصبح ذاك الذي اشتراه المسيح بدمه أسير البخل .
أنت من أســـــره اللــــــه . تبناك الله فصرت له ابناً بنعمة منه ، دون أن يكون لك فضل بذلك .
أنه لمن المؤسف والخطير أن يســــمّرك البخـــل على الأرض ،
ساعة تقول : ( أبانا الــــذي في الســــــموات) ،
هذا الأب الذي يجعلنا نحتقر كل شيء حتى ذاك الذي ولدنــــــــا فيــــــه ،
لأنك بنعمة منه ولدت ولادة جديدة .
استخدم هذه الأشياء لقضــــــاء حاجتـــك وليس لإشباع شــهوتك .
وكن كالفندق للمسافر لا كالملك لصاحبة . جدد قواك وكمل طريقك .
القـــــوت والكســــــوة ضــــــــروريان على طريق الموت فاجعلهما كافيين لك في سفرك .
ولم تحمل نفسك كثيراً؟ ولمَ تحملُ كثيراً في طريق قصـــير؛
حـــيث لن يســــعك أن تستعين بإنسان على اجتيـــــــازه ؛
بل بالأحرى ســــوف يثقل عليك الحمل فلا تعـــــــــــــــود قـــــــادراً عـــــــلى عـــــــبوره .
ومن العجب العجاب أن تكـــــــون تلك هي رغبـــــــــــــــــــــــــــاتك :
تثقل على نفســــــك وتحمل الكثير ، فيضغط المال عليك في الطريق ؛
وفي الطريق أيضاً يضــغط البخل .
بخلُ القلب قذارة .
من هذا العالم الذي أحببتــــه لن تحمل معك شـــيئاً ، سوي الرذيلة ، التي أحببتها .
إن ثابرت على محبته العالم ، فالذي صنع العــــالم لن يجـــــــــــــدك نقيــــــــــــــاً .
إن أوثقت قلبــك بالمــــــــال أنزلت فيك آلاماً كثيرة .
أهـــــرب من الذهــــب هـــــــــربك من عدو ؛
إن كــــــــنت تحـــاول أن تهرب مع الذهب فاهرب منه لأنه خادم لك .
كن بــــــــلا جشــــــع ولا تكن بلا رحمــــة .
إن كنت سيد الذهب ، لا خــــــــــــادماً له ، استعملته استعمالاً حسناً ؛
إن كنت ســـــــــــيده اســـــــتخدمته للخير ؛ وإن كنت عبده استخدمك للشر .
إن كنت ســــيده ، فالذي تكســــــوه يسّــبح الـــــــــــرب ؛
أو كنت له عبداً ، فالذي يبقي عرياناً بسببك يجدّف عليه .
الجشع يجعلَك عبداً والمحبة تصيّرك حراً .
إن لم تهرب من الجشـــع ، صـــــرت عبداً لهـــــذا أهــــــــرب منه لم ترد أن تكون عبداً.
ها أنــــــــك صرت تعـرف ما يجب عليك أن تتجنّبه وما يجب عليك أن تقبـــــــــل إليـــــه ؛
لأنــــــــــه لا يحـــــق لك أن تخلّف ، من دون سبب ، شيئاً ســـعياً إلى ما لا يقوم مقامه .
أقتف البرَّ والإيمان والتقوى والمحبــــة ؛ فأنهـــــــا تجعلك غنيــــــــــــــاً .
وإنــــــه لغنـــــــيّ باطـــــــني ، هذا الذي لا يصل السارق إليه ،
ما لم تفتح له الإرادة الشريرة بــــابــــاً .
أحفظ ضميرك كــــنزاً خاصـــــاً بــــك ؛ بحيث لا سارق ولا عدو ،
وإن قديـــراً ، يسعه أن ينتزعه منك ؛
حــــــــــــتى إذا خرجــــت عريــــــاناً خرجــــــــــت مـــــــــــلآن .
ولمَ تتعــــبُ ســـــاعياً وراء الذهـــب في أســــــفار طــــــــويلة ؟
أحــــــــــــــــبَّ غـــني الســـــــــــــماء تمتــــــــــــــلئ منـــــه فــــــــــــــــوراً .
إن فتح القلب فينبــــوعه لا يختــــفي . الإيمان مفتاح القلب هو يفتح وينقي .
لا تظنن نفسك عاجزاً عن استـــــيعاب كنز كبير بهـــــــــــذا المقــــــــــــــدار ،
غناك إلهـــــك متى دخل القلبَ وسعّه .
البخـــلُ ســــــــيد شرير يمنعك من عمل الخير .
أنـــــه لســــــيد شرير يوسوس لك بالــــشر . فماذا قال لك ؟
حافظ على المال لنفسك ولبنيـــــك ؛
لأنــــك إن احتجت إليه فلا أحدَ يعطيكــــه .
لا تحيَ للوقت الحاضر بل فكّر بالمستقبل .
أيها الحر ، المدعوُ إلي الحرية إن أستعبدك سيد كهذا ،
كان اســــتعباده لك ، مخالفاً للصــــــواب ؛ أعرف من افتداك وحــــررك ؛
أخدمـــــه لأن ما يأمر به سهل وليس يأمر به ســـــهل وليس يأمرُ بما هو شاق وشر .
يبــــــــــــــدأ الرب فيدعــــوك إليــــه ؛
إنما لا يخدمه أحد في بيته رغماً عنه .
أسلخ نفســـك عــــــــن البخــــــــــــــل وهلم إلي إلهك ؛
إن كــــــــنت للإثم عبداً فكن منذ الآن عبــــــــداً للـــبر .
واضع نفسك كمن يريد أن يخــــــفف من بخــــــــــله .
سل أين تخدم .
سوف يريك البخل نفسك في مكان حــــــصين ،
ومخـــدع أمــــــــين .
وصندوق من حــديد .
حصن كل شيء فيك ؛
لربما ســــــطا اللص البيــــتى عليك من الداخـــــــــل ،
فخفت على نفســـــــك منــــه ، وأنت ساهر على مالك .
وقــــد يفكر بأن يقتلك السارق وأنت تحاول أن تجمـــع .
وأخيراً يسعك أن تخفي مالك وثيابك عن اللصوص في مكان أمين .
عليك أن تمنع عنهـــــا الســــــــوس والـــــــــعث . ماذا تعمـــــل ؟
العدو الســــــارق لن يأتيـــــك من الخــــارج بل من الداخل .
وبالنتيجة ،
فالبخل لم يعطك مشورة صـــالحة حين أوصاك بالمحافظة على مالك ؛
ولم يرشدك إلي مكان أمين تخفيــــــــــه فيــــــــــــــــــــــــــــه .
يقول لك البخــل . أنتبه لغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدك .
أي غد هو هذا ؟ انتبه لهذه الأيام القليلة غير المضمونة .
ويقول : أنتبه لغدك . ولمن يقول هـــــــــــذا ؟ يقول الإنسان قد لا يري الغد .
ولكنه يعيش طويلاً وفقاً لما تنبَّأ عنه البخل . إنما بخـــــلاف ما يتصــــــــور .
وعلى قدر ما هو ممـــكن . ولكن أياً كان عمره فلابد وأن ينتــهي .
ومع أنه يصبح عجـــوزاً محـــــدوب الظــهر ، متكئاً على عصاه ،
يظل يبحث عن الربــــح
ويظل يسمع البخــــــــــل يســــرّ إليه قـــــائلاًَ ( فكر بالمستقبل )
وأي مســــتقبل ؟