الفصل الثاني
لا يســــعك أن تعـــــــــــرف كيف تنتهـــــــي حياتك ؛
إنما يسعك أن تحيا بطريقة تنهي بها حياتك مطمئناً .
أنتق رسالتك لئــــلا يؤذيــــك العقـــــــاب ، إذ لا مكافأة على الرسالة السيئة ،
بـــــــــــــل عقـــــاب عــــــــــادل .
كل إنساناً أياً كان يهوي أن يكون سعيداً ؛ وما من إنســـان إلا ويهــوي ذلك .
وإن أحب شـــيئاً دون ســــــــــــــعادته ، فإنــــه يحبـه في ســيل ســــعادته .
ينقــــــاد البشـــر إلي شـهوات مختلفــة : هـــــذا يشتهي هذا و ذاك يشـتهي ،
و لهــم أساليب متنوعـــــة في الحيـــاة ، فيختــار أحــــدهم هذا الأســـــلوب ،
و الآخـــر أســـــــــلوباً آخـــــــــــر ،
و برغم تنــــوع أســــاليب الحيــــــــاة ، فلســــنا نجـــــــد إنســاناً واحـــداً ،
لا يتوق إلي الحيــــــاة الســـــعيدة .
الحياة السعيدة امتلاك مشترك لكل شــيء :
إنما الخـــلاف ينشـــأ من الســبيل إليهــــا ،
ومن الأسلوب المعتمــــد حصــولاً عليهــا .
إن طلبت الحياة السعيدة في أمور الأرض ، فلا أدري إن كنت تجدهـــا .
لا ، لأنــــــــــــــك تطـــــــــلب شــراً ، بل لأنك لا تطلبها حيث هي .
واحــد يقــــــــــــــــــــــول : هنيئاً للمحــــــــــــاربين .
و آخر يناقضــــه قائـــــلاً : هنيئاً للفــــــــــــــــلاحين ؛
و إذا بثـــــــــــــــــــــــــالث يتنكر لمقالهمــــا فيقــول :
هنيئاً للعامــــــلين بحكمــــة في خدمــــــــــة الشـــــــعب ،
المدافعين عن قضاياهم المنظمين لحيــاتهم وموتهم .
ثم ينبري آخــــر معلنـــاً : هنيئـــــــاً للــــــذين يقضـــــــون بــــــين النــــــاس ،
فيستمعون إلي شـــــكاويهم ، ويفصــــلون فيهــــــا .
و يعلن أخر مؤكداً بأن : الطــــــوبي هي للمسافرين بحراً ،
السائحين في شتي المنـــــاطق ،
الجامعين لإربــــاح طــــــــائلة .
إنك تـــــري في هــذه المجمـوعة من أســــاليب الحيــــــــــــــاة ،
أن لا شيء يرضي الناس كلـهم مع أن الحياة السعيدة ترضيهم .
وما معني رضي النـــاس بالحياة السعيدة وعدم رضاهم بأية حياة أخري .
ما هـــي الحيـاة السعيدة التي ينشــدها الكل دون أن يحصــلوا عليهـــا ؟
لقد حفرت الطبيعة في قلب كل إنسان رغبةً في تلك الحيـــاة وخــــــــــوفاً من المـــــــــوت ،
حتى أني ان ســـــــألت إنســــاناً قائـــلاً له : أتريد أن تكون صحتك جيـــدة فلا يجيبني كلا ،
إذاً لا أحـــــــــــد يريــــــــــــد أن يكـون مريضاً .
إن كانـــــت العافيـــــــــــــــة : عزيزةً على قلب الغني فإنها كنزُ الفقير الوحيد .
ولكن ما نفع الغني من ماله : إن فقـــد صحتــــه التي هي ثـــــروة الفقـــــير ؟
رب ،
غنيّ يتمـــــنيّ أن يســــتبدل سريره الفضـــــي ،
بعباءة الفقير المنسوجة من شعر المـــاعز ،
لو أتيح له أن يهجر المرض مع الســـــرير .
جميع الناس متفقون على أمرين : الصحة والحياة ؟
وهل يتفق الناس على :
الخدمة العســكرية مثلاً والزراعــــة والملاحــــة ،
فى حين ان الجميع متفقون على الصحة والحياة ؟
وأنت يا ذا الصحـــة الجيـــدة ألا تطلب شــيئاً آخر ؟
من لم يقنع بالصحة التامة والحياة الكاملة جشـع
ومصاب بانحراف خلقي .
ولكن متى خشي على الصحـة أن تنتهي ، كالحيــــــاة ،
فليســت الحيـــاة حياة دائمـة بل خـــــــوف دائـــــــــم ،
والخوف الدائم عذاب دائم ، إذ ذاك أين الحياة الأبدية ؟
و تعتقد بكل تأكيد أن : لا سعادة في الحياة إن لم تكن أبديــــــــــة .
وإن لم تكن الحياة أبدية دائمة التجــدد ،
فليست حيـــــــــاة ســــــــــــــــــــعيدة .
ها إنـــك تجــــد الآن مــــا يرضـــــي الكــــــــــــل :
لقـــــــد وجدته حقاً في فكرك قبل أن تحصل عليه .
الجميع يتوقون إلي ذاك الخــــــــــير ؛
وليس إنســـــــــان إلاّ ويتــوق إليــه ،
سواء أكان شريراً أم صالحاً فإنه يتوق إليــه :
الصـــــالح يطــــــــــــلبه بثقــــــــــــة
والشرير يطـــــــــــــلبه بوقاحـــــــة .
يا شرير ، لمــــــاذا تطــــــلب الخــــــــــــــــــــــــير ؟
ألا تجــد جوابـــــاً على طلبك بأنك تسعى إلي الخير ؟
ألســـت تبحـــــث عن شيء غــــــــريب ؟
إن طلبت الخير الأسمى ، أي الحيـــــــاة ،
فكــــــــن صالحـــــــــــاً حتى تصل إليه .
( إن شئت أن تحيــــــــا فاحفظ الوصايا )
( متى 19/17 ) .
و متى وصلت إلي الحيــــاة الأبديـــة ؟
ولم أقول الأبديــــــــــة ؟
ولم أقول الســــــــعيدة ؟
حســــبي أن أقــــــــول : الحياة التي هي في آن واحد أبدية وســــعيدة .
متى وصلت إلي الحياة : ضَمنت لنفســــك فيهـــا البقـــاء إلي الأبـــــد ؛
لأنك إن بلغتهـــا وما عرفت إنك فيها إلي الأبد ؛
ظل الخوف مسيطراً عليها .
و متى كان الخوف كان العذاب عـــذاب الــروح ،
لا عذاب الجسم
و هناك الطـامة الكــــــــــبرى .
و هل من سعادة مع العـــــــــــــــــذاب ؟
ســـــعادتنا في الملكــوت العظــيم .
و أنـــــــــه لعظيم وأبدي ، لأنه بر .
في ذلك الملكــــــــــــــوت : ليس من يغشَ ولا من يَغــــشّ ،
وفيه لا يشــــك بك قـــريب لـــك .
إن معظـــــم مشاكل الناس ناتجــــــة عن افــتراآت كاذبـــة .
تظن إنســـاناً يضـــــمر لك الحقـــــد ، فــــــإذا به يحبــــك ؛
و تعـــادي من جــراء ذلك إنساناً يريدك و يعطف عليـــك .
وما حيلة من لا تثق بـــه وهو عاجز عن إن يريك قلبــه ؟
يقــــــــول لك : ( أحبك ) و طالما أنه قادر على أن يكذب ،
تكرهـــه و تــــــــأبي أن تصـــــــــــــدّقه .
أحبَّ أعــــداءك لئـــلا تبغـــض عن جهــل ، أصـــدقاءك .
في هذه الحياة لا يســــــــعك أن تدخـل باطــــن قريبــــــك ،
قبل أن يأتي الرب الذي ينير خفيات الظلام ،
ويكشـــــــــــــــف أفكــــــــار القلــــــــوب ،
حينئـــــذ يكــــون مدُح كل إنسان من الله .
(1 كور4/5 )
و بالتــــــالي إنا نريد أن نضيف الحقيقـــة إلي الحيــــاة ،
ليدرك بعضُنا قلوب بعض فلا ننخــــدع بأفكارنا الســيئة ،
و نتحقــــق من تــــــــلك الحياة الأبدية نفسها الباقية لنا .
أضــــــف الحقيقـــة إلي الحيــــــاة
تجـــــــــد الســـــعادة في الحيــــاة .
وكما أنه لا أحــــــد يريد أن يموت
كـــــذلك لا أحـــــــد يريد أن يغــش .
ارنــــــي إنســــــــــــــاناً : يرضــــي بأن يغــــــش كثــــــيرون ،
يريـــــدون أن يغشـــــوا غيرهــــــم ،
إنما لا يـــرضي أحــد الغــش لنفسـه .
أقمْ عهــــداً مع نفســــك : إن لـم تـــــرضَ الغـــــش لنفســــــك ،
فــلا ترضــــــهَ لســــــــــــــــــــــواك ،
ولا تعمل لغيرك ما لا تريده لنفســــك .
أتريد حياة لا غش فيها : لا تغـــــــــــــش في هذه الحياة الدنيـا .
الجــــــزاء يفرحـــــــك : فلا تحتقــــــــر العمـل الذي يكسـبك إياه .
عشْ حيــــــــاتك هــــذه ، بــــلا غــــش ،
تصل إلي الحيــــاة التي لا غـش فيهــا .
الحقيـــقة جــزاء الصــدق ،
و الخلود جزاء الصــــلاح في هذا الزمان .