ِالفصل الرابع
في وسط هذا العالم و مشاغلة الكثيرة التي تســــتأثر بـــــــــــــك ،
ينبهُك المســـــيحُ إلي أنّ ما يجب أن تنشــده ،
واحـــــــــد إنك تطلبــــه ، مســــــافراً لا مقيمـــــــــاً :
و تسعي إليه في طريقــك قبل أن تصـــل إلي الوطــن ،
فتتوق إليه ولا تتمتـــع به و برغم ذلك تـــابع ســـيرك ،
لا تتكاسل ، ولا تتــــوقف لتتمكن منه في يوم من الأيام .
وجّه نيتك نحو غايتك الـــــــــــتي هــــــي المســــــيح ،
ثمّ ردّ إليه ما تعمـــل و لا تبحث عمّا بعده لتتمكن منه .
وجّه نيتك نحو المسيح ، لئلا تتوقف في طريقـــك ، فلا تصــل إليه .
هلّـــــــــم إلي المسيح : فيه غايتــــك وما دونــــــه طـــــــــــريق ،
و دعْ كل من تلتقيه على طريقك أياً كان بغية الوصول إلي غايتك ،
إن إتحدت بالله أكمـــلتَ طريقـــك و بقيـــت فــي الوطــــن ،
و إن طلبت المال فلا تتخذه غاية ، بل تجاوزه و كمّل سيرك .
أطلـــــــب مكاناً تعبر منه إلي أخر ،
ولا تطلب مكاناً يســــــــــــــتوقفك .
إن أحببت المال تقّيدت بالبخل الذي يوثق قدميـــك ،
ويمنعك عـــن متابعــــة ســـــيرك .
دع المـــــــال و أبحـث عن غايتـك .
إن طلـــبت صحة الجسد فلا تكتف بهــــا ،
و ما قيمتها والمـــــــوت يقضي عليهــا ؟
و ما قيمتها و المــــرض يضنيهــــــــــا ،
و هي زائلة فانية و هـاربة ؟
أطلبهــــــــا لكــــــي يحول سوء صحتك دون قيامك بصالح الأعمال ،
فلن تكون الصحــة غايــــة لك أخــــيرة بل سبيلاً إلي شيء أخــــر .
إن ما يسعى المــرء إليه بغية الوصـــول إلي شـــــــــــيء آخـــــــــــر ،
ليس غاية منشودة لأن الغاية المنشودة هي مطلوبة لذاتها و بالمجان .
إن طلبتَ المجـــــد ، ســـــــــعيت إليـــــــــــــه ،
إما قياماً بعمل مــا أو حصولاً على رضـــي الله ،
فلا تطلبه لذاته ولا تكتف به .
إن طلبـــــــت مجـــــــد اللـــــه حسناً صنعت ،
أما إن طلبت مجدك الشخصي فشـــراً تصـنع لأنك تبقي في الطريق .
هــــا هو الإنســان يحبّــــــــك و يمدحــك ،
فـــــــــــلا تفـــرح بما يُكالُ لك من مدائح ؛
بل أفرح لأن الربّ يسبّح فيك فتنشد آنذاك : ( تعظّم نفسي الرب ) .
إن قلت كلمة و اثني الناس عليك بســـــــــــببها ، فلا تنسبها لنفسك لأن ليست فيها غايتك .
إن اتخذتهــــا غايـــــــــــــــة لك قضي عليك بها ، و ما كـانت لكمـالك بل لفنـــــــــــــــــائك .
لا تطلب الفناء بل الكمال .
أنت تقول لقد أنتهـــــيت من أكــــــــــــل رغيـــــفي
و من خياطة ثوبي ، أجل .
أنتهيت من أكل رغيفــك و خيــــــاطة ثوبــــــــــك ،
و في هذين العمـــــلين نهاية لها معني خاص بهـا ،
متى أصبح الثوب جاهز أنتـــــــــــــــــــــــــــــهي
ومتى فقد الخــــــــــــبز أنتــــــــــــــــــــــــــــهي ،
وبالتــــالي فلا تمتــــدح قولاً لك كأنه صادر عنك
و مـلك لــــك ،
بل قــــــل : أنني أفتخـر بخــــــطابي باللـــــــــه ،
و بالله أفتـــخر بكـلامي :
الله رجائي فلســـــت أخشي أحـــــداً .
إن إفتخـــرت بصـلاح أعمالك في اللـــــــه ،
فلست تخاف على مديـــــحك من الضيـاع ،
لأن الله باق و إياك أن تقنع بهذا المديـــح .
ليكن مخلصك غايةً تتـــوق إليها ،
يا من لم تـــــــــــدع للأرض بل للســــماء ،
أنت لم تـــدع لسعادة أرضـــــــــية بل لسـعادة سـماوية ،
ولا لنجاح في الأرض وازدهـــــار زائـــل ،
واه ، بل لحـــــــــياة إلي الأبد مع الملائكة .
ليكن فاديك آخـر ما تصبـو إليـه و تتـــــــــــوق ،
لأن رجاء لك و قوة ، حتى إن تألمت ، كان بعونك .
يحسن بك أن تجعــــــــــــــــل الله غايـــــــــة لـــك ،
أمــــــا إن ابتعـدت عن إلهــــــك وملت عــن خالقك ،
و قعتَ في شر هذا العالم الخبيث كالنـــهر في البحر .
إن كــــــان الله حقاً غاية لك في سعيك حــــــزن قلبــــك في هذا المنـــفي
لأن حياتك لم تبــــــــــدأ مع المســـيح ولكونك لا تزال تتنهد طلباً للوطن .
و إن سيطر الحــــزنُ عليـــك من جـــــــراء هــــــــذه الأفكــــــــار
تنهـــــدت ولو كنت ســـعيداً بحسب العالم لو غمرتك خيورُ العالم
و ابتسم لك الكونُ فـــــلا تــــزال تتنهـــد فــي ســـفرك ؛
لأنك تشعر بأن ما يســــميه جهـــــــــالُ العــــــــــالم ســــــــــعادة ،
ليس السعادة التي وعدك بها المسيح .
إن لم يكن الله غايتك كنــــــتَ أشــبه برجل ، لا أقــــدام لـــــــــه
أو بمن يعجز عن المشي لأن قدميه موثقتان .
ان طلبت خيور العالم عدوت حقاً ، إنما كان عدوك خارجاً عن الطريق .
فتضيع إذ ذاك بــــــدلاً من أن تبلـــــغ الهــــــــدف .
أركض إذن أركـــــــض على الــــطريق إذ لا فائدة من ركضك خارجاً عنها ؛
فضلاً عــــن أن ركضـــــــك هـــــــــــــذا يــــــــــــؤدي بك إلي العــــــــذاب ،
و كلما ازددت ركضاً خارجاً عن الطريق كلمـــــــــــــا ازددت ضيــــــــــاعاً .
أركض و أركــــــــــــــض على خطـــي المسيح القائل: أنا هو الحق .
أركض صــوبَ الوطــــن لأن المســـــــــــــــيح قــال: أنا هو الحق .
أركض وراءه فتســــتريح لقـــد جـــاء المســــيح إليك لكي تتبعـــه .
كنـــــــــــتَ بعيـــداً عنه بعــداً .
و لمـــــــا مرضت و عجــزت عن كل حركة أقبل الطبيب إليك أيها المريض ،
فانفتـــحَ السبيلُ أمام المسافر : أنجُ بفضله وســـــــــــــــــرْ على خـــــطاه ،
أركض الآن لتفــرح فيما بعد في الوطــــــن .