الفصل الثاني
في النية المستقيمة
في براءة أعمالك اســتعدَّ لأن تســـبحَ اللـه طــوال النهـار .
من ذا الـــــــــذي يواظبُ على تسبيح اللـه ، النهـــارَ كله ؟
إليـــك الــــــدواء الــذي يجعلك تسبّح اللـه ، نهـــارك كله ،
إن شــــــــــئت ؛ و ذلك بـــــأن تصنع جيداً كل ما تصنعه ،
فتســـــبح الله .
إنــــك لتسبح الله حين ترنم :
ومــــــاذا يعمـــل لســـــانُك إن لم يسبح ضميرك ؟
لا يطلب الله منك كلامــــــاً بـــــــــــــــــل قلبـــــــاً .
لو أنَّ لله آذاناً لحمية لاحتــــــــــــــــــــــــــاج إلي صـــوت جســدك ؛
و لو بقـــــــــــــــــيتَ صامت اللسان لمكثت كذلك دون تســــــــبيح ،
أمـــــا وهـــــــــــــو يطـــــــــــلب القلـــب فأنـــه يفحـص القــــلب ؛
باطني هــــــــــــــو الشـــــــــــــــــــــــــــــــــاهد و القاضي والمؤيدّ ،
و المســـــــــــــــــــــــــــــاعد و المكــــــــــــــافئ .
حسـبك أن تقــــدّم إرادتــك .
صــــلّ بلســــــــانك متـــــــى أســــتطعت ،
و إلا فسبّح بقلبــــك و بـارك بقلبــــــــــك ،
و ضـــــــــــــــــــعْ ، مـــــــن قلبــــــــــك ،
على مذبح ضميرك القرابين المقدســــة .
لا يتوقف الله عند العمل إنمــا يكـــــــــافئ الإرادة .
هو يعلــــــم بأنــــــــــك شئت و ما أســـــــتطعت ؛
فيعتــــــبرك قد عملتَ مــــــــــــــــــــــــــــا أردت .
إن لم تستطع أن تقتفي آثار الشهداء فعـــلاً ،
فقـــــــم بــــــــه شـــــــــــــــــــــــــــــعورياً ،
و إن لم يكــــــــــن بالمجـــــــــــد فليكــــــــن بالابتهــــــــاج .
إن لم يكــــــــــن بالاســتحقاقات فليكـــــــــن بالتمنيــــــــات ؛
و إن لم يكــــــــــن بالألــــــــــــــم فليكــــــــن بالترثي لحالهم ؛
إن لم يكــــــــــن بامتيــــــــازهم فليكــــــــن بالارتباط بهــم .
لا تظــــــــــــــــنن انتســــــــابك إلي هذا الجســـــم أمـــراً قليل الأهميــــــــــة ،
كعضو بين أعضاء لا يســــعك أن تكون مســـــاوياً لهــــــم .
ولا تظنَّـــــــــــــن الابتهاج بفضائل من فاقوا سواهم نزراً بسيطاً في الإقتداء .
هــــــــــــم كبــــــــــار و أنت صغـــــــير ، بيـــــد أن الـــــــــرب يبارك المسـكين و العظماء .
و طــــــــــــــــــالما أن الأبرار و الأشرار يعملون الأشياء عينها و يحتملون الشيء نفســه ،
لا بالأعمال و العقبات بل بالأســــــــباب ، فهكذا يتمَّـــــــــيزون عن ســـــــــــــــــــــــواهم .
كان فرعـــون يقســـــــو عــــــلى شــــعب الله بالأشـــــــغال ،
و كان موسى يفــــــرض عقوبات صارمة على الشعب ذاته ،
لأنــــــــــه أتي أعمـــــــــــالاً منكـــــــــــــــرة ،
لقد قامـــــــا بالشـــيء عينــــه إنمـــــــــا بنيــــة مختلفــة ،
فرعــــــــون بدافــــــع من السيطرة ،
و موســــي بدافــــــــع المحبــــــة .
و كان في المحل ذاته صلبــان ثــــــلاثة ،
عــــلى الأول لـــــص للخلاص ،
و على الثـــــــــــــاني لـــــص للهــلاك ،
و على صليب الوسط المسيح
الــذي سوف يخلص الواحد و يشجبُ الآخر ،
ما أشد الشـبه بيـــــــــــــن تـــلك الصــــلبان ،
و التبـاينَ بيـــــــــــن المعلَّــقين عليهـا ؟
الأشــــــــرار يضطهـدون الصــــــــــالحين ،
و الصالحون يضطهـدون الأشــــــــــــــرار ،
الأولــــــــون يؤذونهـــــم ظلمــــــــــــــــــاً ؛
و الآخـــرون ينصحونهم عن طريق التعلم :
أولئـــــــــك بقســــــــــــــاوة وهؤلاء باعتدال ،
أولئـــــــــك يعبدون شهوتهم وهؤلاء محبتهم .
إن الجــــــــــزار لا يهتــم كيـــف يقطـــــــــع ؛
أما مــــن يداوي فأنــــــه يــري كيــف يقطع ،
لأن هــذا يبـــــغي الســلامة ،
و ذاك الفســـــــــــــــــاد .
فَتَــــــكَ الكفرة بالأنبياء وَ قتَلَ الأنبياء الكفــــرة .
جـــــلد اليهود المسيح و جلد المسيح اليهــــود .
أســــلم الناسُ الرســــلُ الى ســــلطة النـــــاس
و أسلم الرسل النــــاسَ إلي ســـــلطة إبليـــس
و ماذا نري في هؤلاء كلهـــــــم ، سوي أن :
البعــــــض عملوا من أجـــــــــل الحــــــــق ،
و الآخرين مـــــــــــن أجــــــــــل الإثــــــــم .
أنــــــــاس عمـــــــلوا للـــــأذى ،
و آخرون للإصــــــــــــــــلاح .
يكون العمل صالحاً متى كانت نية القائم به صادرة عن المحبـــــة كالســـهم .
حــــــــــــــــتى إذا عــــادت من جــــــــديد إلي مركزها تسـتريح في المحبة .
ما أكــــثر من يدّعون الاستشهاد في البدع و الهرطقات ؛
فيظهرون و كأنهـــــم يبذلــــــون نفوسـهم عن أخوتهـم .
لو أنهـــــــم بذلوا نفوسهم عن أخوتهم ،
لما انفصلوا عن الأخــــوة الشــــــاملة .
و ما أكـــثر مـــن يعطـون الكـــــثير و يبذلـــون ، حبـــاً بالظهور ،
فلا يرجون مــــن كل ذلك سوي المجد العالمي و الثناء البشــري ،
المليء بالهواء غير المســــــــــتقر عــــــلى حــــــال .
عُدْ إلي ضميرك ، وأختــــــــــــــبر عَمــــــــــــلك لـــــــــــــــــــــــــتري :
إن كانــــــــــــت ، فروع أعمالك خارجــــــــــــةً عن جذور المحبة أم لا .
أمتحــن عمـــلك ، يكُــن لك في نفســـك المجــد ؛ و ليـــس للآخـــــرين ؛
و لا في شـهادة من أخــــــــر ، بل في شهادة ضميرك .
أنـــــت تحجب قلبك عن الإنســــــــــــان ،
فاحجبــــــه عن اللــــــــــــــــــــه إن أسـتطعت .
إفــــزع إليــــــه معـــــــــــترفاً ، و لا تفـــــــــــزع منــــه مختبئـــــــــــــاً ،
إذ لا يســـعك أن تختبئ عنه ، بـــــــــــــــــل أن تعـترف بـــــــــــــــــــه .
أنـــــــمِ فيــــــــك المحبــــــــة ، التـي وحـــــــدها تقــودك إلي الحيــــــاة ؛
وخــــذ ضمـــــــــــــــــــــــيرك ، الذي هـــــــــــــو مــــن الله ؛ شــاهداً لك .
لا تتباه بأفضـالك أمام النــاس ، لأن تقريظهم لك لا يرفعك إلي الســـماء ،
و لا يســقطونك منهــــــــا بانتقــاداتهم .
فلينظـــــــــر إلي أعمــــالك ذلك الـــــــذي يكافئـــك ،
و أجعــــــــل من الــــــديان الذي يقاضيك شاهداً لك .
إن كـــــــان : قلبــــــــــــــك عــــلى الأرض
أي إن كـنت تعمـــل لكـــــي يــراك النـــــــــاس .
فكيـــــــــف يســــتطيع أن يحافظ على نقاوته
من كان يتمرغّ عــــــلى الأرض ؟؟ .
أمّا إن كان : في الســماء ، فيكـــــــــــــــــــون نقيـــــــــاً ،
لأن كلّ مــا في الســـماء نقــــــــــــــــــــــــيّ هـــــــــــو ،
و مــــــــن أختلط بمادة أحطّ منــــــــــــــــــــه تلطّـــــــخ ؛
و إن لم تكن فيــــــــــــك تلك الطبيعــــــــــــــة وســـــــخةً ،
طالمـــــا أن الذهــــــــب الذي يمتزج بالفضة ، يتلطخ بها .
و هكـذا فــــإن نفســـــــك تتدنس بالشهوة الأرضـية ،
مع أن الأرض بطبعها و جنسها نقيــــــــــــــــــــــة .
أطـــرح عنك ما في الأرض ، إن شئت كنزاً لك في الســــماء .
و أعـــلم أن : أعمــــــــالك ســــوف تكــــــون نقيــــــــــــــة ،
و إن اللــــه يرضي عنهـــا متى قمـــتَ بهـــــا ببسـاطة قلب ،
أنظــــر إلي ما تعمـــــــــــل و أذكر النية التي بهــــا تعمــــل .