الفصل الثالث عشر
إن كل مـــــا فعـــــــله المســــــيح
قـــــــــــــــــد فعــــــله لتعليمـــــك و تثقيفـــــــــــــــك .
تأمــــــل في ولادتين : ولادة آدم و ولادة المســــيح :
كلاهمـــــا إنســـــــــــــــــــان ؛
بيــــــــد إن أحدهمـــا إنســـــــان و حســـــــــــــــب .
و الأخــــــــر إلــــــــــه و إنســــــــــــــــان .
أنــــــت في الإنســان خـــــاطئ و في الله بـــــــــــر .
ولادتـــك من الأول إلي المـــــوت ،
و من الثاني إلي الحيـــــاة :
الولادة الأولى تجرّ معها الخطيئة ،
و الثانيــة تحــرر منهــــــــا ؛
لأن المسيح جـاء إنسـاناً ،
ليحـــــــل النــاس من خطــاياهم .
ولد المسيح في مذود ؛ بيـد أنه يحــــمي العــالم ،
و من ثدي أمه يرضع بيـــــد أنه يقـــــوت الملائكــــة .
بالأقمطـــــــة يلُـــــف بيــــد أنه يكسوك عدم الموت .
يتنــــــــــاول الحـليب طعاماً في حـــــين أنه يعبـــــد .
و في الفندق لا يجــــــــــــد له محـــــــــــــــــــــــلاً ،
في حــــين أنه يقيــــــــــم في قلوب المؤمنين به .
صارت القـــــــوة ضعفــــــاً ،
ليصير الضعــــف قـــــــــوة .
تأمَّل مليـــاً في ولادته بالجسـد ، و لا تحتقرها ،
لتـــــــدرك قيمة تنازله العميق ، حباً بخلاصك ،
أضرم فيك محبته لتبلغَ أزليته .
لــــــم يكـــــن بوســـــــــــــعك أن تتــــــــــــذوق في ذلـــــــك ،
حــــلاوة الله التي لا أســــمى ولا أنــــــــأي منهـــــا عنــــــك ،
و لهــــــــــذا فقد أرسل الوسيط ليقطع تلك المسـافة الشاسعة .
و بما أنك إنســـان عاجـــز عـــن الوصـــــــــــــول إلي الله ،
فقـــــد صـــــار الله إنســـــــــــــــــــاناً ،
ليتمكن مــــــن المجـــيء إلي الإنســان ،
و تتمكن أنـــت من المجــــيء إلي الله ،
بواســطة الإنســـــان فصــــــــــــــار يسوعُ المسيح الإنســانُ ،
و سيطاً بـــين الله و البشـــــــــــــــــــر .
و لكن لو أكتــــفي بأن يكـــون إنسـاناً و حسـب مثــلك ، لما وصلت إلـــي الله .
و لو كان إلهاً وحسب و ليس على شيء مما أنت فيه ، لما وصلت أيضاً إليه .
إنما صار الله إنساناً :
حــتى إذا اقتديــــت بالإنســـان الذي يسعك أن تقتدي به ،
تصل إلي الله الذي لا تصل إليه عن غـــير ذاك الطـريق .
إنــــــــه ذاتــــــه الوســـــــــيط و لـــذلك فقد صار عـذباً ،
كنــــــت مريضاً ترفض الشفاء و تتبـاهي بعافيتــــــــــــك .
و أعطيت الشــــريعة فقَّيــــــــــــدتـك .
وجدتــك مذنبــــــــــاً فشكوت قيودها ،
و جاء الـــــــــــــرب فعالجك بأدوية صعبة و مرة ،
و قــــــل لك في مرضك :
صبراً صبراً ، لا تهَو العالم ، صــــــبراً ؛
نـــــــــــــار العفــــــــــة تشـــــــــــفيك ،
فاحتمـــــل في جراحـــك نار الاضطهاد .
و مع أنك موثــــــق فقـــــد كنت مضطـــــــــــرباً ،
أما هــو : و إن يكـن حـــــــــــراً ، طليقــــــــــــــاً ،
فقد شرب ما أعطي الآخرين أن يشربوه .
لقــــــــــــــد كـــــــــان أول المتــــــألمين
لكـــــــــــي يعــــــزيك و كأنه يقول لك :
أنـــــــا أولّ من تحمَّل حباً بك آلامــــــــاً ،
خفـت أنت من تحملّها حبــــــاً بــــــــي .
فيا لهـــــا من نعمـــة عظيمــــــــــــــة .
جاء المسيح ليفديك أنت أيها القائــــــم تحــــــــــــــت السّنة ،
لئلا تبـــــــقي منذ الآن تحت السنة ،
بل تحت النعمة .
إن الذي وضع الســـــــــــــنةّ ،
هو عينه وضع النعمــــــــــــة :
وضع الســـــــــــــنة بواسطة عبــده ،
و النعمــــــــــــة وضعها بنزولـه .
كنت تحت السَّنة :
لأنــك لـــــــم تحفظهــــــــا و تكملهـــــــــــــا ،
إذ إن حافظ السنة هو معها و ليـــس تحتهــا ،
و من عاش تحتها سحقته و ما ارتفع معها .
أقمـــــــت تحــت السنة فصـرت مذنبــاً ،
و وضعت على عنقــــك نــــــــــــــــيراً ،
لا لترفع عنك خطاياك بل لكي تكشفها .
السَّنة تأمر ،
و واضع السَّنة يشفق على مــــــــــا تـــــــــــأمر بـه .
و متى حاولـــــت بقــــــواك أن تتـــم ما تأمر به السَّـنة
عــــــــــــــــــــــــــــــثرت و تدهورت بسبب وقاحتـك،
و ما عــــــدت ملازماً للســـنة ،
بل صـــــــرت مذنبـــــــــــــــــاً
و تحت نيرهـا تعيـــــــــــــش ،
و حين تطلب من مخلصك أن يســــــــــــــــــــــــــــاعدك ،
تصبــــــح أنــــــــــــت الذي تتهم السنة علَّة المستكبر .
اعتراف من يتواضع
داء من يستكبر :
اعترفت بمرضك :
فوجـــــب على الطبيب أن يجيء ليشــــــــفيك ،
و إنساناً جاء ليشـــفي الناس من عيــــــــوبهم .
و حـــــلّ فــــي أرض ليشفي عينيك الباطنيتين ،
اللتيــــــــــن أعمتهمـــــــــــا الأرض ،
حتى إذا شفيتُ عيناك أيها الظلام أصبحت بالرب نـــوراً ،
و لم يعد النور يشع في الظلمات أمام من لا يكن حاضراً ،
بـــل لكي يظـــــهر واضحـــــــــاً للناظــر إليـــه .
ينهض الختن من سريره ،
و ينتفض كجبار ليقطــــــع مســـــافته جميــلاً كالعــــروس ،
قويــــــاً كالجبار لطيفــــــــــــــــــــــــاً و حـــــازماً شــــديداً ،
و ليناً عذباً مع الأبرار و قاسياً مع الأشـرار .
جعـــــــلك اللــــه أخاً لابنه دون أن يلدك ، فتبنــاك و جعلك له شريكاً في الميراث :
ثم جعــل المسيح شــريكاً لك في المــوت ، ليؤهلك إلي الاشتراك معه في اللاهوت .
إن قدوة المسيح جعــلت ، ما لم يكــــن ، يكــــون ؟
و ضعف المسيح حفــــظ من الهــــلاك ما قـــــد كان :
بقدرتــــه خلقك و بضعفه بحث عنك .
الضعيـــــــــــفُ يقــــوت الضعيفَ كما تقوت الدجاجة فراخهَا ،
و قد تشبّه بها حين قال :
( كم مــــــرة أردت أن أجمع بنيـــــــــــــــك
كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيهـــا
فلم تريدي ) ( متى 23/37 ).
تأمــلّ : ضعفَ الدجاجة مع فراخها دون سواها من الطيور .
كل يوم :
تري الطيور كالســــنونو و الحمام و البجع تبني لها أعشاشاً ،
و لا نمـــيز أمهاتهـــــــا إلاّ إذا رأيناهـا فــي الأعشـــــاش .
بخــلاف الدجاجـــــــــة التي تقـــــلق عــــــــــلى فراخها ،
فتـــدرك إنهـــــــــــــــــا أم و لـو لم تـر خلفهــــــا فراخـاً ،
فــــــــتراها تصــــــــفق بجناحيها و تقف بريشها أحياناً ،
و تقــــوق بصوت أجش ، ثم تـــــتراخي أعضــــــــاؤهـا ،
و كما قلت لك أنفـــــــــاً ، تــــــدرك إنهـــــــــا أم ،
برغم أنــك لا تــــــري لهـــــــــــــــا فراخــــــــــاً .
تـــــــلك هي حـــال يســـــــــوع الضـــــعيف ،
و قـد أنهكــه تعـــــــــــــــــــــب الطــــــــريق :
الجســـــــــد الذي أخذه حباً بنــا هو طريقـــه .
أنظـــــــــــر كم قد أحبك الله من قبل أن تحبه .
إن كــان الله قـــد أحبَّـــــــك بهــــذا المقـــدار ،
فجعــــــــــل ابنه المسـاوي له إنســــــــــــاناً ،
حبـــاً بـــك ، قبل أن تحبَّــه أنت ،
فكيــــــــف لا يحبك الآن و قد صرت تحبــــه .
أشكر الرب وأقبل عطاياه لتؤهَّـــل إلي :