الفصل الثالث عشر
في الغضب و البغض
الغضـــــــــب شهوة الانتقام ، ويصبح بغضاً متى تقادم عهده .
الغضب قشة والبغض خشبة ، فإذ تغذّت القشة صارت خشبة .
ليست الخشبة ، حين تظـــــهر للوجود ، سوي قشة ؛
إذا رويتهــــا صيرتها خشبة كالغضب الذي إذا غذيته بالشكوك الشريرة صيرته بغضاً .
حين يوبخ المبغض يبغي في حدة غضبه أن ينتزع القشة من عين أخيه ،
بيد أن الخشــــــــبة التي في عينــــــــــه تمنعــــــــــــــــه عن ذلـــــــــك .
الفرق شـــــاسع بين خطيئة من يغــضب وخطيئة من ينقاد للبغض .
إنا لنغـــــــــــــــضب أحياناً على أولادنا ؛ ولكن ليس من يبغض أولاده .
وكثيراً ما نجــــــــد في القطيع ذاتـــــــه أمّاً تنفر من صغيرها غـــــــــضبى
فتميل عنه ثم تعود إليه بحنان الأم .
وإن دفعته عنهــــا دفعتــــــــه بمــــــلل ، برغم أنهــــــــا تعود تبحث عنه ،
إن لم تجــــــــــده قريبـــــــــــــــاً .
ونحن أنفسنا لسنا نضرب أولادنا إلا حين نغضب ويثور ثائرنا ،
مع العـــــــلم بأننـــــا لا نضــــربهم لولا حبنا لهـم .
ونقول كذلك أن من يغضب لا يبغــــض لأنه غــــــــــضب ،
كمـــــــــا أن من لا يغضب مقتنع بأنه يكون أحياناً مبغضاً .
هــــــــــــب أن ولـــــــــداً أراد أن يلعب في ميـــــاه النهــــر الجاري :
إن رأيتــــــه وتركته أبغضته ؛ لأنك بعمــــلك هــذا تسبب له الموت .
كم هو أفضل أن تغضب عليه وتؤدبه ولا تغضب عليه وتدعه يموت .
في بدء الأمر يجب على كل إنسان
أن يتحاشى البغـــــــــــــــــــــــض أي الخشبة التي في عينه .
الفرق شاسع أيضاً بين أن تغـــــــــــــــضب فتتعــــــــــــدي بكلامك الأصـــــــــــــــول ،
وهذا شـــــــــــيء يعوض عنه بالاعتذار . وبين أن ترعي في قلبك ، شعوراً شريراً .
وشاسع هو الفرق بين كلام الكتاب القائل :
( لقد ذبلـــــــــــت من الغضــــــــب عــيني )( مزمور6/8 ) .
وبين ما قيل بهذا المعني في رسالة يوحنا
( كل من يبغض أخـــــــاه فهــــــو قـــــاتل ) .
الفرق كبير بين العين الذابلة والعين المنطفئة :
القشة تهيجها والخشبة تطفئها .
إن لم تكن الخشبة في عينـــــك رأيت بوضــــــوح ما في عين أخيــــك ،
وسعيت جــــــاهداً لأن تنتزعه منهــــا .
إن النــــور الذي فيـــــــــــــك لا يدعك تهمل النور الذي في أخـــــــيك .
إن أبغضتة وشئت أن تصلحة ، فكيف ترد له النور يا من فقدت النور ؟
هذا ما قاله الكتاب بوضـــوح حيث جــــــــــــــــــــــــــــاء
( كل من يبغــــــــــض فهو قـــــــــــــــــــــــــاتل .
وكل من يبغض أخاه فهو في الظلمة حتى الآن ) .
(1 يوحنا 9:2 )
أسمع تـــــــــأديب أبيــــــــك (أم 8:1) ،
من المستحيل عليــــــك ألا تؤذي نفسك أولاًَ إن كنت تبغــــــــض أخـــــــــــــــاك .
ومتى حـــــــــــــــــاولت أن تجرح عــــــدّوك في الخارج سلبت نفسك من الداخل .
بقــــــــدر ما تســـــمو النفس على الجســـد
بقدر ذلك عليــــــك أن تهتم بها لئلا تؤذيها .
إن أبغضــــت شخصاً أخر جرحت نفســــــك .
وماذا تصنع بمن تبغضه ؟ ماذا تصـــــــــنع؟
أنـــــــــــــك تسلبه ماله ؛ فهل تسلبه إيمانه؟
إنك تجرحه في صيتــــه ؛
فهل تجرحه في ضميره؟
إن الضـــــرر الذي تلحقه فيه ، خارجي ؛
أنتبه لضـــــرر تلحقـــــــه بنفســــــــــــك .
انــــــك لنفسك عدو داخلي
يا من قــــــد ابغضت قريبك .
وبما إنك لا تدرك الشر الذي تنزله بنفسك تحتدم غيظــــاً على قريبك بشكل خطر
لأنك متى غضبت فقدت شعورك .
غضبت عليه فسلبته ؛ ولهذا فأنت ظالم .
شاسعُ هو الفرق بين الظالم والمسلوب لأن هذا فقد ماله وأنت براءتك .
أبحث عمن تحمل الضرر الأكبر : هـــو خســـر مالاً زائــــــــــلاً ،
وأنت أصبحت معداً للاستهلاك .
يا لك من قاتل ، كيف تحب الله؟ ألم تسمع في رسالة يوحنا : ( إن كل من يبغض أخاه فهو قــــــــاتل ؟ )
{ لأن من لا يحب أخــاه الــــذي يراه فكيف يســـتطيع أن يحـــب الله الذي لا يراه }
ولنا منــــــه هذه الوصية أيضاً : ( مــــــن أحـــــــــب الله فليحـــــــب أخاه أيضــــــاً ) " يوحنا20:4- 21 ".
وأكيد بأنك لا تحـــــــــــــب الله إن أبغضـــــت أخـــاك ، الرب عينه أوصـــــانا بأن نحب بعضنا بعضاً .
وكيف تحب من أبغـــــــــــــــضت وصـــــــــيته ؟؟
أنت تدعّــي محبــــــــة المســــــيح فاحفظ وصيته ؛
وأحبب أخاك لأنك إن لم تحب أخاك فكيف تحـــــب من تحتقر وصيته ؟
أرتعد خوفـــاً أقله حـــــين تســمع : ( من يبغـــض أخاه فهـــو قاتل ) .
ما شهرت سيفاً ولا جرحت لحمـــاً ولا هشمت بالجراح جسماً :
حسبك أن تضمر البغض في قلبــك لكي تكون قاتلاً وتكــــــون أمام الله مجرماً .
هو حي وأنت قتلته ، بقـــــدر ما تمـــــكنت فقد قتلت من أبغضت ، إفتد نفسك وأصلحها .
لو كانت في بيتـــك عقارب وحشرات سامة فكــــم تعمل لتنظفــه منها وتسكن فيه أمناً .
أنت تغضب ويشــــــــــــيخ الغــــــــــضب في قلبك
فيصبــــح بغضاً وعقارب وحشرات سامة وأفاعي
ثم تـأبي أن تنظــــــــــــف قلبـــــــــــــك ، هيكل الله؟
ولكن تغفر أحياناً بلسانك ويبقي قلبــــــك غاضبـــاً .
يا من لا تخشي نظر الله أنت تصفح بلسانك من أجل الناس وتمُسك قلبـــــــــك عن الغفران .
أصفح لأنه لا يجوز ان تغرب الشـــــمس على غضـــــــبك وها هي شموس كثيرة قد مرت .
لا تغرب الشمس على غضبك خــــــــوفاً من أن تغــــــضبها
فتظـــــــــــــــــل في الظـــلام بعد أن تغرب عنك شمس البر .
لا تقل : ليس الغضب شيئاً لأن العيون تــــــذبل من الغــــــضب ؛
وكل من ذبلت عينه عجــــــز عن رؤيــــــــــة الشمس ،
ولو حاول أن يري فبضنك وتعب يري ومن دون غبطة .
سامحْ وسامحْ ، إن شـــاء الله أن ينتقم منـــــــــــك فأين تقيــــم ؟
إن ذاك الــــذي لم يلحق بـــــك أدني ضرر يأبى أن ينتقم منـــك ؛
وأنــــــــــــــت يا من تهين الله ، كل يوم ، تطلب الانتقام لنفسك .